بعد تخلي الغرب عنها.. أوكرانيا تستعد للتنازلات الصعبة مقابل الانسحاب الروسي
في الأيام الأخيرة، بدأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الخطوات الأولى نحو السلام من خلال إعلان انفتاحه على تقديم العديد من التنازلات للمطالب الروسية، وتشمل هذه الالتزام بالحياد الأوكراني فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ورفض أي ترسانة نووية، وقبول السيطرة الروسية على المناطق الشرقية في أوكرانيا، حتى أنه أشار إلى استعداده لتغيير سياسات اللغة التي حرمت المتحدثين باللغة الروسية، أعطت إعلانات زيلينسكي للمحادثات المباشرة التي انعقدت في إسطنبول بعض الأمل في وقف إطلاق النار.
قال زاكاري بايكين، الباحث في مركز أبحاث السياسة الأوروبية CEPS، إنه على الرغم أن الأوكرانيين ينظرون على نحو متزايد إلى هذه التنازلات باعتبارها حتمية، إلا أنهم غير متحمسين لتقديمها، وهم على حق عندما يقولون إنه لا ينبغي لنا أن نتوقع منهم تقديم تنازلات طوعية، لأن روسيا هي المعتدية، وهم محقون أيضاً في الشعور بخيبة الأمل إزاء فشل الغرب في مواجهة إدانته الأخلاقية لروسيا بتقديم المزيد من الدعم المادي لأوكرانيا، لقد أوضحت الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة أنها في حين أنها ستعاقب روسيا اقتصادياً، بل وربما تقطع واردات الطاقة الروسية بالكامل مع مرور الوقت، فإنها لن تقدم عسكرياً سوى المعدات الدفاعية، وعلى الرغم من دعوات زيلينسكي المتكررة، وافق الغرب على عدم فرض منطقة حظر جوي أو إرسال قوات برية، سعياً لتجنب الانجرار إلى صراع مباشر مع موسكو.
وأكد بايكين أن الغرب كان يرعى في الماضي طموحات أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي دون أن تكون لديه أي نية لإغضاب روسيا من خلال السماح لها بذلك فعلياً، لم يؤدي هذا إلا إلى إثارة غضب موسكو دون نهاية واضحة، إن الاستحضار الذي لا نهاية له للمبادئ على حساب الدبلوماسية والاستراتيجية الإبداعية هو وصفة لكارثة.
وفي خضم الحرب التي هددت وجود أوكرانيا كأمة، يبدو أن زيلينسكي والأوكرانيين قد أدركوا أخيرا أنه سيتعين عليهم التخلي عن طموحهم في الانضمام إلى تحالف الدفاع الغربي وربما محو هذا الطموح من دستورهم.
وبعد مفاوضات بدا أن الروس يعتقدون أن نظراءهم الأوكرانيين لم يعودوا مهتمين بأن يكونوا جزءًا من حلف شمال الأطلسي، ووصفوا محادثات اسطنبول بأنها "ذات معنى"، وقالوا إن روسيا "ستخفض النشاط العسكري" بالقرب من كييف ومدينة تشيرنيهيف بشمال أوكرانيا، وتم تشجيعهم على تنظيم اجتماع بين زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في وقت أقرب مما كان متوقعا في البداية.
وقال مساعد الرئيس الروسي فلاديمير ميدينسكي: "لقد تلقينا مقترحات مكتوبة من أوكرانيا تؤكد سعيها نحو وضع محايد وخالي من الأسلحة النووية، مع رفض إنتاج ونشر جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل". وترأس الوفد الروسي في المحادثات، بحسب وكالة الأنباء الروسية تاس. "لقد تلقينا هذه المقترحات المكتوبة."
ومع ذلك، يصر زيلينسكي على أن وعد أوكرانيا بالبقاء محايدًا وغير نووي يعتمد على الضمانات الأمنية من دول الناتو، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا، إن الإصرار على الضمانات الأمنية ينبع من تجربة روسيا الطويلة في الأكاذيب والخداع، وفي عام 1994، وبموجب مذكرة بودابست، وافقت أوكرانيا على التخلي عن ترسانتها النووية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية في مقابل إنهاء تدخل روسيا في شؤونها الداخلية والوعد باحتفاظ أوكرانيا بسيادتها الكاملة وسلامة أراضيها، ولكن على الرغم من هذه التأكيدات، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 وشنت غزوا كاملا لأوكرانيا.
وأضاف بايكين أن أوكرانيا تبحث عن التزام جماعي بالدفاع عن سلامة أراضي أوكرانيا في حالة انتهاك حيادها، موضحا من الناحية النظرية، ينبغي أن يمثل هذا خيارا قابلا للتطبيق لاحترام حقوق الدول في الفضاء الأوروبي الأطلسي التي تريد أن تكون محايدة، ومع ذلك يبدو من غير المرجح أن يقدم الغرب أي وعود ترقى إلى مستوى التورط المباشر في أي صراع مستقبلي أيضًا.