النهار
الخميس 28 نوفمبر 2024 04:44 مـ 27 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
أبو الغيط يدعو لتوحيد التشريعات العربية وتعزيز التعاون بين مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب إحالة أوراق سفاح التجمع إلى مفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه جامعة سوهاج تُسدل الستار على «ماراثون» انتخابات الاتحادات الطلابية: «لبيب» رئيسا و«حسن» نائبا لاتحاد الطلاب مجموعة أغذية تعزز أهداف النمو الاستراتيجي في معرض أبوظبي 2024 هواوي تقدم خدمات استثنائية لجعل نهاية العام ذكرى لا تنسى قمة ”إيجيبت أوتوموتيف” تختتم أعمال قمتها التاسعة بإعلان التوصيات مجموعة البارون تستضيف الحدث الأول لشركة إل تور الألمانية لتعزيز التعاون السياحي موعد وحكام مباراة دجوليبا وبيراميدز في دوري الأبطال وزيرة البيئة تعلن بداية برنامج لإستعادة النظام البيئي في منطقة البحر الأحمر وجنوب سيناء انطلاق أعمال الدورة الـ40 لمجلس وزراء العدل العرب برئاسة السعودية بالجامعة العربية رئيس البارالمبية الدولية يلتقي أبطال مصر ويشيد باهتمام الرئيس بالرياضة البارالمبية مهرجان الفيوم السينمائي يكرم الطلاب صناع الأفلام بمنصة قارون

مقالات

محمد شيرين يكتب: القدس الإقتصادية

محمد شيرين الهواري
محمد شيرين الهواري

الحق السياسى والتاريخى للفلسطينيين فى السيادة على كامل أراضيهم وإقامة دولتهم المستقلة المُعترف بها دولياً وعاصمتها القدس من شرقها إلى غربها غير قابل للمساومة ولا حتى النقاش. هذا هو الأمر الذى من المُفترض أنه لا خلاف عليه فى الدول العربية بأسرها والغاية النهائية التى يجب السعى وراء تحقيقها.

ومن ثم نجد أنفسنا اليوم ومن بعد الاعلان غير الشرعى والمُخالف لكافة المواثيق والمعاهدات الدولية لرئيس الولايات المتحدة باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيونى الغاصب ونقل سفارة بلاده إليها أمام مُعضلة تاريخية جديدة – ربما تكون الأصعب والأكبر منذ وعد بلفور عام 1917 واستنساخ معاصر لفكرة “أعطى من لا يملك لمن لا يستحق” – تدعونا إلى التفكير حول كيفية مواجهة الغطرسة والتهور الأمريكى والاستهانة بأصحاب القضية على كافة الأصعدة ومنها الصعيد الاقتصادى.

بمعنى آخر: هل توجد هناك سبل اقتصادية لمقاومة “الوضع على الأرض” الذى يحاول الكيان الصهيونى ومعه شريكه من الجانب الآخر للمحيط الأطلنطى خلقه؟ هل تملك الدول العربية أسلحة اقتصادية فعالة يُمكن من خلالها ممارسة ضغوط حقيقية على تلك الأطراف بعيداً عن سلاح البترول التقليدى المُستهلك وبغض النظر أيضاً عن الشعارات الجوفاء – بل والساذجة فى الحقيقة – الداعية لمقاطعة المنتجات الأمريكية التى أتوقعها فى الأيام القليلة المُقبلة والتى لن تسفر كالعادة إلا عن انخفاض مؤقت لمبيعات مطاعم الوجبات السريعة ومجموعة من المشروبات الغازية قبل أن تعود أنماط الاستهلاك المُعتادة من جديد ويدخل الموضوع كله عالم النسيان.

الأجدى إذن هو أن نبحث عن أفكار أكثر استدامة وفعالية وقابلة للتحقيق واقعياً مثل أن تقوم كافة الصناديق السيادية العربية وفى مقدمتها الصناديق السعودية والقطرية والإماراتية بسحب كامل استثماراتها فى أسواق السندات والأسهم والتعاملات الآجلة Futures الأمريكية والأسواق المرتبطة بها وهو أمر ليس بالعسير ولن يُكبد تلك الدول أية خسائر ملموسة بالنظر إلى تخمة البدائل التى يُمكن طرحها وأولها أسواق دول “البريكس” (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) وكذلك تلك الموجودة بنطاق منظمة التعاون الاقتصادى لدول أسيا والمحيط الهادئ (آبيك) التى تضم فى عضويتها 21 دولة ومنها أسواق واعدة مثل أندونيسيا وماليزيا والفليبين وتايلاند وفيتنام بالإضافة إلى الأسواق الأكثر تقليدية فى الصين وكوريا الجنوبية وروسيا إلخ.

