القلق الهائم
بقلم : د. صلاح الدين السرسى
هناك حالة من التوتر والقلق يطلق عليها القلق النفسي العام ، وهو أحد اضطرابات القلق المنتشرة كثيراً بين الناس، والتي يكون فيها المرء في حالة من الترقب والتوجس الدائم والمستمر، ويكون المرء في حالة توقع مستمر لأخبار سيئة أو أحداث سيئة أو مشاكل أو أي حدث سيء في المستقبل، ويكون في حالة من التوتر والخوف، والإحساس بأن شيئاً ما سيحدث في المستقبل.
مشكلة هذا الاضطراب أنه يجعل المرء في حالة مستمرة من الشد والضغط النفسي، والذي قد يؤثر على مجريات حياته اليومية، وعلى علاقته بالآخرين، وعلى إنتاجيته في حياته العملية والدراسية والمهنية وغيرها.
ويترافق القلق النفسي العام مع جملة من الأعراض النفسية، كالشعور بالخوف وعدم الأمان وقلة التركيز وسيطرة التفكير السلبي وتوقع حصول الاحتمالات السيئة في كل شيء، أو المصائب، وأيضاً ينتج عن هذا التفكير السلبي تصرفات سلبية وسلوكيات سلبية في التعامل مع الآخرين، كالحذر الزائد، وتجنب الكثير من المواقف في مجريات الأحداث اليومية.
أيضا هناك الأعراض الجسمانية للقلق، مثل: الإحساس بالشد المستمر والتوتر المستمر في عضلات الجسم ككل، مثل عضلات الرقبة والظهر، عضلات البطن، الاضطرابات في الجهاز الهضمي، الغثيان، آلام المعدة والإسهال، وأيضاً صعوبة في التنفس، لذلك يصاحب القلق النفسي صعوبات في النوم، والإحساس بجفاف الحلق، وصعوبة البلع، والإحساس بالاختناق، وزيادة دقات القلب أو عدم انتظام ضربات القلب، وأحياناً برودة في الأطراف، أو حرارة في الأطراف، أو التنميل أو التعرق.
وهناك عدة عوامل تلعب دورها في ظهور هذه المشكلة، منها العامل الوراثي، فهو يحدث بين النساء أكثر من الرجال، وأيضاً مع وجود الضغوط النفسية ومما يزيد من حدوث القلق في حياة الناس، الضغوط الحياتية المختلفة، الضغوط الأسرية، الضغوط المهنية وغيرها.
مع العلم أن وجود أمراض عضوية، وخصوصاً أمراض الهرمونات، أو اضطراب الهرمونات، أو استخدام الأدوية أو العقاقير قد تؤدي إلى حدوث القلق بين الناس.
والبعض يكون مهيئا أكثر من غيره للقلق، فيصبح أكثر عرضة لحدوث القلق، مثل أصحاب الشخصية الوسواسية، أو الشخصية الهيستيرية أو الشخصية الحدية. كما أن من الأسباب العضوية أو التفسير العضوي لحدوث القلق، وجود اضطراب في إفراز بعض النواقل العصبية في الدماغ، وتحديداً في خلايا المخ، مثل زيادة إفراز مادة الأدرينالين، وأيضاً نقص إفراز بعض الهرمونات.
بعض الدراسات أثبتت أن القلق منتشر بنسبة ما بين 3 إلى 8 في المئة بين عامة الناس، وهو لدى النساء ضعف نسبته لدى الرجال. وهناك بعض الاضطرابات الأخرى التي تتشابه في أعراضها مع اضطراب القلق النفسي العام، مثل بعض الأمراض العضوية التي يجب أن نستبعدها بإجراء بعض التحاليل والفحوصات حتى نتأكد أنه ليس هناك سبب عضوي يسبب هذه الأعراض، مثل الاضطرابات في الهرمونات.
وتوجد أساليب متعددة لعلاج القلق ، منها العلاج الدوائي باستخدام العقاقير التي قد تؤدي إلى تعديل مستوى النواقل العصبية في خلايا الدماغ، وبالتالي تؤدي إلى تخفيف حدة الشعور بالقلق والخوف وسيطرته على جميع أعراض القلق السابق ذكرها.
كما أن العلاج النفسي، وسيلة أخرى تهدف إلى تعديل الأفكار السلبية، وتغيير السلوك غير الصحي، هذا السلوك الذي يرتبط ببعض الأفكار التي ترسخت عبر الخبرات الماضية . ويعمل على تعديل هذه الأفكار ، وإعادة تفسيرها ، هذا التغيير في الأفكار والسلوكيات يهدف إلى تغيير في استراتيجيات التفكير من التفكير السلبي والسلوكيات السلبية إلى التفكير الإيجابي والسلوكيات الإيجابية.
وإذا ما تم الدمج بين العلاج السلوكي المعرفي وبين العلاج الدوائي فإننا نحصل على أفضل نتيجة علاجية لهذا القلق.