تداعيات نظرية المؤامرة
بقلم : محمود حسن
"المؤامرة" كلمة سهلة في منطوقها، وكذلك تجدها تبسيطاً شديداً لأمور أكثر تعقيدا واشتباكًا وتداخلاً فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول والمجتمعات والأفراد يستخدمها البعض في التعليل والتبرير والتفسير، فمن الممكن أن يستعملها كل فرد بدوافع الحب أو الكراهية أو التحزب أو الوطنية أوغير ذلك؛ ليفسر بها ما تستريح له النفس، وفي واقع مُزْرٍأصبحت نظرية المؤامرة مريحةً إلى حد كبير للكسالى الذين لايريدون أن يجهدوا عقولهم في تفكير فلسفي عميق، فأصبحت "نظرية المؤامرة" توفر لهم مبرراً جاهزاً لعجزهم عن مجاراة إيقاع التطور ومواكبة العصر والبحث عن حقائق؛ ليكتفوا بإلقاء اللوم على الآخرين، وندب حظوظهم متحسرين على ماضي أمتهم التليد دون أن يسألوا أنفسهم عن سبب تخلفهم عن ركب مسيرة التقدم المبني على العلم والمعرفة في وقت لم يعد فيه موقع للمتقاعسين ، وهنا يحتاج الأمر إلى وقفة جادة مع النفس نراجع فيها مسببات إخفاقاتنا للانطلاق للأمام بثقة وثبات.
فلقد باتت «نظرية المؤامرة» مرجعية في تفسير كل الظواهر السياسية والنظر بعين الشك والريبة لكل الذين يخالفوننا في الرأي باعتبارهم خونة وعملاء ينفذون أجندة خفية لجهات خارجية، فالمؤيدون لنظريات المؤامرة يكونون أكثر عرضة للفشل، وكذلك تدفعهم قناعتهم الفكرية للانخراط في السلوكيات التآمرية، مثل نشر الشائعات أو الميل لأن يكونوا مفعمين بالشك حول دوافع الآخرين.
وفي ذات الوقت ليس من الحكمة في شيء أن نغمض أعيننا عما يدور حولنا في عالمٍ أصبحت تسيِّره في الغالب المصالح الضيقة، وتراجعت فيه المثل العليا، ولكي نتعامل مع ذلك الواقع المرير ينبغي علينا النظر إلى ما وراء الأشياء بكثير من الحكمة والحنكة دون مغالاة في افتراضات لا تعدو كونها مجرد خيالات، خاصةً في ظل تشابك المصالح العالمية على ساحة الشرق الأوسط، وتواترالصراعات الطائفية والذي جعل الأمر أكثر تعقيدا، فهل من الحكمة أن يتم إنكار المؤامرة أم أن هناك بعض الأمور يوجد بها مؤامرات وموازنات لجهات ودول بعينها، نتفق أو نختلف سيبقى جوهر نظرية المؤامرة لدينا أن الآخر يكرهنا لأسباب عدة تارة لأننا مسلمون وتارة لأننا عرب، ، وتارة أخرى لأننا نمتلك نفطا وأموالاً، وتارة لأننا فقراء وضعفاء؛ إنها الكراهية وكفى ممتدةً منذ الحروب الصليبية وربما قبلها أيضا.
وتخضع دائما نظريات المؤامرة بشكل أكبر إلى المتعة وفي أحيان كثيرة تكون أكثر إرضاءً من الحقائق؛ لأنّها تمدنا بما نحتاج سماعه، فالاستسلام لفكرة الفشل أسهل من البحث عن طرق محاربة الفساد، والرشوة، والجهل، والطائفية، والأفكار المتخلفة التي تجرنا إلى الأسفل؛ لأنّ إلقاء اللوم على الآخرين دائمًا أسهل وأبسط، ، وقد طنت أسماعنا من ترديد كلمات الماسونية العالمية ومجلس إدارة العالم والكثير من المسميات التي بات يرددها أنصار نظرية المؤامرة معطوفا على هاجس الفكر المخابراتي. فهل وجودهم على الأرض بات فعليا وهم المحرك لمؤامرة تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط أم أن أجهزة استخباراتية تسعى لزرع فكرة المؤامرة الوهمية لبث الفشل الفكري داخل المجتمع العربي.