وكى نُظهر كم سيكون ذلك ضربة موجعة للاقتصاد الأمريكى يكفينا ذكر أن الأستثمارات السعودية والكويتية وحدها فى الولايات المتحدة تبلغ قيمتها حوالى تريليونى دولار، الكثير منها على شكل أوراق مالية من أنواع مختلفة. بعبارة أخرى: السحب المنظم ولو لجزء من استثمارات الدولتين من أسواق المال الأمريكية يمكنه أن يؤدى إلى إنهيار بورصة وول ستريت فى أقل من 48 ساعة.

ومن المفروغ منه أن تتوقف مصر فوراً عن أى تعامل تجارى أو اقتصادى مع الكيان الصهيونى حتى ولو كان مفروضاً عليها من واقع اتفاقية كامب ديفيد وما تفرع منها دون أن يتضمن هذا بالضرورة إلغاء معاهدة السلام كاملة وإن كان هذا ما ننشده فى نهاية المطاف. ولا أعتقد أن فى ذلك ما يُمكن أن يُوخذ على الجانب المصرى بأى شكل لأنه لا احترام للمواثيق مع من يخترقها بفجاجة يوم تلو الآخر. هذا مع تخفيض التبادل التجارى مع الولايات المتحدة بما يضمن مستقبلاً أن تكون الكفة أكثر توازناً حيث تميل حالياً لصالح الجانب الأمريكى بوضوح. هذا علماً بأن معظم ما نستورده من الولايات المتحدة سلع كمالية يسهل الاستغناء عنها ولا تمثل صادراتنا إليها سوى جزء صغير من الإجمالى (4.7% بقيمة 10.6 مليار جنيه مقابل واردات بقيمة 36.5 مليار جنيه). ولا خوف على الإطلاق من أن يؤثر ذلك على الاستثمارات الأمريكية الموجودة فى مصر فعلياً (وهى الأضخم على الإطلاق بالنسبة لنا) بالنظر إلى أنها جميعها استثمارات راسخة ومستقرة وسحبها سيكون مرتبطاً بخسائر جمة للشركات الأمريكية العملاقة التى ظلت تتعامل حتى مع كوبا فى أوج عصر كاسترو ودون وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين أساساً.

ولو لجأت دول الخليج إلى نفس هذا النهج ستكون العواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكى حيث تبلغ قيمة الواردات السعودية من الولايات المتحدة حوالى 20 مليار دولار سنوياً و22 مليار دولار تقريباً بالنسبة للإمارات العربية. هذا مع العلم بأن طبيعة واردات الولايات المتحدة من الخليج ستمنعها من الرد بالمثل حيث أن معظمها منتجات بترولية يحتاجها الاقتصاد الأمريكى بشدة فى حياته اليومية.

كما يجب أيضاً على الدول العربية مجتمعة زيادة قدرتها التنافسية فى أكبر أسواق التصدير التقليدية للكيان الصهيونى من بعد الولايات المتحدة بنسبة 32% من إجمالى قيمة الصادرات (هونج كونج 8%، المملكة المتحدة 7%، الصين 6%، بلجيكا 4.5%) وهو ليس بالعمل الصعب على الإطلاق إذا ما تم التركيز على منتجات القطاع الطبى (أدوية وأجهزة ومستلزمات) والتى تعد ثانى أكبر مُنتج تصديرى للدولة الغاصبة بنسبة 14.2% ومن بعد الألماس (28%) والذى لا يمكن بالطبع المنافسة فيه. هذا بالإضافة إلى مجال الشرائح الإلكترونية الدقيقة (6.1%). والملحوظ هنا هو أن كل تلك المُنتجات غير مُعقدة فى التصنيع وتوجد لها بالفعل بنية أساسية لا بأس بها فى بعض الدول العربية مثل قطاع الأدوية فى مصر إن أمكن التغلب على مشكلة توفير النقد الأجنبى لإستيراد الخامات من دول أوروبية واسيوية مختلفة وهو أمر ليس بمستحيل على الإطلاق.

كل ما سبق لا يقدم بالطبع سوى مجموعة من الأفكار الأولية لكيفية مجابهة التحركات الدنيئة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيونى على المستوى الاقتصادى الذى هو فى نهاية الأمر، كما يعلمنا تاريخ البشرية، أكثر المستويات تأثيراً وفعالية. ولكن يبقى السؤال عن مدى استعداد الحكام العرب لاتخاذ خطوات حقيقية ومواقف صارمة تجاه ما يحدث.

هل سيكتفون كعادتهم المحببة بالشجب والتنديد والصراخ والعويل أم ستكون لديهم الشجاعة الكافية لخلق “واقع على الأرض” مُخالف لما هو مُخطط له؟ هذا هو ما ستكشف عنه لنا الأيام والأشهر القليلة المقبلة.