امام الدورة الـ50 لمجلس وزراء الاعلام العرب
"ابو الغيط" يدعو لإعلام عربي مستنير يرسخ قيم المواطنة ويحمي القضية الفلسطينية
شدد الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط على اهمية دور الاعلام العربي في مساندة قضايا الأمة وفِي صدارتها القضية الفلسطينية وضرورة العمل على تحقيق إعلام مستنير يسهم في تعزيز المواطنة والانتماء ومواجهة الفكر الظلامي .
واكد ابو الغيط في كلمته امام افتتاح الدورة ال50 لمجلس وزراء الاعلام العرب التي انطلقت أعمالها اليوم بالقاهرة برئاسة السعودية انه يتعين على إعلامنا العربي إيصال رسالة بأكبر قدر من المسئولية والكفاءة تتعلق بقضايا الأمة، التي لا يصح أن ينصرف عنها شباب الأمة .. وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية التي نحملها معنا من جيل إلى جيل وقال انه ليس صحيحاً أن الأجيال الجديدة أقل حماساً أو انتماء لهذه القضية العربية المركزية، بل هم متعطشون لمتابعة ما يجري بشأنها والدفاع عنها .. وعلى إعلامنا العربي أن يقطع الطريق على منصات أخرى تقتات على هذه القضية، وتحركها وتتلاعب بها لأغراض لا تخدم سوى مصالح أطراف بعينها، ليس من بينهم الفلسطينيون أو العرب ، مشددا على إن فلسطين قضية عربية .. وستبقى كذلك إلى أن تُقام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية مضيفا انه من دواعي السرور لنا جميعاً أن تُعقد اليوم احتفالية جائزة التميز الإعلامي تحت شعار جاء في وقته هو: "القدس في عيون الإعلام".
كما شدد ابو الغيط على اهمية دور الاعلام العربي في ترسيخ المواطنة.. وتعزيز الانتماء إلى الدولة الوطنية الحاضنة لكافة مواطنيها، بلا تفرقة أو تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو العرق، وبما يُرسخ لمبادئ وقيم جوهرية في الوجدان العام وعلى رأسها التسامح وسيادة القانون مؤكدا إن هذه المواطنة هي الضامن لوحدة المجتمعات، والحامي لها من عواصف التفتت.. وثمة أجيال جديدة لابد أن تصلها رسالة المواطنة والهوية الوطنية الجامعة بلغة تفهمها وتتفاعل معها، وتقتنع بها.
كما اكد اهمية ان يعنى الإعلام العربي ببث الفكر المستنير، والإسهام الفعّال في بناء الإنسان العربي الجديد بنشر الثقافة والمعرفة والتعليم المستمر منبها الى ان الإعلام لازال يُمثل السلاح الأمضى في مواجهة الفكر الظلامي المتطرف الذي يوفر البيئة المثلى لنمو الإرهاب والعنف.. واوضح إن المعركة التي يخوضها الإعلام العربي بالكلمة، لا تقل في خطورتها وأثرها عن تلك التي يخوضها الجنود بالسلاح .. فقد تمثل كلمة استنارة واعتدال الفرق بين مشروع مواطن يؤمن بوطنه وإنسانيته ومشروع إرهابي لا يعرف سوى القتل والدم.
وقال إن ما يرغب فيه دعاة الظلام هو أن تصمت كل المنابر فلا تنطق سوى منصاتهم المسمومة.. وما يقضي على هذه القوى حقاً هو أن يتعرض الناس لأفكار مختلفة، وآراء متنوعة، وأن تشيع المعرفة والوعي بينهم .. وكلما ازداد هذا التنوع في الأفكار والانفتاح على الثقافات الإنسانية المختلفة كلما بارت بضاعة أنصار التطرف والانغلاق، ولم يجدوا سبيلاً لنشر أفكارهم المنغلقة المضادة للإنسانية والعقل والدين.
واكد الو الغيط اهمية دور مجلس وزراء الاعلام العرب موضحا انه يُعد من أقدم المجالس الوزارية المتخصصة التي أُنشئت في نطاق جامعة الدول العربية لتعزيز العمل العربي المشترك، والذي لم يتوانى منذ إنشائه عن السعي لخدمة قضايا الأمة، والارتقاء بالإعلام العربي في كافة مجالاته، وتوثيق التعاون الإعلامي بين الدول الأعضاء وتحقيق التكامل بين إمكانات الإعلام العربي في شتى ميادينه.
ونبه ابو الغيط الى إن الإعلام العربي قد يكون جزءاً من الأزمات العربية.. وقد يكون الطريق لحلها والخيار في أيدينا لافتا الى ان الإعلام الطائفي، والتحريضي والمروج للعنف والكراهية.. هو جزء من أزمتنا من دون شك... وعلى الجانب الآخر، فإن الإعلام التنويري الباحث عن نقاط الالتقاء، والذي ينطلق من نشر المعارف والحقائق .. ويدعو لثقافة الحلول الوسط، والوفاق الوطني هو طريق مهم ورئيسي للخروج من أزمتنا.
