النهار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 09:39 مـ 21 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

حاتم الجوهري يرصد تمثلات الاستلاب والانسلاخ عن الذات عند يوسف زيدان

في دراسته الثانية المنشورة في موضوع الاستلاب؛ تناول د.حاتم الجوهري خطاب د.يوسف زيدان تحت عنوان: "الاستلاب للآخر والانسلاخ عن الذات عند يوسف زيدان- القدس نموذجًا"، نشرت الدراسة في مجلة ميريت العدد (20) لشهر أغسطس 2020، في حوالي 56 صفحة متخمة بما يجعلها أقرب لكتاب في حجمها وطرحها. وكان الجوهري قد قدم دراسته الأولى في موضوع الاستلاب متناولا خطاب د.مراد هبة تحت عنوان: "نقد خطاب الاستلاب للصهيونية والآخر عند مراد وهبة"، ونشرت في مجلة ميريت أيضا لعدد أيريل هذا العام، وفي عدد المجلة الحالي؛ اعتبرت الدراسة ملفها الثقافي وقدم عنه رئيس التحرير مسير درويش افتتاحية بعنوان: "الاحتلال الصهيوني بين النظرة الدينية ونظرة الليبراليين الجدد".

أما عن الدراسة نفسها فقال عنها د.حاتم الجوهري على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك":

"بعد خمسة أعوام كاملة من تتبعي لبداية الخطاب الذي قدمه يوسف زيدان في نهاية 2015م، دراسة عملت عليها لأكثر من أربع طبقات معرفية كل واحدة منهم كانت تعيد صف تناولي لها من جديد، من خلال الدرس والتحليل والتفكيك والبناء وتصور النماذج المعرفية طوال تلك المدة واختبارها، حتى توصلت إلى ما توصلت إليه من فروض نظرية تتعلق بخطاب الاستلاب وبجذوره عامة عند الذات العربية"

وبالنظر إلى أهمية الدراسة وموضوعها نجد مقدمتها تتحدث عن:

"أنها تقدم تفسيرا لخطاب يوسف زيدان وترد عليه ردا علميا موضوعيا، وتكشف عن منهجه المستخدم في الإعلام للفت انتباه المتلقي، وهو المنهج القائم على الصدمة من خلال نفي واقعة أو حدث تاريخي شهير للغاية ومستقر عليه في وعي الناس لدرجة أقرب لليقين التام، لينطلق منه للتشكيك في رواية تاريخية كبرى مرتبطة بهذه الواقعة أو الحدث، وترد عليه موضوعيا ومنطقيا فيما يخص القدس والمسجد الأقصى وما يدعيه من تأويلات تاريخية ودينية، وما يتناوله من شخصيات عربية ومصرية.

وكذلك: "تقدم الدراسة تفسيرا معرفيا وفلسفيا وتاريخيا لظهور هذا الخطاب عند يوسف زيدان، حيث تسمي الدراسة وتنحت مصطلحا خاصا بها هو "الاستلاب للآخر" (Other's impersonation) و"الانسلاخ عن الذات" Self-stripping))، إذ تقدم هذه الدراسة وللمرة الأولى في الثقافة العربية تفسيرا لتحول فكرة "الاغتراب" عن الذات التي تلقاها المثقفين العرب من النموذج الأوربي وسياقه، وتبدلها إلى فكرة "الإنسلاخ" عن الذات وأسباب ذك في السياق العربي"

وأيضا: "تسلط الدراسة الضوء مقدمة تصورها لخطاب الاستلاب لا بوصفه محاولة فردية، بل ترى الدراسة أن الخطاب الإعلامي الذي يقدمه يوسف زيدان ومن بعده مراد وهبة وغيرهما، هو "نمط سياسي" يجري اختباره من جانب البعض لاحتمالية تمرير ضغوط صفقة القرن وبنودها، لذا فأهمية الدراسة هنا تكمن في الإشارة لتهافت هذا الطرح ووجود بدائل له، تتلخص في أنه إذا كان تيار الاستلاب وخطابه يرى عجز الذات العربية عن التحقق بشكل خاص بها وينسلخون عنها، ومن ثم يروجون للآخر و"الاستلاب" له سواء كان الآخر الصهيوني أو الغربي في العموم؛ فإن الحل البديل هو التمفصل حول "اللحظة الآنية" وقدرة الذات العربية على "استعادة" نفسها من خلال "مستودع هويتها" وتراكمه.

