صفحة فى تاريخ البشري
بقلم : عبد الغفار شكر
وصف الكاتب اليابانى الامريكى فوكوياما ظاهرة العولمة بانها نهاية التاريخ لما لاحظه فيها من الاتجاه فى الدول الرأسمالية المتقدمة نحو التقارب تمهيدا للاندماج فى مركز واحد مع القدرة فى نفس الوقت على استيعاب الأطراف وإدماجها فى المركز الرأسمالى الجارى بناؤه. ومن هذه النظرة فان معظم الدراسات التى اجريت على ظاهرة العولمة الرأسمالية كانت تتابع عملية الاندماج والادماج الجارية فى العالم باعتبارها قدرا محتوما، اكد ذلك اتجاه معظم الدول الاوروبية الى إنشاء الاتحاد الاوروبى وما شمله من مؤسسات، بالإضافة الى تبلور مؤسسات عالمية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للانشاء والتعمير ومؤسسة التجارة العالمية وغيرها الى ان فاجأتنا ظواهر مضادة مثل قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبى وفق اتفاق بريكست وتزايد النفوذ الجماهيرى لقوى اليمين المتطرف التى تدعو للخروج من الاتحاد الاوروبى ونجاح احزابها فى الفوز بمقاعد اكبر فى الانتخابات البرلمانية واخيرا مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا وبلجيكا وهولندا التى ربما تمتد الى دول اخرى، اى ان العولمة فى الواقع هى ظاهرة قابلة للتطور سلبيا وإيجابيا حسب الظروف المحيطة بها، اى انها يمكن ان تنمو على النحو الذى كان متوقعا ويمكن ان تتراجع ليتشكل عالم جديد من عدة مراكز رأسمالية، عالم متعدد الاقطاب موزع تحت قيادة قوى كبرى كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الروسى والهند وانجلترا او المانيا وغيرها. اننا مازلنا نعيش مرحلة جديدة فى عملية التوسع الرأسمالى، تعيد الرأسمالية من خلالها هيكلة نفسها وتحافظ فى نفس الوقت على جوهرها الاستغلالى وطابعها القائم على الاستقطاب والتفاوت. وهى ليست ظاهرة بلا جذور، وإنما هى مرحلة جديدة فى ظاهرة تاريخية موضوعية ناتجة عن الثورة العلمية والتكنولوجيا المعاصرة من جهة والطبيعة التوسعية للإنتاج الرأسمالى من جهة أخرى. وهى ليست نظاماً اقتصادياً وحسب، بل تمتد إلى مجالات الحياة المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. " نقلاً عن الأهرام "