تجارة الدعاة الجدد
بقلم : محمود حسن
تجار من طراز أخر وسلعتهم هي الدين فهل يباع الدين ويشترى؟وهل تبقى كلماته تجري على شفاه المرددين دون ان تمر على قلوبهم؟ "فإنها لا تعمى الأبصارولكن تعمى القلوب التي في الصدور "صدق الله العظيم ،"الدعاة الجدد"لفظ تردد على اسماعنا في مطلع الالفية الثالثة كانت منصاتهم ومنابرهم النوادي والملاهي مستغلين في ذلك الغياب الواضح والذي بات جليا للمؤسسات الدينية الرسمية وكذلك معرفتهم الجيدة بجميع الوسائل المتاحة لنشر أفكارهم، وتمكنوا من التعامل مع أدوات الحداثة ومنجزات التكنولوجيا الحديثة، ومع نتائج العولمة على مستوى الاتصالات والمعرفة، فتوغلوا في الفضائيات ومواقع السوشيال ميديا والإنترنت" وغيرها.
والمتأمل في المشهد على الساحة في الفترة الاخيرة يجد في صدارة المشهد ظاهرة الدعاة الجدد والتي تعد جزءًا مهمًا جدًا من المشهد الديني والاجتماعي وربما السياسي خاصة بعد انحسار نشاط التنظيمات الراديكالية العنيفة، ومراجعاتها الفكرية التي أعلنت فيها عن تخليها عن العنف كوسيلة لتغيير المجتمع.
فمن هم الدعاة الجدد فالداعية الجديد هو ذلك الشخص الذي تلقى تعليمه الديني خارج المؤسسة الدينية الرسمية وهو يعتمد في ثقافته الدينية إما على التعلم المباشر أوالتثقيف الذاتي أو على تلقي العلم من أحد الشيوخ في حلقات العلم في المنازل وليس في اماكن العبادة . الداعية الجديد هو شخص مهني له عمل مستقل عن كونه داعية وهو يرتدي الزي الاوربي ويقدم خطابا بسيطا ملتويا على الدين دون ان يمر على قلبه يعمل فيه على ربط الدين بالحياة والمشاكل الاجتماعية، وفضلا عن حسن المظهر والتمتع بالقبول الاجتماعي والقدرة على توصيل المعلومة بسهولة، كما أن أهم ما يميز الداعية الجديد هو جمهوره الذي يتكون معظمه من الشباب والنساء الذين ينتمون للشرائح الاجتماعية الأعلى، والذين يبدون في حاجة لتدين لا يحرمهم من مباهج الحياة التي يملكونها بالفعل، وفي الوقت نفسه يمنحهم نوعا من الدعم الروحي، ويجيب لهم عن الأسئلة التي تتعلق بجدوى الحياة أو الفائدة منها .
ويبقى عالقا في الاذهان سؤال يطرح نفسه ما هي طبيعة علاقاتهم بالحركات الإسلامية، إن كانت هناك علاقة في الأصل؟ وهل سعت هذه الجماعت الى تجنيد البعض منهم في ظل سعي الدولة الى تعظيم دور الدعاة الجدد واستغلالهم في رحلة الهروب من المواجهة الحتمية للتطرف الذي تتبناه الجماعات الاسلامية المتشددة وكذلك حاجة النظام السياسي لطرح نمط جديد من الدعاة الجماهيريين يسحبون البساط من تحت أقدام الجماعات المتشددة، ذات القوة والنفوذ.. كل ذلك ياتي في ظل غياب تام وفقدان المؤسسة الدينية التقليدية لمصداقيتها وتبعيتها المطلقة للسلطة، وافتقارها للتجديد.
تنقاضات في الأقوال والأفعال ما بين أوامرهم ونواهيهم فتارة يدعون العامة الى التقشف لنيل جنة الخلد وهم يعيشون في نعيم الدنيا وزخارفها وتارة أخرى بالدعوة الى الزهد في نساء الأرض للظفر بحور الجنة وهم يعيثون في نساء الارض فساداً.
وقبل الختام علينا أن نعي بعض الأسئلة والمفاهيم التي قد تطرح حلا لهذه الظاهرة فما هي أهم الأسباب التي جعلت من بعضهم "نجوما" في المجتمعات العربية والإسلامية؟، هل هم بمثابة بروتستانتية او مذهبية إسلامية جديدة؟ وكيف نفسر قبول الشرائح الاجتماعية العليا على خطابهم؟ وهل ينجح هؤلاء في صبغ المجتمع بصبغة إسلامية كاملة؟ وهل صحيح أنهم لا يعلمون بالسياسة كتكتيك يتجنبوا به معاداة السلطة؟
ويبقى القول ان ما نشاهده من اعمال لحفنة متواضعة العلم لا يعد خدمة بأي حال من الأحوال لدين الله بل انها دليل المرض الذي جثم على قلوبهم وخيب أمال الكثير من اهل هذه الأمة في ايجاد بديل صادق ومخلص بعيدا عن المتشددين والمنافقين من مدعي العلم والتدين .