د. مدحت حماد يكتب: «جنين» وسيناريوهات إشعال الصراع العربى الإسرائيلى من جديد!
ما تشهده فلسطين المحتلة من تطورات متلاحقة منذ أكثر من أسبوع، وعملية الثأر الفلسطينى التى قام بها الشاب رعد، وما أعقبها من استنفار عسكرى أمنى استخباراتى من جانب الاحتلال الإسرائيلى، ثم قيام قوات الاحتلال ببدء عملية تمشيط واعتقالات أمنية عسكرية، وتبجح الاحتلال الإسرائيلى وسفوره وفجوره من خلال مطالبته والد الشهيد رعد بتسليم نفسه بنفسه، وما أعقب ذلك من حشد شعبوى عسكرى أمنى لمنظمات المقاومة المسلحة، وإعلانها بأن "جنين" لن تكون بمفردها فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى، والجرأة العجيبة لبعض الدول العربية بإدانتها مقتل المدنيين الإسرائيليين، بل قيام الأخ محمود عباس أبو مازن بإدانة مقتل الإسرائيليين، إنما تعكس وتشير إلى أن المنطقة بصدد اشتعال الحرب مع كيان الاحتلال الإسرائيلى مرة أخرى.
المشكلة لم تعد تتعلق باشتعال الحرب أم لا، إنما باتت تتعلق بعدد من الأسئلة الأخرى، هى:
١- متى ستشتعل هذه الحرب؟
٢- ما الذى ستفرضه هذه الحرب من معادلات جديدة فى الصراع العربى الإسرائيلى؟
٣- ما الخيارات التى ستكون متاحة أمام الدول العربية التى لم تتطبع فقط مع إسرائيل، إنما عقدت معها شراكات واتفاقيات عسكرية أمنية، وليست سياسية؟
٤- إلى أى مدى سوف تتغير المعادلات الخاصة بالقضية الفلسطينية؟
٥- إلى أى مدى تبدو فرص هذا التغيير لصالح المقاومة الفلسطينية ومعها حزب الله اللبنانى؟
٦- ما الذى سيكون عليه موقف الدول العربية المطبِّعة حديثًا مع إسرائيل، فيما لو رجحت كفة تحالف المقاومة الفلسطينية وحزب الله؟
٧- كيف ستتبلور من جديد طبيعة الوجود الإيرانى فى النطاق الجغرافى المباشر لإسرائيل، وما الذى سينتج عن ذلك التحول؟
٨- إذا حدث وتمكنت المقاومة الفلسطينية من فرض كلمتها بقوة السلاح، هل ستسلّم إسرائيل بإعادة الأراضى والحقوق الفلسطينية، أم ستنتهج سياسة الهروب للأمام بإشعال الحرب على الجبهة السورية، ولو من باب التخفيف من الضغط الروسى على أوكرانيا؟
١٠- وسط كل هذه المتغيرات المتوقعة، كيف تبدو فرص الدور المصرى؟ وإلى أى طرف ستنحاز مصر.. هل ستنحاز إلى تأييد المقاومة الفلسطينية طبعًا فى حال نجاحها فرض إرادتها بالقوة المسلحة، وبالتالى تأييد التحالف الفلسطينى السورى اللبنانى وفى الخلف منه إيران وروسيا، أم ستنحاز إلى صالح احتواء كل هذه المتغيرات المحتملة من أجل عدم انفجار الموقف على الحدود المصرية الإسرائيلية، وهل ستتورع إسرائيل عن إشعال الموقف داخل سيناء من أجل الضغط على مصر كى تنحاز لصالحها؟
أعتقد أن اشتعال الحرب مجددًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيكون بمثابة تكرار لسيناريو يونيو ٢٠٠٦، الذى تمكن فيه حزب الله اللبنانى من ردع إسرائيل، ردعًا مازلنا نشهد ونعيش نتائجه وتداعياته حتى الآن.
لكن السؤال الرئيسى هنا هو: فى حال اشتعال هذه الحرب، هل ستتوقف نتائجها، عند الطرف الفلسطينى فقط؟
لأكثر من سبب، أرى أنه إذا ما اشتعلت هذه الحرب، فإنها سوف تؤدى بالضرورة إلى حدوث تغيير جذرى فى خارطة التوازن العسكرى الأمنى العربى الإقليمى، وأنها ربما تؤدى إلى تعاظم دور المقاومة الفلسطينية المسلحة على حساب دور الأخ محمود عباس أبو مازن، وأن هذا الدور إذا ما تبلور فعليًا، هو الذى سيقود خريطة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بدلًا من منظمة التحرير، عندها قد نجد ظهورًا أكثر صرامة وصراحة لإيران، انطلاقًا من كونها تعارض العملية السلمية برمتها وتؤمن بل تعلن بقرب زوال إسرائيل.
من هنا، واستنادًا لما سبق، أقول إننا بصدد سيناريوهات ثلاثة هى:
السيناريو الأول:
إما أن تتمكن إسرائيل من المقاومة الفلسطينية وبالتالى تتمكن من قيادة وتوجيه القضية الفلسطينية إلى الوجهة التى تريدها، أى القضاء على ما تبقى منها قضاء مبرمًا ولنصف قرن جديد.
السيناريو الثانى:
أن تتمكن المقاومة الفلسطينية من تحقيق انتصار عسكرى نوعى كالذى حققه حزب الله فى يونيو ٢٠٠٦، وتعمد إسرائيل إلى احتواء الموقف، مثلما فعلت مع حسن نصر الله، وبالتالى نكون بصدد تحول نوعى فى آليات الصراع العربى الإسرائيلى يقوم على "هدنة الانتظار"، لحين اشتعال الصراع فى جولة قادمة أخيرة لحسم مستقبل وجود الكيان الإسرائيلى.
السيناريو الثالث :
أن تحقق المقاومة الفلسطينية انتصارًا نوعيًا ساحقًا، يغرى بقية أطراف الصراع "العربى الإسلامى" ضد إسرائيل، مثل حزب الله اللبنانى وسوريا، ومن خلفهما إيران، ونكون بصدد زلزال يهدد فعليًا بزوال الوجود الإسرائيلى، بكل ما يستتبعه ذلك من تدخل، أو توريط، أو انخراط قوى عربية أخرى فى الصراع مثل مصر، السعودية وبالقطع الأردن، بجانب اندفاع واستنفار أوروبى أمريكى، لإغاثة وإنقاذ كيان الاحتلال الصهيونى من الزوال.
أعتقد أننا بصدد تشكّل مقدمات وقوع السيناريو الثانى.