وفي السياق ذاته: "ترد الدراسة على ادعاء يوسف زيدان أنه يقدم خطابا يقوم على تغذية العقل "النقدي" والتفكير "الفعال"؛ لأن العقل النقدي يمكن أن يحضر من خلال نقد الذات العربية وتنقيتها مما علق بها، لا الخروج بحكم عام يقول بفسادها كلية وضرورة إلحاقها بالآخر الصهيوني/ الغربي الذي يتحول إلى "نموذج أعلى" أقرب للتقديس، ويكون العقل النقدي مجرد حيلة أو شعار زائف لتمرير متلازمة "الاستلاب" وأعراضها تجاه الذات (العربية)، التي أصبحت أقرب للعقدة أو المتلازمة النفسية التي يمكن أن نطلق عليها "سيندروم الاستلاب"، كرد فعل لتكرار الأزمة وعجز الذات العربية عن بناء نموذج للتفوق والتحديث والانتصار.

أما الجدير بالذكر: "أن الدراسة ترى محاولة لتشكيل اصطفاف من بعض بقايا اليسار العربي المحبط ودعاة الليبرالية القدامى، وبعض المثقفين والشباب العلماني المتحمس أو الشباب الجديد المستقل والطموح، من خلال غواية خطاب الاستلاب الذي يقدمه يوسف زيدان، وترى أن تحوله إلى خطاب و"نمط سائد" عند البعض يعود لاحتراق العديد من البدائل السياسية يمينا ويسارا، وغياب الصوت العقلي النقدي البديل؛ القادر على تقديم خطاب نقدي للذات العربية من اجل إصلاحها واستشراف مستقبلها ورصف الطريق إليه، لا الانسلاخ عنها مثلما يفعل تيار الاستلاب ويوسف زيدان، من ثم ترى الدراسة أن هناك العديد من البدائل الأخرى والمتعددة التي يمكن أن تظهر في المشهد العربي والمصري، لتحقق حالة "التحديث" الخاص بالذات العربية، بعيدا عن خطاب الاستلاب والحكم العام على الذات العربية بالعجز والفساد التام، من ثم تدعو الدراسة ذلك الاصطفاف الذي يبحث عن حل وبديل جديد إلى مراجعة خطاب الاستلاب ومآلاته، التي تستخدم شعارات براقة لكنها تعيد تقديم الآخر الصهيوني/ الغربي في صورة "نموذج أعلى"، وكأنه مقدس أسطوري جديد وليس فعلا يحسب على العقل النقدي العملي بالمرة.

ومن خاتمة الدراسة يتحدث د.حاتم الجوهري عن مآلات خطاب الاستلاب وتهافتها، في ظل مخططات الاخر التي لن تقبل فقط بمجرد وجود التابع الحضاري المستلب له..

فيقول: "يتبقى القول في الختام؛ إن محاولة تقديم خطاب الاستلاب من خلال يوسف زيدان وغيره، ودفع البعض به بوصفه بديلا سياسيا تكتيكيا ومرحليا قد يكون رخيص التكلفة السياسية، لمواجهة احتمالات تمرير صفقة القرن وبنودها، هو ليس بديلا رخيص التكلفة أبدا، لأن ما بدأ في عام 2015م بمحاولة مجاراة مشروع الهيمنة الأمريكية وتخفيف وقع بنود الصفقة والإعلان عنها على الناس، سرعا ما تحول للهيمنة الكاملة من خلال الضغط على مصر بملف "سد النهضة" لقبول كافة إملاءات صفقة القرن، والحقيقة المرة أن الذين روجوا لتمرير خطاب الاستلاب في الإعلام المصري وإمكانية طرحه على الإدارة السياسية لمصر، مجبورون الآن على مواجهة تحول البديل التكتيكي لخطر استراتيجي، يقوم على اضمحلال الذات العربية وسحق وجودها و"مستودع هويتها" تماما".

ويضيف: "لكن يتبقى الأمل حاضرا دوما في أن التدافع الحضاري الراهن والظرفية الراهنة، لا يقف فيه دعاة الاستلاب والانسلاخ عن الذات وحدهم، الذين هم رد فعل لـ"المسألة الأوربية" وتناقضاتها الموروثة من القرن الماضي بين اليمين واليسار العربيين، إذ خرج مع الثورة المصرية تيار و"كتلة جامعة" تقوم على "استعادة الذات" العربية/ المصرية، والتمفصل حول "اللحظة الراهنة" وقدرتها على القيام بعملية "تحديث" ذاتي والخروج بنموذج حضاري جديد، يقوم على "العقل النقدي" المستقل عن التناقضات الموروثة أو التراثية، و"الفرز الطبيعي" لأفضل العناصر الموجودة في المجتمع وصولا لحالة "المجتمع الفعال"، والعمل من أجل الازدهار الحضاري لا الاضمحلال الحضاري و"الاستلاب للآخر" و"الانسلاخ عن الذات".