النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 07:51 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

من سيدفع؟.. النصر في أوكرانيا يتطلب تكلفة لشراء مفتاح الفوز

بعد إعلان بوتين أنه على مشارف كييف فمن الممكن أنه بحلول الوقت الذي تقرأ فيه هذا التقرير، لن تكون أوكرانيا موجودة كدولة ذات سيادة، وسوف يستمر القتال محتدما، ولكن في وقت ما قريبا، سيتم قتل أو أسر قادة البلاد، بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أو سوف يفرون عبر الحدود لتأسيس حكومة في المنفى، وسوف يتولى نظام دمية رئاسة كييف، فماذا ستفعل أوروبا إذن؟

خلافاً لما حدث بين عامي 1948 و1956، عندما سحق الاتحاد السوفييتي تشيكوسلوفاكيا ثم المجر، فإن الأوكرانيين لن يستسلموا من دون قتال طويل، وأياً كانت جيوب المقاومة المتبقية في ثاني أكبر دولة في أوروبا، فإنها سوف تتحول إلى حركات تمرد ببساطة بفضل تغير النظام، وستسعى الحكومة الشرعية إلى تنظيم مقاومة وطنية، وسوف تتم دعوة الغرب لتزويدهم بالأسلحة، وذكرت مجلة فورين بوليسي أن إدارة بايدن تناقش بشكل محموم الحكمة من تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، مع قلق بعض المسؤولين من أن القيام بذلك قد يدفع روسيا إلى إعلان الولايات المتحدة "قتال مشترك".

ووفقا لفورين بوليسي فأن ضابط كبير في مشاة البحرية يتمتع بخبرة واسعة في كل من العراق وأفغانستان، يعتبر أوكرانيا منطقة مثالية لمكافحة التمرد، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الوصول إلى قاعدة خلفية مثل بولندا من شأنه أن يوفر للمقاتلين ملاذا، مثلما فعلت باكستان مع طالبان.

ومع ذلك، فإن التجربة الروسية في أفغانستان والتجربة الأميركية في العراق وفيتنام تظهر لنا أن القوى العظمى مستعدة لإراقة قدر كبير من الدماء قبل الاعتراف بعدم جدوى جهودها، كما أن التجارب السابقة لا توفر قدراً كبيراً من التفاؤل بأن المساعدة الخارجية يمكن أن تحدث فرقاً حاسماً، قبل عقد من الزمان، أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعليماته لمساعديه الشباب المثاليين الذين توسلون إليه بالتدخل نيابة عن المتمردين في سوريا لمعرفة ما إذا كانت أي جهود من هذا القبيل قد نجحت في الماضي، وباستثناء أفغانستان، حيث تبين أن رد الفعل العكسي المتمثل في تزويد المجاهدين ضد السوفييت كان كارثيا، لم يتمكنوا من التوصل إلى أي شيء.

لقد أثبت بوتين بالفعل في الشيشان مدى وحشيته في استعداده لسحق التمرد، وهذا لا يغير حقيقة مفادها أن الغرب ملزم بتزويد الأوكرانيين المستعدين لاستخدامها بالأسلحة، ولكن لا ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا بشأن نجاح هذه الأسلحة، في الواقع، لا ينبغي لنا أن نفترض أن بولندا وسلوفاكيا ورومانيا، التي ستصبح المنطقة الحدودية الجديدة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا إذا قرر بوتين الاستيلاء على أوكرانيا بالكامل بدلاً من التوقف عند كييف، سوف تكون على استعداد للمخاطرة بإثارة غضب بوتين من أجل أن تكون بمثابة خط إمداد المتمردين.

وهذا لا يعني أن المقاومة هي مجرد ممارسة للموت مثل انتفاضة وارسو عام 1944، وفي حين أنه من الصعب أن نتصور أن الأوكرانيين يطردون بوتين من البلاد، إلا أنهم قد يجبرونه على ترك قوة احتلال كبيرة من أجل الحفاظ على السلام في البلاد، وفي خطابه الذي برر فيه الحرب، تعهد بوتين بـ«تجريد أوكرانيا من السلاح والنازية»، ولكن ليس احتلالها.

إن الاحتلال من شأنه أن يدحض ادعاءات بوتن بأن الأوكرانيين هم إخوة روس منفصلون عن أسرهم بسبب نظام فاشي فاسد، كما أن الاحتلال من شأنه أن يبقي عشرات الآلاف من الشباب الروس بعيداً عن أوطانهم ويعرضهم لخطر جسيم، وهذا ثمن باهظ، على الرغم من أننا يجب أن نتذكر أن المقاومة الأوكرانية ستدفع الثمن الأعلى على الإطلاق

ومع ذلك فإن أولئك الذين تسببوا في التكاليف المفروضة على بوتين ودائرته سوف يعانون من تكاليف مقابلة خاصة بهم، وقد شعر المسؤولون الأميركيون بالغضب إزاء إحجام ألمانيا عن إلغاء خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2"، لكن روسيا تزود ألمانيا بنحو نصف الغازوحوالي ثلث الغاز عبر أوروبا، وارتفعت أسعار الغاز الأوروبية بأكثر من الثلث منذ بدء الغزو، وهذا ليس الثمن الذي سيكون الأمريكيون على استعداد لدفعه، أو هذا ما يفترضه الرئيس جو بايدن، في خطابه الذي طرح فيه جولة جديدة من العقوبات، تحدث بايدن عن جهوده لمنع الأسعار من الارتفاع، حتى أنه حذر شركات النفط من "استغلال" الزيادة الكبيرة في السعر الذي تدفعه مقابل النفط لرفع أسعار الفائدة.

تقع الولايات المتحدة في أسفل هرم التضحية، الأوكرانيون بطبيعة الحال يقفون على القمة، ثم الروس الذين ليس لديهم خيار كبير في هذا الشأن، ثم الأوروبيون والأميركيون، تتلخص الفرضية الكاملة لسياسة بايدن الخارجية تجاه الطبقة المتوسطة في أن الأميركيين العاديين سيدعمون السياسة الخارجية بقدر ما يرون كيف تفيدهم، إن مقاومة التضحية لها ثمنها. ويهتم الناخبون بالتجارة، التي تحدث فارقاً حقيقياً في حياتهم، ولكن ليس النظام العالمي الليبرالي، الذي لا يفعل ذلك، قبل قرن من الزمان، كان الرئيس وودرو ويلسون قادراً على إقناع الأميركيين بخوض الحرب من أجل الحفاظ على الديمقراطية الأوروبية وبناء نظام ليبرالي، ويبدو من الصعب حتى تصور ذلك اليوم.

لقد قدم بوتين ما يبدو أنه رهان متهور للغاية على أنه قادر على تقويض هذا النظام، وربما حتى الإطاحة به، ربما كان يستمع إلى النقاش الأمريكي.

كل شيء يتعلق بالتكلفة والاستعداد لتحملها، في هذه اللحظة، لا يمكننا حتى حساب التكاليف، وإذا وضع بوتن إبهامه على حلق أوكرانيا، فسوف تتدفق موجة ضخمة من اللاجئين نحو الغرب، وخاصة إلى بولندا، من المرجح أن يتصرف البولنديون بسخاء أكبر مع الأوكران وليس مما فعلوا مع المجموعة الصغيرة من السوريين والعراقيين الذين أعادوهم بوحشية في عام 2015، لكن أوروبا والولايات المتحدة، ستقدم ما يمكن أن يكون مذهلاً مشروع قانون التوطين والرعاية.