حكاية شارع شامبليون.. صاحبه كره باريس ووقع في غرام القاهرة
يبدأ شارع شامبليون من ميدان التحرير وهو مركز القاهرة المروري والسياسي والتجاري، بقطعة أرض تواجه المتحف المصري، وينتهي خلف مبنى دار القضاء العالي وواجهة نقابة الصحفيين.
ويرتبط تاريخ شارع شامبليون ارتباطا وثيقًا بالغرب الأوروبي، سواء في جانبه الاستعماري المستغل والكريه، أو في جانبه العلمي والحضاري والانساني المشرق، فالشارع يمتد في قلب القاهرة الحديثة التي بناها الخديوى إسماعيل حسب تخطيط يحافظ على نفس مواصفات أعرق المدن الأوروبية، وعلى مشارفه رفرف العلم الإنجليزي فوق ثكنات قصر النيل ليعلن للعالم أن مصر وقعت في شرك الاحتلال البريطاني، واسمه يرتبط بالفرنسيين ويذكر بحملتهم على مصر، وفي نفس الوقت ينتمي إلى الجانب الحضاري المشرق في الغرب.
يضم شارع شامبليون "قصر شامبليون" أو "قصر الأمير سعيد باشا حليم"، والذى شيد على الطراز الإيطالي بعدما صممه الإيطالي أنطونيو لاشياك، في شارع مويار سابقًا، شامبليون حاليًا، على مساحة 445 مترًا تقريبًا.
ويحمل القصر اسم العالم الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون"، الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة على حجر رشيد أيام الحملة الفرنسية على مصر، وشيد القصر سعيد باشا حليم في عام 1896.
ويرجع تاريخ القصر إلى سنة 1895م عندما قرر الأمير سعيد حليم أن يبني قصرًا كهدية لزوجته فخصص للقصر أرضا تبلغ مساحتها 4781 م مربع، وجاء بالمهندس الإيطالي المشهور الذي صمم قصر المنتزه والمقر الرئيسي لبنك مصر في شارع محمد فريد والأبنية الخديوية في شارع عماد الدين.
وبعد انتهاء المهندس الإيطالي من بناء القصر، رفضت زوجة الأمير سعيد حليم العيش فيه على الرغم من وصفه بأنه تحفة معمارية، حيث يتألف من طابقين ويضم بهوا كبيرا يمتد بطول القصر من الشمال إلى الجنوب، ويتصدر البهو من الجهة الشمالية سلم مزدوج ذو فرعين إضافة إلى القبو المكون من قاعة ضخمة ودهليز وبعض الملحقات الخدمية.
فهناك دائما جيوش المستعمرين الغربيين القاتلة والمستغلة للمنطقة العربية، وهناك أيضا وسط حشود هذه الجيوش أشخاص نادرون تمسكوا بإنسانيتهم وعاملوا أبناء الشعوب المستعمرة بما يليق بعراقة حضارتها، وعلى رأس هؤلاء العالم شاملبيون صاحب الشارع الذي كره باريس ووقع في غرام القاهرة.
حب جان فرانسوا شامبليون لمصر لم يكن مقصورا على تاريخها وآثارها، وإنما أولا لشعبها، يقول المؤرخ جان لاكوتير: نراه يهتم بشغف كبير بهذا الشعب الوريث البعيد لتاريخ كله عظة، إلا أن حالته الحالية تؤثر فيه بعمق، وكان شامبليون لا يتحرج أثناء حياته اليومية في صعيد مصر من تقديم نصائحه للفلاحين، لكي يتفادوا المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل السلطات المحلية، أو لكي يتفادوا تسديد بعض الضرائب المجحفة، وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن ليخفي عن عيون جواسيس محمد علي باشا.
ولد جون فرانسوا شامبليون في 23 ديسمبر 1790، وتوفي في 4 مارس 1832، لم يتمكن شامبليون من الالتحاق بالمدرسة في صغره، فتلقى دروسا خاصة في اليونانية واللاتينية، ويقال إنه حين بلغ التاسعة من عمره كان يستطيع قراءة أعمال هوميروس وفرجليوس.
وانتقل شامبليون إلى جرينوبل للالتحاق بالمدرسة الثانوية، وهناك اتصل بفورييه، والذي كان سكرتيرا للبعثة العلمية التي رافقت حملة نابليون بونابرت، وكان لفورييه دور أساسي في دفع الصبي شامبليون لدراسة علم المصريات، وذلك من خلال اطلاعه على مجموعته الخاصة من المقتنيات الأثرية.
ظهر نبوغ شامبليون مبكرا جدا، فقبل أن يبلغ السابعة عشرة كان قد قدم بحثا عن الأصل القبطي لأسماء الأماكن المصرية في أعمال المؤلفين اليونان واللاتين، كما قضى ثلاث سنوات في دراسة اللغات الشرقية والقبطية على يد كبار علماء ذلك العصر، وأبدى موهبة لغوية نادرة، ثم رجع إلى جرنوبل مرة أخرى لتدريس التاريخ، ثم سافر إلى باريس ليعمل كأول أمين للمجموعة المصرية في متحف اللوفر، كما شغل وظيفة أستاذ كرسي الآثار المصرية في الكوليج دي فرانس، كما وضع شامبليون معجما في اللغة القبطية.
خلال مسيرة شامبليون حقق الكثير من الإنجازات، ولعل أبرزها أنه فك رموز اللغة المصرية القديمة بعد استعانته بحجر رشيد الذي كان قد اكتشف أثناء الحملة الفرنسية على مصر، فقد نقش على الحجر نص بلغتين وثلاث كتابات: المصرية القديمة ومكتوبة بالهيروغليفية والتي تعني الكتابة المقدسة، لأنها كانت مخصصة للكتابة داخل المعابد، والديموطيقية وتعني الخط أو الكتابة الشعبية، واللغة اليونانية بالأبجدية اليونانية، ومن خلال المقارنة بينهم نجح في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية.