د. مدحت حماد يكتب: سؤال منطقى وبسيط هو.. ماذا لو نجحت المقاومة الفلسطينية فى تحرير القدس بدعم من إيران؟ (2)
فى الحلقة السابقة طرحنا السؤال التالى: كيف ستبدو خريطة التوازن الإقليمى فى حال تمكن المقاومة الفلسطينية من تحقيق الانتصار على إسرائيل بدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكيف ستكون مواقفنا إن تحقق هذا الانتصار للمقاومة الفلسطينية، وإلى أى جانب سنقف، هل سنقف إلى جانب السلطة الفلسطينية ومن ثم إلى جانب بقاء إسرائيل، أم سنقف إلى جانب المقاومة وتحرير القدس وبالتالى سنكون فى نفس الخندق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال المركّب، نحتاج أن نذكر النقاط التالية:
أولًا.. أن المستجدات النوعية التى سبقت "احتفالات" محور المقاومة بيوم القدس، الذى وافق الجمعة 29 إبريل 2022 تبدو بمثابة تحول نوعى فى طبيعة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، حيث تمكن المجاهدون الفلسطينيون من قتل قرابة 15 يهوديًا خلال شهرى مارس وإبريل 2022، وتتضاعف خصوصية هذا الأمر إذا ما تذكرنا أن ما تحقق إنما تحقق بالسلاح وفى قلب إسرائيل وفى القلب منها تل أبيب، وأن ما حدث لم يكن من خلال عمليات مواجهة عسكرية إنما كان بأعمال فردية من جانب فلسطينيين لا يرتبطون بفصائل المقاومة الفلسطينية.
ثانيًا.. قيام الدولة الراعية لمحور المقاومة، أى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالتأكيد على بقاء دعمها ونصرتها للمقاومة الفلسطينية ماليًا ولوجستيًا وعسكريًا و... وذلك على لسان مرشد الجمهورية سيد على خامنه أى، ورئيس الجمهورية، وقائد الحرس الثورى، وقائد فيلق القدس، ووزير الخارجية الإيرانى.
ثالثًا.. إعلان إيران فى جمعة القدس 28 إبريل 2022_ من خلال العميد قا آنى قائد فيلق القدس- عن أنها قد قامت باختراق الأجواء الإسرائيلية فى تل أبيب بطائرتين مسيرتين منذ أربعة أشهر وأنه بالرغم من أن إسرائيل قد أعلنت الاستنفار العسكرى الأمنى، إلا أنها لم تتمكن من منع أو إسقاط الطائرتين، وكذلك إعلان قائد استخبارات الحرس الثورى فى نفس اليوم أن استخبارات الحرس الثورى قد قامت بتسليم الاستخبارات الإسرائيلية عبر دولة ثالثة، سى دى بها صور وبيانات المواقع الجديدة للمخازن الخاصة بالأسلحة النووية والاستراتيجية التى تمتلكها إسرائيل!.
رابعًا.. إعلان حسن نصر الله أن إيران قد قررت الرد الفورى على أية اعتداءات إسرائيلية توجه لمصالح إيران، أيًا ما كانت الدولة التى ستنطلق منها هذه الاعتداءات، على نحو ما قامت به من ضرب مقرات المخابرات الإسرائيلية فى أربيل العراقية، هذا فضلًا عن جهوزية حزب الله للتعامل الفورى الحاسم القاطع مع أية تجاوزات أو اعتداءات أو خروقات تقوم بها إسرائيل ضد لبنان بصفة عامة وحزب الله بصفة خاصة.
خامسًا.. تقول المعطيات الخاصة بالنطاق الجغرافى المباشر لإسرائيل، إنها، ولأول مرة منذ تخليقها فى عام 1948، قد باتت محاصرة بدائرة من نيران الصواريخ المباشرة التى لا تهدد أمنها فحسب، إنما تهدد وجودها أيضًا، هذه النيران مملوكة لحزب الله، الفصائل الفلسطينية، سوريا، الحشد الشعبى فى العراق، الحوثيين فى اليمن، ومن خلف هؤلاء جميعًا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما لديها من قدرات عسكرية استراتيجية غير مسبوقة. لقد أعلن حسن نصر الله منذ عامين أن الحد الأدنى لقدرات حزب الله الصاروخية، يتجاوز 150 ألف صاروخ بكثير، وفى العام الماضى وعقب انتهاء عملية سيف القدس، أعلنت المقاومة الفلسطينية أنها قد باتت تمتلك قدرات صاروخية مماثلة، وفى نفس الوقت تؤكد كل هذه الأطراف أنها قد باتت تصنع ما تحتاجه من صواريخ فى الداخل، وهو أمر جد خطير من جهة، ويفسّر لنا عدم اندفاع إسرائيل للدخول فى عمليات ومواجهات عسكرية مباشرة مع أى من هذه الأطراف، من جهة أخرى. ليس هذا فحسب، بل كشفت المقاومة الفلسطينية عن قيامها بتصنيع طائرة مسيّرة هى طائرة "جنين" وأنها قد دخلت الخدمة فعليًا، بخلاف إعلان حسن نصر الله أن حزب الله قد بات يمتلك منظومة للدفاع الجوى، وكذلك قدرات نوعية جديدة على صعيد صناعة الطائرات المسيرة، وهو ما جسدته عملية الاختراق الجوى التى قام بها حزب الله داخل مستعمرات الشمال الإسرائيلى لمدة 45 دقيقة وبعمق 70 كم دون أن تتمكن وسائل الدفاع الجوى الإسرائيلية من منعها أو التصدى لها.
