بوتين يلعب على الوقت.. روسيا توقع أوكرانيا في فخ المفاوضات
على الرغم من أظهار أوروبا لفشل لاجيش الروسي في تحقيق مكاسب على الأرض في مواجهة المقاومة الأوكرانية، فإن محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا بدأت تذهب بعيداً، ومع انسحاب القوات الروسية من منطقة كييف، خرجت الاصوات الأوروبية تنادي بالأدلة التي تشير إلى وقوع مذبحة في بوتشا، الأمر الذي جعل الدبلوماسية أكثر صعوبة مع اتهام زعماء الغرب لموسكو بحق بارتكاب جرائم حرب.
بالرغم من محاولات الكرملين اليائسة لتوضيح أذا ما حدث مجازر أو قتل جماعي، واتهام أوكرانيا بتدبير المذبحة، اتهمت أوروبا روسيا بأن عمليات القتل الجماعي للمدنيين كانت خطوة متعمدة، ويريد الكرملين أن يثبت استعداده لتجاوز كل الخطوط الحمراء لتحقيق مكاسب كبيرة ثم التفاوض مع أوكرانيا من موقع القوة، وبهذه الطريقة، يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحصول على أقصى قدر من التنازلات التي من شأنها التغطية على إخفاقات روسيا العسكرية وتمكينه من تسويق هذه المكاسب باعتبارها نصراً مجيداً في الداخل.
قالت ناتيا سيسكوريا خبير في العلاقات الأوروبية الروسية، إن أحد المطالب الروسية الرئيسية هو أن تعلن أوكرانيا الحياد ونزع السلاح، وهذا من شأنه أن يسمح لروسيا بادعاء انتصار دعائي في النجاح في تجنب التهديد غير الموجود المتمثل في توسع حلف شمال الأطلسي على حدودها الجنوبية، في حين يترك أوكرانيا بلا دفاع في مواجهة العدوان الروسي في المستقبل.
وأضافت سيسكوريا أن مواجهة عدد كبير من القتلى في ساحة المعركة، وفقاً لأوكرانيا، قُتل نحو 20 ألف جندي روسي، وحتى الكرملين اعترف بخسائر كبيرة، بالتزامن مع العقوبات الساحقة التي من المقرر أن تتوسع أكثر مع عدم تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة حتى الآن، هناك ولا يوجد حافز لبوتين للتفاوض على إنهاء الحرب حتى الآن.
بل على العكس من ذلك، وبسبب نهج المحصلة الصفرية الذي يتبناه بوتين، يبدو أن الحرب تدخل مرحلتها الأكثر خطورة، إن الأداء العسكري الروسي غير الناجح حتى الآن يزيد من احتمال اختيار موسكو لاستخدام الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل العالم أقرب خطوة إلى استخدام الأسلحة النووية.
أوضحت خبيرة العلاقات الروسية الأوربية، أن بسبب هوس بوتين بتدمير أوكرانيا وقتل المدنيين، فإن الحلفاء الغربيين يغيرون موقفهم ببطء ولكن بشكل متزايد بشأن إرسال الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، ومع ذلك فإن الوقت ينفد، وما لم يواجه بوتين استجابة سريعة وغير مسبوقة من قِبَل حلفاء أوكرانيا، فقد يفسر أي تردد غربي باعتباره ضوءاً أخضر للمضي قدماً في استخدام ترسانته النووية لتحقيق هدفه النهائي.
ولم تكن روسيا مهتمة بالمشاركة في أي محادثات دبلوماسية ذات معنى منذ بدء الحرب، الدليل على ذلك الاجتماع الأول رفيع المستوى في تركيا، بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا، انتهى دون إحراز أي تقدم، ولم تتمكن روسيا حتى من الموافقة على وقف مؤقت لإطلاق النار لتمكين أوكرانيا من فتح ممرات إنسانية لإجلاء مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين من مدينة ماريوبول المحاصرة، ولم يكن من المتصور أن يحقق كبار المسؤولين أي اختراق في إنهاء الحرب.
وفي أعقاب هجوم بوتشا، الذي أثار غضبه بسبب مزاعم ارتكاب جرائم حرب، اتهم لافروف أوكرانيا باقتراح اتفاق سلام غير مقبول، في الواقع، يستخدم لافروف خدعة روسية قديمة، وتظل موسكو منخرطة رسميًا في عملية المفاوضات دون أن تكون مستعدة لتقديم أي تنازلات، ومن الممكن استخدام محادثات السلام لتبرير عدوان روسيا الإضافي على الدول المحايدة من خلال تصوير أوكرانيا باعتبارها جهة فاعلة غير عقلانية، وغير راغبة في قبول العرض الذي من المفترض أن ينهي الحرب، على الرغم من أن السلام الهش قد يأتي على حساب سيادتها وسلامة أراضيها.
استخدمت روسيا نفس الاستراتيجية في ديسمبر 2021، حيث طرحت مطالب أمنية غير مجدية تجاه حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، مع العلم مسبقًا أن الحلفاء لن يقبلوا أبدًا شروط روسيا، ورغم أن انضمام أوكرانيا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي لم يكن على الإطلاق على أجندة المستقبل المنظور، فمن الواضح أن تهديد حلف شمال الأطلسي لم يخدم إلا كذريعة للغزو وخلق عدو خارجي من شأنه أن يوحد الروس حول العلم.
وعلى نحو مماثل، وفي الجولات الأخيرة من المحادثات الدبلوماسية، طالبت روسيا أوكرانيا بالالتزام بالحياد، وهو ما يعني رفضاً رسمياً لتطلعاتها إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وتضمنت المطالب الأخرى نزع سلاح أوكرانيا، وقبول شبه جزيرة القرم التي ضمتها باعتبارها أرضا روسية، والاعتراف بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين اللتين تحتلهما روسيا كجمهوريتين مستقلتين.