د. محمد راشد يكتب: تطوير آليات مكافحة زيادة الأسعار
فى الحقيقة أن الغلاء وزيادة الأسعار فى حد ذاتها مشكلة تؤرق المواطنين والاقتصاديين والحكومات؛ فهى تحظى باهتمام بالغ من الأطراف الثلاثة والذين يرغبون فى استقرار مستوى الأسعار، والاستقرار هنا ليس معناه الثبات ولكن يعنى زيادة الأسعار بمعدلات طفيفة ومقبولة حتى لا تُحدث أثرًا تضخميًا يزيد من أعباء وتكاليف معيشة المواطنين وفى نفس الوقت تشجع المنتجين على مزيد من الإنتاج. فمواجهة ارتفاع الأسعار مسئولية مشتركة بين أطراف السوق الثلاثة: المنتجين والتجار كطرف أول وما يمثلهم من الغرف التجارية، والمستهلكين كطرف ثان، ومن المفترض أن يمثلهم المجتمع المدنى فى شكل جمعيات لحماية المستهلك فى كل المناطق والأقاليم لكى تشكل حائط صد ضد أى شكل من أشكال الاستغلال أو الممارسات الاحتكارية والتى تنعكس بالطبع على ارتفاع مستوى الأسعار، وفى نفس الوقت تكون حلقة الوصل لتنقل شكاوى المستهلكين للمؤسسات الرسمية للدولة حال حدوث زيادات غير مبررة فى الأسعار، كما أن هناك طرفًا ثالثًا وهو الحكومة باعتبارها منظمًا ومراقبًا للسوق، ومن المفترض أن تكون رمانة الميزان بين التجار والمستهلكين، وأن تضع السياسات وتُقر الإجراءات التى من شأنها إحداث توازن بين مصالح المستهلكين والتجار دون تحقيق مصلحة طرف على حساب مصلحة طرف آخر، حتى لا يحدث خلل فى منظومة اقتصاد السوق الحرة.
وعلى هذا الأساس، يوجد العديد من الإجراءات التى ينبغى على كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة القيام بها للحد من ارتفاع الأسعار. أولًا: نبدأ بالحكومة باعتبارها الجهة التى تضع القواعد والإجراءات المنظمة للسوق والتى أيضًا يقع على عاتقها العبء الأكبر فى هذا الصدد: 1- قيام وزارة التموين بتقديم مشروع قانون لمجلس النواب يلزم فيه جميع الجهات الإنتاجية بكتابة السعر على العبوات المنتجة مع فرض غرامة كبيرة حال وجود أى مخالفات لهذا التشريع، على أن يتضمن هذا السعر هامش الربح وصولًا إلى تاجر التجزئة الأخير كما هو الحال فى صناعة الدواء، مما يمكن وزارة التموين بإجراء رقابة حقيقية على الأسواق وضبط الأسعار ومعاقبة تجار التجزئة المخالفين للأسعار المدونة على العبوات. 2- قيام وزارة التجارة ووزارة التموين بالتعاون معًا فى إنشاء موقع إلكترونى تُعرض به شهريًا جميع العروض والأسعار التى تصدرها سلسلة المتاجر الكبيرة ذات الفروع العديدة، مما يوفر منصة إلكترونية واحدة يمكن للمستهلك الاطلاع عليها ليتعرف على الأرخص منها، ويمكن لجمعيات حماية المستهلك بناء على هذه المنصة تقديم بيانات للمستهلكين تساعدهم فيه على تحديد السلع الأقل سعرًا وأماكن بيعها. 3- إعادة إحياء التعاونيات وسن تشريعات حديثة لتفعيلها والاستفادة منها فى إحداث توازن فى الأسعار، على أن تقدم لها الدولة يد العون من خلال تقديم التمويل الرخيص عبر الاستفادة من مبادرات الحصول على قروض بأسعار فائدة مخفضة، ويمكن إعفاؤها من الضرائب لمدة معينة حتى يشتد عودها وتكون معولًا مهمًا فى ضبط أداء السوق واستقرار مستوى الأسعار. 4- سن تشريع ضريبى يميز بين سعر الضريبة على الأنشطة الصناعية والأنشطة التجارية، بحيث يكون سعر الضريبة أقل على النشاط الصناعى من النشاط التجارى، مما يعد أحد المحفزات التى تشجع على مزيد من الإنتاج وبالتالى زيادة العرض والمنافسة، مما ينعكس إيجابًا على مستوى الأسعار. 5- تشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين على التوجه لإنتاج السلع التى تعانى اختناقات ومحدودية فى الإنتاج، وتقديم الحوافز الممكنة التى تدفعهم فى هذا الاتجاه. 6- الدراسة والمتابعة الجيدة للسوق من خلال إنشاء آلية للإنذار المبكر تعطى ضوءًا أحمر حال استشراف حدوث انخفاض فى المعروض من سلعة معينة، وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه الأزمة بناء على سيناريوهات معدة سلفًا.
ثانيًا: وبالنسبة للمنتجين عليهم الاستعانة بالأساليب الإنتاجية الحديثة القادرة على خفض تكاليف الإنتاج، بما يعنى تخصيصًا أفضل للموارد واستقرار مستوى الأسعار، والالتزام بكتابة الأسعار على العبوات المنتجة.
ثالثًا: أما على مستوى المستهلكين فينبغى ترشيد الاستهلاك بوجه عام ولاسيما من جانب الفئات ميسورة الحال، حتى لا يتسبب سلوكهم الإسرافى هذا فى زيادة الطلب وبالتالى ارتفاع الأسعار مما يضر بالطبقتين المتوسطة والفقيرة، كما ينبغى على جمهور المستهلكين مقاطعة السلع التى يوجد ارتفاع غير مبرر فى أسعارها على أن يتم ذلك من خلال إطار مؤسسى يتمثل فى جمعيات للدفاع عن حقوق المستهلكين، على أن يكون الجميع يدًا واحدة فى مواجهة حيتان السوق، وهذه الآلية أثبتت فعاليتها فى كثير من الدول.
د. محمد راشد
مدرس الاقتصاد، كلية السياسة والاقتصاد جامعة بنى سويف