ففي كثيرٍمن أحاديثنا غاب التنوير وحضرت نظرية المؤامرة، فقد يخطئ المجتمع في كثير من الأحيان عندما يُسَوِّغ إخفاقاته وأخطاءه باستخدام "نظرية المؤامرة" التي باتت لدى كثير من المجتمعات كابوساً مخيفاً، أو شماعة يلقون عليها كافَّة الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحول بينهم وبين ما يتطلَّعون إليه من اللحاق بركب التنمية والتجديد والتنوير، فيلجؤون لاتهام الغير بأنَّهم السبب الحقيقي لعدم تقدمهم. وقد يأتي هذا التبرير أحيانا من طبيعة النظريات الموجودة لدى كثير من الناس، فبعضهم يعتقد أنَّ كل شر أتى لهذه الأمة فهو بسبب الغربيين تحديداً، وكل خطأ يقع في بلادنا من نواحٍ سياسيَّة أو اقتصادية فهو بسبب عدونا، ويتناسون أنَّ هناك الكثير من الأخطاء التي صنعناها بأيدينا ولكنَّنا عنها غافلون، ولا أخفيك سرًّا أن هذه النظرية سادت ردحًا من الزمن، واستغلها كثير من القادة السياسيين لتبرير إخفاقاتهم وعجزهم عن تحقيق تطلعات شعوبهم.
نظرية المؤامرة لن يكون لها قيمة دون أن تحدد لنا من يتآمر على من؟ ومن يقوم بهذا التآمر وما هي آليات التآمر؟وما أسباب التآمر؟ خاصة إذا كان المتآمر قوى و متمكن ومسيطر والآخر ضعيف مستسلم لا يخطط و لا يُعد و لا يملك إلا رد الفعل الخاطيء والمتأخر.
لقد سادت حالةٌ من التربص والاتهامات قد تصل في أوقاتٍ كثيرة إلى حد الإهانات .. بين فريق يرى أن الشرق الأوسط يتعرض لمؤامرة هدفها تركيع سكانه، وفريق آخر يرى أننا أمام حالة من الغُبْن النفسي والفشل والبلادة والإفلاس الذاتي.
وتظل نظرية المؤامرة بين من يراها خطة كونية هدفها الايقاع بِنَا وسط قناعة ذاتية نتاج ما آل إليه حالنا دون إثباتٍ منه على وجود هذه المؤامرة،وآخرلا يرى وجودًا لها وأن تأخرنا عن باقي الأمم وتخلفنا عن ركب التقدم والرقي- رغم ما نملكه من موروث حضاري وثقافي ليس إلا نتاج تكاسلٍ وفسادٍ داخلي واجب التطهير.
ولقد لاحت لدينا العديد من الأطروحات لطالما لمحتها مخيلتنا ونحن نتهادى بين أحرف السطور الماضية .. هل ترتبط نظرية المؤامرة بعالمنا العربي فقط أم أن هناك دولاً وثقافاتٍ بعينها دون غيرها تعوِّل على نظرية المؤامرة وتجعلها سبباً في إخفاقاتها؟هل نظرية المؤامرة في حد ذاتها أصبحت مؤامرة تُحاك بنا؟هل استدعاء نظرية المؤامرة يجعلنا نركن إلى العزلة عن العالم؟وما هو دور قادة الرأي ووسائل الإعلام في التوجية والتنوير بالقضايا العامة وطرح الرؤى على الرأي العام؟ وكيف يتم تغليب دور العقل وتعميم النظريات العلمية في التفسير للتغلب على هذه الظاهرة المبنية على الفهلوة والتفسيرات السطحية؟اسئلة وأطروحات لطالما لم نجد له إجابةً إلى اليوم؛ فهل من مجيب!.