القوة الأوروبية تظهر الوجه الحقيقي.. ماكرون يكشف ضعف القارة العجوز أمام روسيا
كشفت الحرب الروسية الأوكرانية الوجه الحقيقي لقوة الدول الأوروبية، الشبه منعدمة، فعلى سبيل المثال،قبل خمس سنوات، تم انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وعد بتنشيط الاتحاد الأوروبي بقوة ورؤية جديدة،وتعهد "بالدفاع عن أوروبا" وحماية "حضارتها"، لكن بعد الحرب الروسية أين ماكرون وتعهداته؟
يرى بارت سزيوزيك عضو سابق في طاقم تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، أن رؤية ماكرون لأوروبا، والتي طورها بقدر كبير من التفصيل خلال السنوات التي قضاها في منصبه، تكمن فكرة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، وهو ينبغي أن تكون أوروبا قادرة على تأكيد استقلالها.
قال سزيوزيك إن هذه الرؤية المفصلة لأوروبا تحطمت واحترقت للتو في أوكرانيا، بخلاف موجة من المحاولات الفاشلة للدبلوماسية الشخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان ماكرون غائبا تقريبا عن تعبئة استجابة أوروبا لأخطر تهديد للقارة منذ عام 1945.
وأضاف أن فشل ماكرون في التصالح مع الحرب الروسية، والفظائع واسعة النطاق على نحو متزايد، والتهديد الذي يهدد أمن أوروبا، يعود بنا إلى أيديولوجيته في السياسة الخارجية، وبفضل فكره القوي وسلطته الدستورية الواسعة التي تمكنه من تفعيل معتقداته، قادت ماكرون مباشرة إلى إخفاقه مع بوتين.
وأوضح أن ماكرون أكد مراراً على أن الثقافة والحضارة الأوروبية تختلف عن الولايات المتحدة والصين، ولكنها تشمل روسيا، فمن خلال المساواة بين واشنطن وبكين على أنهما على نفس القدر من العداء للمصالح الأوروبية، يزعم ماكرون أن "ما تمثله أوروبا" لا يمكن أن يعهد به إلى "الجانب الآخر من المحيط الأطلسي أو على أطراف آسيا".
من ناحية أخرى، تتمتع روسيا بمكانة خاصة في مجمع قوى ماكرون باعتبارها "جزءا من أوروبا" بقدر ما تتمتع به فرنسا، لذلك قناعة ماكرون بضرورة سحب روسيا إلى أوروبا وإبعاد الولايات المتحدة عنها جعلته يسعى إلى إقامة "علاقة جديدة" مع روسيا، ضد المصالح الواضحة للعديد من الدول الأوروبية التي تنظر إلى روسيا والولايات المتحدة بشكل مختلف.
ولتحقيق هذه الغاية، ذكر سزيوزيك المبادرات العسكرية المتواضعة داخل الاتحاد الأوروبي التي أطلقتها فرنسا، رغم أنها لا تقترب بأي حال من الفعالية من قدرات منظمة حلف شمال الأطلسي وهياكلها، وقال أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي ساخراً إن مبادرة التدخل الأوروبي، وهي مشروع عسكري مشترك مقره في باريس مع دول أوروبية أخرى، تم نشرها فقط للسير خلال العرض السنوي ليوم الباستيل في شارع الشانزليزيه، ولكن في حين أن الولايات المتحدة قد تتخلى عن أوروبا في أي وقت، يرى ماكرون أنه "لا يمكن أن يكون هناك مشروع دفاعي وأمني للمواطنين الأوروبيين دون إعادة بناء الثقة تدريجيا مع روسيا، وكان هدفه مع بوتين "بناء بنية جديدة تقوم على الثقة والأمن في أوروبا"، وفي الواقع، زعم أن دولًا مثل الولايات المتحدة كانت تحث أوروبا على "فرض المزيد من العقوبات على روسيا لأن ذلك يصب في مصلحتها". وقال ماكرون إن مصالح أوروبا لن تتحقق «بالتأكيد» من خلال فرض عقوبات على روسيا.
في الساعات الأولى من يوم 24 فبراير، عندما ضربت أولى الصواريخ الروسية المدن الأوكرانية، انهار صرح ماكرون الفكري تحت وطأة أوهامه وتناقضاته.
قبل الغزو الروسي، وضع ماكرون نفسه كوسيط رئيسي يمكنه التحدث إلى جميع الأطراف في روسيا وأوكرانيا والغرب، فضلا عن التفاوض على وسيلة للخروج من الصراع، وانطلاقاً من نظريته حول مكانة روسيا في الحضارة الأوروبية والثقة في قدراته كمفاوض، يبدو أنه لم يركز إلا قليلاً على بناء الردع من خلال نشر القوات على الجانب الشرقي لأوروبا أو الإعلان المسبق عن عقوبات صارمة، وبدلاً من ذلك، راهن على الدبلوماسية وذكائه الشخصي للتوفيق بين مخاوف روسيا المتصورة من خلال بناء "نظام جديد للأمن والاستقرار" لأوروبا بالتعاون مع بوتين، لقد طار إلى موسكو أولاً وإلى كييف بعد ذلك فقط، على عكس القادة الآخرين، مثل المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي نسق موقفه مع الأوكرانيين أولاً، ولم يكن مفاجئا لأحد باستثناء ماكرون أن الدبلوماسية بدون نفوذ أثبتت عدم فعاليتها.
وعلى الرغم من أن الحرب المتزايدة في روسيا كانت جارية على قدم وساق، إلا أن ماكرون لم يعترف بأنه أخطأ في الحكم على بوتين بشكل خطير، وبدلاً من تغيير المسار والمساعدة في بناء التحالف لوقف روسيا، ضاعف ماكرون منذ ذلك الحين من تواصله الدبلوماسي من خلال مكالمات متعددة لموسكو منذ الغزو، حتى أنه حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من التصعيد بالقول أو الفعل، نشرت فرنسا 500 جندي فقط في رومانيا منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى 500 جندي متمركزين بالفعل في إستونيا، ولم تكشف عن إمداداتها من الأسلحة إلى أوكرانيا، سواء لأنها صغيرة جدًا أو لأن ماكرون يرغب في تجنب استفزازها روسيا بإعلانها.