شعبان خليفة يكتب: مواجهة كابوس ( سد النهضة و لعبة بنوك المياه ) ” الحلقة الأخيرة ”
وصلنا إلى المحطةِ الأخيرة فى سلسلة مقالاتنا عن كتاب( سد النهضة " لعبة بنوك المياه فى حوض النيل " ) للصديق ، و الزميل مصطفى خلاف الصحفى المتخصص فى شئون الرى و الزراعة على مدى أكثر من ربع قرن ، والذى صدر عن دار أوراق للنشر فى 300 صفحة من القطع المتوسط و الذى سيكون متاحاً بمعرض الكتاب خلال أيام .
و كما أشرنا فى الحلقتين الماضيتين ، فأن فكرة تسليع المياة ، وبيعها فكرة شيطانية ترعاها مؤسسات دولية مخالفةً للشرائع السماوية، والقوانيين الدولية ، و أن سد النهضة أهم حلقة فى هذا المخطط الشيطانى
و فى هذا الجزء من كتابه يأخذنا مصطفى خلاف إلى تحذير خطير ومباشر يجمله فى القول "بأن السد الأثيوبى على وضعه الحالى المخطط له و المراد منه يمثل تهديداً للوجود المصرى، وليس هدفه فقط مجرد خلق أزمة مياة لبضع سنوات .."
تحذيرات
و هناك مفكرون مصريون كالدكتور رشدى سعيد نبهوا لهذا الخطر منذ التسعينات حيث يشير المؤلف إلى أنه فى مؤتمر " دبلن " الذى عقد عام 1992 اقترح البنك الدولى فى وثيقته المعروفة بوثيقة دبلن تحويل المياة لسلعة تخضع كأى سلعة للعرض و الطلب ..تُباع و تُشترى على نطاق عالمى بوصفها سلعة اقتصادية .
وهذا بالمخالفة لما تتضمنه وثيقة الأمم المتحدة من أن " المياه حق لكل إنسان " و لا يتوقف اقتراح البنك الدولى عند حد تسعير المياه بل يقترح أيضاً منح إدارتها للقطاع الخاص حيث اثبت هذا القطاع بحسب رأى البنك أنه اقدر و اجدر من الحكومات فى إدارة الكثير من الملفات .
لينتقل البنك بفكرته من تسعير المياة و بيعها إلى خصخصتها وهو اقتراح تكتمل به الفكرة الشيطانية لتسليع المياة لتصير سلعة راسمالية بيد الشركات العابرة للقارات وهى شركات ورائها ما ورائها من هيمنة وكوارث عالمية تتحكم عبرها فى الدول و الشعوب .
و قد برزت الفكرة مع ظهور سد النهضة باعتبار منطقة الشرق الأوسط تعانى شحاً مائياً حيث تمثل مشكلة ندرة المياه العذبة بيئة خصبة لتنفيذ الفكرة برزت منذ توقيع كامب ديفيد حيث طرحت اسرائيل وقتها مشكلة المياة على مائدة المفاوضات طالبةً نصيبها فى المياة العربية مقابل الإنسحاب من اراضى عربية ووصلت الأمور إلى حد المطامع فى مياه نهر النيل ..
و لم يعد الأمر مجرد فكرة بل أن شخصية مثل الإقتصادى الأمريكى المعروف فرانكلين فيشر الذى توفى فى 29 أبريل 2019 اقترح إنشاء صندوق مشترك لحساب الدول المتشاطئة على الأنهار و يتم فيه تسعير سعر متر المياة المكعب بنفس تكلفة تحلية المتر مياه مكعب من مياه البحر و يتم تحصيل ما تحصل عليه أى دولة من الدول من المياه من حسابها و تقوم الدولة بدفع أى مبالغ عليها بالسالب للصندوق إذا حصلت على أى متر تريده زيادة عما تحصل عليه .
تلاعب
الغريب أنه فى مارس من عام 2000 عقد مؤتمر عن المياة فى دولة هولندا و حضرته وزير الرى المصرى محمود أبوزيد و تم عرض فكرة تسعير المياة ولم يعترض الوزير المصرى بل كانت مصر ضمن الموقعين على توصيات المؤتمر .
و يستعرض المؤلف أزمة سد النهضة وتطوراتها منذ العام 2011 و حتى الآن و ما صاحبها من مرواغات وتهرب اثيوبى ، ومرونه مصرية مفرطة و ينتهى المؤلف إلى أن الإستناد للسيادة على المياة هو الخطر الذى على أساسه تم طرح فكرة تسعير المياة رغم مخالفة ذلك للقوانين والأعراف الدولية وهو نفس السند الذى تستند عليه اثيوبيا و تتلاعب به كحجة لتنفيذ مخططها بالهيمنة الأبدية على نهر النيل حيث ترفع شعار " السد من أعمال السيادة "
وهو برأى المؤلف ما يضع مصر أمام تحديات لا بديل عن مواجهتها بكل السبل و بكل حسم حفاظاً على وجود ومقدرات الشعب المصرى .
فلابديل عن تصعيد دولى كورقة قبل أخيرة فى حالة فشلها ليس ثمة بديل عن اجهاض هذا المخطط [اى تكلفة و أى ثمن لما يمثله سد الخراب من خطر على الزراعة و الصناعة والببيئة و حياة المصريين أنفسهم .