الإحباط أشد خطرًا من الإرهاب ومن الفساد !!
بقلم : محمد مصطفى
هي الحرب لما تتنوع أساليبها وطرقها، لتتوحد كلها في هدف واحد، هو القضاء علي الخصم، أو إضعافه لإخراجه من معادلة الصراع إلي خانة التبعية والدوران في فلك المنتصر، وفق قاعدة الإذعان للأمر الواقع، نعم تتنوع أساليب الحرب حسب الحاجة والظرف والمكان أو الزمان، فمنها الحرب التقليدية والتي يعرفها الكافة من خلال معايشة أحداثها، بصخبها وضجيجها ودويها الهائل المدمر، ومنها الحرب الاقتصادية والتي لا يعايش ضرباتها، ويستشعر ضراوتها سوى خبراء هذا المضمار، ومن هم في غرفة صناعة القرار، في الوقت الذي فيه العامة البسطاء لا يدركون أنها الحرب الاقتصادية وقد أطلقت علي بلادهم، نعم لا تدرك فيها الشعوب سوى حالة المعاناة والتي لا يرون سببا لها سوى فشل القائمين علي إدارة البلاد لها، حين يكون الحصار المفروض علي البلاد قد أعاق حركة التجارة بين البلد المستهدف وبين العالم الخارجي.
ومن الحرب أيضا الحرب النفسية، وهي أشد الحروب خطرًا وأكثرها تأثيرًا علي الدول، حين يكون التدمير من الداخل وذاتيًا، فيما يُعرف بنظرية " دمر نفسك بنفسك" وهذا النوع من الحروب لا يشعر بها ويدركها سوى الصفوة والخاصة من أهل الفكر، ودارسي وسائل الصراع الخفي بين الأمم من خبراء التاريخ السياسي، ومن هم في مكان صنع القرار عبر أجهزة المخابرات، وقد أطلق علي هذه الحرب النفسية، والتي عايشنا نموذجا منها،حين شُنت علي منطقتنا إبان عاصفة الخريف العربي الهوجاء في العام 2011 تسميات عدة، منها " الحرب اللامتماثلة، ومنها حرب الجيل الرابع، ومنها الحرب الصامتة " وقديما كانوا يسمونها "حرب استهداف المعنويات"، وخطورة هذه الحرب أنها تستهدف رأس الدولة ومؤسساتها من دون أن يشعر بها الكافة من العوام والبسطاء، وقطاع عريض من مثقفي الأمة، نعم خطورتها أن الكثيرين لا يشعرون بدوران عجلة تلك الحرب الخفية الصامتة، في ذات الوقت الذي فيه تكون القاعدة الشعبية في مرمى نيران تلك الحرب.
وللحرب النفسية أسلحة فتاكة عديدة، منها حملات الشائعات، وحملات التشكيك وتكذيب للواقع، وإهالة التراب علي كل إنجاز يتحقق، وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة والقضاء، وأخطر أسلحة ووسائل هذه الحرب النفسية تكمن في حملات الإحباط واليأس، وتكون عبر نشر أخبار سيئة باستمرار وبصفة دورية لا تنقطع، باسم الواقعية والنقد البناء، وقد تأخذ حملة الإحباط الممنهجة في الحرب النفسية في تيارها الجارف كثيرين من المفكرين والمثقفين والإعلاميين، بل وصفوة العقول إلا من رحم ربي .. تأخذهم وتسحبهم سحبًا داخل دوامتها من دون أن يشعروا، بعد أن حولتهم لأدوات هدم وتحطيم لمعنويات الناس، عبر الإثارة وتغطية الكوارث بطريقة إنتقائية عالية، فيها يتم التكتم علي أخبار هامة وإنجازات من شأنها رفع المعنويات، حين يسقط بهذه الطريقة الخبيثة الماكرة التوازن الطبيعي، بين ما هو خبر سيء، وما هو خبر جيد، حتى لا يكون هناك علي ساحة الحدث سوى السيء من الأخبار، وبدوره يتفاعل السيء بوتيرة متتالية عالية في السرعة، بغية أن تسود حالة من اليأس والإحباط علي جموع الشعب، ليفقد هذا الشعب المُستهدف دولته، يفقد ثقته في كل أمل للنجاة، نعم لا تشعر النخبة المثقفة كما رأينا في السنوات الخوالي، تلك التي تصدت فيها مصر لأكبر موجة عاتية لهذا النوع من الحروب، ولازالت توابعها مستمرة الآن، إذ لم تدرك النخبة آنذاك أنها صارت أداة هامة من أدوات هذه الحرب الشرسة، ولازال البعض منهم الآن يمارس ذات الدور في الإحباط والتشكيك باسم الواقعية، والواقعية بعيدة كل البعد عما يتوهم هؤلاء، .. فسقوط الأمم دوما ما يكون رهينا بسقوط الفرد،.. ويسقط الفرد بسقوط معنوياته .. وليس أفضل من الإحباط وسيلة لسقوط المعنويات ..
حمى الله مصر، وبارك شعبها، وسدد علي طريق الحق خطى رئيسها.