سادسًا.. الشاهد من كل ما سبق هو أنه فى الوقت الذى تقوم فيه إسرائيل بتأمين نسبى لمصالحها من خلال التطبيع مع بعض الدول العربية مثل الإمارات والبحرين، بجانب مصر والأردن، إلا أن كل هذه الجهود تبدو كأنها "النقش على الماء" على صعيد التهديدات الوجودية التى باتت تحيط بها. وهو ما يمكن معه رصد أيضًا تصريحات قادة المقاومة الفلسطينية وحزب الله من جهة وقادة إيران من جهة أخرى، حيث أخذ الجميع يرددون بطرق مختلفة مضمون ومنطوق جملة واحدة هى: أن الطريق إلى تحرير القدس وفلسطين قد بات مفتوحًا، وأنهم سوف يصلون إلى القدس فى القريب العاجل وبشكل لا يتخيله البعض، بل إنه قد لوحِظ أيضًا أن احتفالات يوم القدس لهذا العام يرافقها استخدام جملتين هما: "القدس هى المحور"، وكذلك "حِلف القدس".
سابعًا وأخيرًا.. إن محمود عباس أبو مازن قد فاض به الكيل، ولقد أعلنها صراحة لمدير الاستخبارات الإسرائيلى، فى اجتماعهم الذى تم الكشف عنه مؤخرًا، أنه لم يعد بوسعه أن يضمن التهدئة أو أن يوقف ويمنع التصعيد التى تشهده الأراضى الفلسطينية المحتلة. وهو ما يكشف أن إسرائيل لا ترى المتغيرات والمستجدات الخاصة بالصراع والمواجهة مع الفلسطينيين، أو أنها تراها لكن تقرؤها بنحو خاطئ تمامًا. بل إن صعود اليمين الإسرائيلى المتطرف، والانتهاكات الصارخة الوقحة التى يقوم بها المستوطنون بشأن الفلسطينيين بصفة عامة والقدس والمسجد الأقصى بصفة خاصة، ومحاولات الكيان الإسرائيلى من فرض تقسيم زمانى ومكانى داخل المسجد الأقصى، وقيام يحيى السنوار قائد حماس فى غزة بالإعلان عن قرب وقوع "المعركة الكبرى" ضد كيان الاحتلال الفلسطينى عقب شهر رمضان المبارك، وأنها ستكون حربًا دينيِّة وحرب وجود ضد الكيان الصهيونى، وأن سيف القدس الذى تم رفعه فى رمضان 2021 لن يُغمد إلا بعد النصر وتحرير القدس، بل الأكثر من ذلك إعلانه عن اعتزام المقاومة كسر الحصار البحرى المفروض على غزة وبدء تشغيل ميناء غزة عقب رمضان مباشرة، ومطالبته بوقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية، كلها من المتغيرات الجذرية التى باتت تتجسد بوضوح فى الصراع مع إسرائيل، الأمر الذى يبيِّن بوضوح أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كانت هناك قدرات عسكرية واستخباراتية ولوجستية قد باتت متاحة لدى المقاومة الفلسطينية، والتى كانت قد أعلنت ولا تزال تعلن، أن ذلك قد تحقق بدعم شامل كلى نوعى من جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بإشراف ومتابعة مباشرة من فيلق القدس، سواء أثناء قيادة قاسم سليمانى الذى يلقبونه بالشهيد، أو أثناء قيادة العميد قا آنى القائد الحالى لفيلق القدس.
إذًا هل من الممكن فعلًا أن يتحقق هذا السيناريو: أى السيناريو المستحيل، وهو سيناريو: "نجاح المقاومة الفلسطينية فى تحرير القدس بدعم من إيران"؟!.
سأفترض، فى إطار المعطيات والمستجدات والمتغيرات التى أوردناها فى هذا المقال أو المقال السابق، أن هذا السيناريو قد أصبح واقعًا فعليًا، وبالفعل تمكنت المقاومة الفلسطينية، بدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من تحقيق النصر على الجيش الإسرائيلى. من هنا يكون السؤال هو: ما النتائج؟ وكيف ستبدو خريطة فلسطين وما حولها؟ وإلى أى مدى سيكون هذا النصر؟ وما نطاقه الجغرافى؟ وهل سيهدِّد "وجود إسرائيل" كدولة تعترف بها الأمم المتحدة؟ أم ستقتصر دوائره على الأراضى التى تم احتلالها فى عام 1967؟ أم سينتهى بزوال إسرائيل؟!.