النهار
الجمعة 20 سبتمبر 2024 07:41 صـ 17 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

ذي إيكونوميست: التحالفات العسكرية غير كافية لمواجهة الصين في آسيا

عقب إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن اتفاق الشراكة الأمنية "أوكوس"، تعهد زعماء الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادي حرة ومفتوحة، وذلك في أول اجتماع فعلي ومباشر لهم عبر صيغة الحوار الأمني الرباعي المعروفة بتحالف "كواد" لتشكيل ما وصفه محللون بـ "جبهة موحدة أمام تنامي نفوذ الصين".

رغم أنه لم يتم ذكر الصين صراحة في أي من المحادثات المتعلقة بالاتفاقين سالفي الذكر، إلا أنها كانت بدون شك في صدارة الأولويات، حيث انتقدت الصين بشكل لاذع اجتماع "كواد"، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "تشاو لي جيان" الذي وصفه بأنه "زمرة مغلقة وحصرية تستهدف الدول الأخرى.. وتسبح ضد تيار العصر، وطموحات دول المنطقة، لن تجد من يدعمها ومآلها إلى فشل محتوم".

كما أن هناك مخاوف من أن التحركات الأمريكية الأخيرة ربما تدفع بمنطقة المحيطين الهندي والهادي إلى سباق تسلح نووي، ويجعل الأوضاع الأمنية هناك هشة للغاية.

ذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن التطورات الأخيرة والحديث عن جعل "منطقة المحيطين الهندي والهادي حرة ومفتوحة" لمواجهة الصين، ينظر إليها الجميع بمحمل الجد، والسبب بالتأكيد هو اتفاق "أوكوس" الذي سيتم بموجبه تزويد أستراليا بثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية على الأقل.

فاتفاق "أوكوس" ينظر إليه– وفقا للمجلة البريطانية- باعتباره خطوة نحو توازن جديد للقوى في المحيط الهادي، ويعكس الاتفاق تشددا في المواقف الأمريكية في منطقة بدت فيها التحالفات في بعض الأحيان هشة، لا سيما خلال رئاسة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب".

وأوضحت المجلة إن الاتفاق يعتبر التزاما طويل الأمد يمتد لعقود، حيث تقوم أمريكا وبريطانيا بموجبه بنقل بعض أكثر تقنياتهما حساسية، كما أنه يؤكد على تعاون الدول الثلاث في مجالات القدرات السيبرانية والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وغير ذلك.

ورغم أن إدارة الرئيس "جو بايدن" تستحق التقدير – في رأي المجلة البريطانية- على هذا الأمر، إلا أن ما حدث يمكن توصيفه بأنه نصف استراتيجية فقط، حيث تنطوي علاقات أمريكا مع الصين على أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، فالولايات المتحدة ومن منظور التعايش، تحتاج إلى التعاون مع الصين في قضايا مثل تغير المناخ والمنافسة الاقتصادية القائمة على القواعد، بالإضافة إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا، التي تعتبر موطنا لبعض البلدان الأكثر عرضة للضغط الصيني، ما تزال السياسة الأمريكية تكافح هناك.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا، فإن أصدقاء أمريكا في آسيا عانوا من خيبة الأمل لنحو عقد من الزمان منذ إعلان الرئيس الأسبق باراك أوباما عن تشكل حلف في آسيا خلال زيارة إلى أستراليا، وخلال هذه الفترة، تمكنت الصين من فرض كلمتها – وفقا للمجلة- في مناطق نزاعات في بحر الصين الجنوبي رغم مطالبات دول مثل الفلبين وفيتنام.

وفي العام الماضي اشتبك جنود الصين مع الهند على الحدود، كما تعمل طائرات الصين الحربية وبوارجها باستمرار على تصعيد الضغط على تايوان، الأمر الذي يشير بشكل روتيني إلى أنها –ووفقا لذي إيكونوميست- قد تغزو تايوان، كما عاقبت الصين كوريا الجنوبية بالمقاطعات التجارية المدمرة، وبدأت العديد من الدول الآسيوية تخشى أن تكون أمريكا غير متسقة للغاية وغير متحمسة لتوفير ثقل موازن.