وقال ان الإعلام، والحال، مفتاح مهم لتغيير الواقع العربي حيث إن انتشار فكرة واحدة خاطئة، كفيل بتدمير مجتمعات بأكملها، وهدمها من داخلها.. ولننظر ماذا فعلت "أفكار فيروسية"، مثل الداعشية والطائفية، بالمجتمعات العربية خلال الأعوام الماضية.. ولا أظن أن تشبيه مثل هذه الأفكار بالفيروسات هو من قبيل البلاغة أو التصوير الأدبي.. فهي فيروسات حقيقية تصيب الأدمغة.. وتنتقل بسرعة رهيبة كالأوبئة.. وتحتاج –كما تحتاج الفيروسات البيولوجية- إلى ناقل تجده في بعض الوسائط الإعلامية التي خرج الكثير منها عن السيطرة.
وليس العالم العربي استثناء في هذا المجال.. فالواقع أننا نعيش ثورة هائلة في الإعلام على صعيد عالمي، سواء على مستوى الوفرة غير المسبوقة في المنصات، والتنوع اللامحدود في الوسائط.. أو من حيث اتساع دائرة المشاركة الجماهيرية في الإعلام.. لم يعد الجمهور مستقبلاً سلبياً للرسالة الإعلامية، كما كان الحال في السابق.. بل صار مشاركاً نشطاً في صياغة هذه الرسالة ونقلها .. كما هو الحال مع وسائط الاتصال الاجتماعي .. وهي وسيط غير تقليدي يمنح سلطة هائلة لأعداد كبيرة من البشر في تشكيل الرسالة الإعلامية، واختيار مضامينها، ونشرها على نطاق واسع.
ونبه ابو الغيط الى إن هذه الوسائط تُمثل سلاحاً ذا حدين فهي من ناحية تتيح ديمقراطية أكبر في المشاركة لأعداد كبيرة من البشر، ولكن على الجانب الآخر تنطوي على مخاطر نشر الأفكار الخاطئة أو المضللة، بل والأيديولوجيات المُدمرة لوحدة المجتمعات والمحرضة على العنف والكراهية.
وفي خضم هذه الثورة الإعلامية العالمية تشتد حاجتنا في العالم العربي إلى سبر أغوار ما يجري، والتمييز بين النافع والخبيث .. فما من ثورة إعلامية في تاريخ العالم إلا وحملت بين طياتها خيراً وشراً في ذات الوقت.. بداية بالطباعة في القرن الخامس عشر وانتهاء بالثورة الرقمية الحالية.. ذلك أن الإعلام، في آخر الأمر، ليس سوى وسيط ناقل للمعلومات والأفكار ومن الأفكار ما يدعو الناس إلى الحق والخير.. ومنها ما يدس الشر والبغضاء في العقول.. والدرس المستفاد من التاريخ أن الوقوف في وجه الموجات الجديدة لا يُنتج سوى العزلة.. كما أن الاستسلام لها قد يقود للفوضى.
ومن هنا فان حاجتنا تشتد أكثر من أي وقت مضى إلى الوصول إلى نقطة توازن بين العزلة والفوضى.. بين الجمود الضار والانفتاح المؤدي للاضطراب.. وأظن أن البحث عن هذا التوازن يتعين أن يتصدر أولويات العمل الإعلامي العربي في المرحلة القادمة.. خاصة وأن دور وسائط الاتصال الجديدة، والضوابط التي تحكم عملها، صار موضوعاً مطروحاً على طاولة البحث والتفكير على صعيد عالمي.
ولا ينبغي أن تشغلنا هذه الوسائط الجديدة عن وسائل الإعلام التقليدية.. فالجمهور لم ينصرف عن هذه الوسائل التقليدية، بل ربما هو يدرك أهميتها مع بروز ما تنطوي عليه الوسائط الجديدة من مخاطر.. إن الصحافة المقروءة.. والإعلام المرئي والمسموع .. لا زالت تلعب الدور الأول في تشكيل وعي ووجدان المواطنين في العالم العربي.
وشدد على إن رسالة الإعلام العربي في عصر يتسم بالاضطرابات المتلاحقة والتغيرات المتسارعة ينبغي أن تصل إلى الفئات المستهدفة، واضحة وقوية وبسيطة في آن معاً، وإلا تركت هذه الفئات نهباً للمتلاعبين بالعقول، وفريسة للمتاجرين بمصائر الشعوب.
واوضح ان اعمال المجلس تتضمن عدداً من الموضوعات الهامة من بينها ميثاق الشرف الإعلامي، ودور الإعلام العربي في التصدي لظاهرة الإرهاب وغيرها مشددا على ضرورة دعم خطة التحرك الإعلامي العربي في الخارج حيث زلنا عاجزين إلى اليوم عن التحدث إلى الآخر بصوت يقنعه، ولغة تقترب من عقله ووعيه، ورسالة قادرة على النفاذ إلى ضميره .. مازال خطابنا مع الخارج صدى لحوارنا مع أنفسنا.. وما نحتاج إليه حقاً هو تعزيز وتطوير الرؤية الاستراتيجية والخطة الشاملة للعمل الإعلامي العربي بالخارج.. حتى يعمل الجميع في إطارها، فتنتظم الجهود في مسار واحد.. وتصل رسالتنا بصورة فعّالة وبلغة يفهمها الآخر ويتفاعل معها.