صفوت عمارة يكتُب: أسباب إنتشار البلطجة والعنف فى المجتمع
انتشر في مجتمعنا في الآونة الأخيرة بعض الظواهر السلبية التي أضرت بأمن المجتمع مثل الأفعال الإجرامية أو ما يطلق عليها البلطجة، وهي لفظ دارج في العامية وليس له أصل في العربية، ويعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين ”بلطة” و”جي”؛ أي حامل البلطة، و”البلطة” كما هو معروف أداة للقطع والذبح، وذلك باستعمال القوة لإرهاب الآخرين والسيطرة عليهم؛ وكلمة البلطجة مستعملة في مصر ويطلق عليها في اليمن البلاطجة، وفي سوريا الشبيحة؛ ومع أن المادة 375 مكرر من قانون العقوبات المضافة بقانون رقم 10 لسنة 2011 نصت على أنه يعاقب من يتم تورطه في أعمال البلطجة وإرهاب المواطنين بالسجن مدة تتراوح من سنة إلى 25 سنة حسب رؤية هيئة المحكمة في الجريمة المُدان فيها الشخص؛ إلا أن إنتشار الأفعال الإجرامية والبلطجة فى الشارع المصري؛ لعدة أسباب وهي:ـ
١- إنعدام الثقافة التعليمية حيث أن معظم أصحاب هذه الأعمال الذين يتم القبض عليهم في وقائع عدة نجدهم غير متعلمين، ومن هنا نجد أن التعليم له دور هام فى تغيير سلوك الفرد.
٢- غياب الوعي الديني في البيت والمدرسة حيث تلعب الثقافة الدينية دورًا كبيرًا في جعل الشخص يمتنع عن اللجوء لهذه الطرق، وغياب معني المراقبة لله عز وجل، عن عبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنّا” رواه البخاري ومسلم، وقولهِ صلى الله عليه وسلم: “من أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه" رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني؛ فإن ترويع المسلم ظلماً وعدواناً حرام بكل حال من الأحوال.
٣- التربية الأسرية الخاطئة، فالأب دائماً مشغول بحياته، والأم لا تفتش عن أولادها، ولا تقوم بتقويم سلوكياتهم، مما جعل أبنائنا عرضة لهذه الظواهر تجتذبهم نحوها، فيصبحون من أربابها، فإذا اختفي الرقيب ضاعت الأخلاق، وانتشرت أعمال البلطجة بأشكالها، ولو فطن المربون إلى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" متفق عليه؛ لعلموا أن كل إنسان مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه، ومسئولٌ عنه أمام الله، فإن قام بالواجب عليه كان أثر ذلك طيبا في الأمة، وإن قصّر في الرّعاية، وخان الأمانة، أضرّ بالأمة.
٤- غياب القدوة الصالحة فنجد بعض الشباب يتخذ قدوته فنّانًا، وبعضهم يتخذ قدوته لاعبًا، وبعضهم يتخذ قدوته مليونيرًا فاسدًا سرق أموال البلاد والعباد، أو مسئولاً مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب؛ ولن تجد الكثير من الشباب يتخذ قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله عز وجل يقول في كتابه بوضوح: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).
٥- بطء إجراءات التقاضى فى المحاكم والتأخير في توقيع العقاب الرادع، أحد أهم أسباب انتشار العقاب الشعبى الذى دفع بالمواطنين إلى أن يقوم كل مواطن بالحصول على حقه بيده، فتحقيق العدالة الناجزة يعمل على الحد من هذه الظاهرة؛ فالوقاية هنا أهم من العلاج.
٦- غياب دور الإعلام الأكثر مهنية وذلك بعرض نوعية من الدراما والمسلسلات التليفزيونية التى ساعدت على تفشى تلك الظاهرة، فلقد منحت الأعمال الدرامية الفرصة للبلطجي بأن يكون نموذجا سائدا في المجتمع، وأصبح الأطفال يقلدون صورة البلطجي في هذه الأعمال الدرامية بالرقص بالسيوف في الشوارع، واصطحاب الكلاب بطرقة استعراضية واستفزازية تؤذى الآخرين وتسبب حالة من الخوف والهلع، فلابد من الرقابة لتقديم فن راقٍ يقدم رسالة ومضمون وأعمال تتحدث عن القيم الجميلة.
وفي الختام على المجتمع أن يقف صفًّا واحدًا أمام هذه الظاهرة، وإحياء روح التضامن والمروءة والشهامة، والتعامل الإيجابي مع الظاهرة، والتوعية بخطورة البلطجة على مستقبل الوطن بشتى الطرق.