ويقدم اتفاق "أوكوس" صورة مغايرة لذلك، فوسط الممرات البحرية والجزر التي تعتبر نقاط اشتعال مع الصين، تعد الغواصات النووية أكثر تنوعا من الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء، حيث يمكن لهذه الغواصات جمع المعلومات الاستخبارية ونشر القوات الخاصة والبقاء لأشهر في المياه العميقة في المحيط الهادي أو المحيط الهندي، وهو تهديد سيتعين على المخططين الصينيين التعامل معه، بالإضافة إلى ذلك يمهد اتفاق "أوكوس" المسرح للقوات الأمريكية للعمل في جميع أنحاء أستراليا، والتي يمكن أن تكون بمثابة ملاذ من تهديدات الصواريخ الصينية.

وترى المجلة البريطانية أن حقيقة تخلي أستراليا عن صفقة الغواصات الفرنسية للحصول على صفقة الغواصات الأنجلو أمريكية دليل على الجدية الاستراتيجية لهذا الاتفاق الأمني (أوكوس).

وإن البعد الآخر لاتفاق "أوكوس" هو دبلوماسي، ففي الآونة الأخيرة، تحملت أستراليا العبء الأكبر من التكتيكات الصينية التي تصفها المجلة بـ "العدوانية"، خاصة بعد أن دعت أستراليا إلى إجراء تحقيق مستقل في احتمالية تسرب فيروس "كوفيد-19" من مختبر صيني، وكرد عقابي على ذلك، فرضت الصين حظرا غير رسمي على سلسلة من الصادرات الأسترالية، وتعد ما تصفه المجلة بـ "عدوانية" الصين نموذجا لدبلوماسية "محارب الذئب" التي تسببت في الذعر عبر منطقة جنوب شرق آسيا وما وراءها.

ومن خلال تعزيز ودعم أستراليا، يرسل اتفاق "أوكوس" إشارة إلى المنطقة مفادها أن أمريكا لا تتورع عن دعم الحلفاء الذين يقاومون التنمر الصيني (على حد وصف ذي إيكونوميست).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن للولايات المتحدة تحقيق التوازن بين القوة الصارمة لأوكوس والتعاملات لاسيما التجارية مع الصين؟ كشف الرئيس جوزيف بايدن عن تطلعاته حيال هذا الأمر في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أوضح أنه لا يريد حربا باردة مع الصين (على الرغم من أنه لم يشر إليها بالاسم)، ودعا إلى "دبلوماسية لا هوادة فيها" لحل مشاكل العالم.

والأمر الواضح هو أن اتفاق "أوكوس" يهدد ما دعا إليه بايدن، ومع ذلك، فعلى المدى الطويل، ستنضم الصين إلى الجهود العالمية لمكافحة الاحتباس الحراري ليس إذعانا لأمريكا، ولكن لأنها ترى أن هذه الجهود في مصلحتها، وخلال الأيام الماضية قالت الصين إنها ستتوقف عن تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، ورغم أن هذا التعهد ليس بالحدث الكبير لأن مثل هذا التمويل قد تضاءل بالفعل.

وسيكون من الصعب تحقيق التوازن حيال المنافسة التجارية، سيما وأن الصين -الشريك التجاري الأكبر لمعظم دول المنطقة- تعمل على تعزيز قدرتها على تشكيل الهيكل الاقتصادي والتجاري للعالم، وتتحرك بقوة لوضع مواطنيها في وظائف مهمة في المؤسسات الدولية، إلى جانب محاولة تصدير قواعدها التنظيمية المحلية.

ونوهت المجلة كما هو الحال، على سبيل المثال، في مطالبتها بالاختصاص القضائي في النزاعات القانونية الدولية، ولا يجب إغفال تحركاتها للانضمام إلى اتفاقيات وتحالفات مهمة، كما هو الحال في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي الذي تقدمت بطلب للانضمام إليها، وهي اتفاقية تجارية أيدتها أمريكا لمواجهة الصين ثم انسحبت منها في عهد دونالد ترمب.

وحيث إن منطقة جنوب شرق آسيا تتطلع إلى الصين من أجل ازدهارها، لذا فإن أمريكا تحتاج إلى تحقيق التوازن من أجل استيعاب ذلك، وإن إرسال رسالة إلى الصين من خلال "أوكوس" بأن "ممارساتها" لها عواقب، فإن صفقة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية هي مجرد حلقة البداية في استراتيجية أوسع نطاقا للتعاطي مع الصين، وهي الاستراتيجية التي من الآن فصاعدا سيصبح –وفقا للمجلة البريطانية- من الصعب تنفيذها.