وليد الدرمللى يكتب (١-٢): «قضايا الدولة» سيف المواطن ودرعه.. ملحمة وطنية لقبت بأم الهيئات
١٤٠ عاماً من الدفاع وإعادة الحقوق الضائعة
المادة ١٩٦ طوق نجاة للمصريين أمام مجلس النواب
ينتظر الشعب المصرى ويترقب خلال دور الانعقاد الجديد لمجلس النواب الذى بدأ منذ ايام اقرار المادة ١٩٦ من الدستور الخاصة بهيئة قضايا الدولة والتى طال انتظارها وتأجل عرضها اكثر من مرة وهى المادة التى تمثل طوق النجاة للمصريين حال تطبيقها لما تمثله من حماية واعادة للحقوق الضائعة سواء للمواطن او الوطن فهى تنص على ان قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تنوب عن الدولة فيما يرفع منها او عليها من دعاوى وفى اقتراح تسويتها وديا فى اى مرحلة من مراحل التقاضى والإشراف الفنى على ادارات الشئون القانونية بالجهاز الإدارى للدوله بالنسبة للدعاوى التى تباشرها وتقوم بصياغة مشروعات العقود التى تحال اليها من الجهات الإدارية وتكون الدولة طرفا فيها ويكون لأعضائها كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطه القضائية وينظم القانون مساءلتهم تأديبيا ويفسر كل سطر فيما سبق اهمية تلك الهيئة للشعب وللوطن بشكل عام.
ولعل تصريحات المستشار محمد عبداللطيف أمين عام هيئة قضايا الدولة كانت المتنفس لنا كمصريين بعدما أكد أن رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال وافق على عرض قانون الهيئة لإقراره وذلك خلال الزيارة الودية لرئيس الهيئة المستشار حسين عبده حمزة للمجلس حضرها المستشار رفيق الشريف عضو المجلس الأعلى للهيئة والمستشار محمد بكر رئيس التفتيش الفنى بالهيئة والمستشار محمد أبوالمواهب نائب رئيس الهيئة كما حضر اللقاء المستشار عبدالمنعم أمين نائب رئيس قسم المنازعات الخارجية.
فإن هذه المادة عزيزى القارئ تسمح لك برفع دعوى قضائية ضد أى جهة رسمية أو خاصة تسببت فى ضرر لك على الا تزيد مدة نظر الدعوى عن شهرين وهو الأمر الذى سيقضى على الروتين وتكدس القضايا فى المحاكم الذى يؤدى الى تأجيل نظرها سنوات وسنوات.
وفى قراءة لتاريخ تلك الهيئة العظيمة ونشأتها نجدها ملحمة تحكى حكاية حب ودفاع عن المواطن والوطن عبر التاريخ والزمان وتعد أقدم هيئة قضائية فى مصر، فهى أم الهيئات والجهات القضائية جميعا فقد زاد عمرهاعلى قرن وأربعة عقود فقد أنشئت قبل إنشاء المحاكم الأهلية بثمانى سنوات وولد من رحمها القضاء الأهلى ثم محاكم مجلس الدولة والنيابة الإدارية.
ومن اسباب انشائها أن "الوالى" قديما كان يجمع السلطات فى يده، ويمثل فروع الحكم بشخصه فكانت قضايا الأفراد موكولة لحكمه ونزاهة الحكم فيها منوطة بعدله ومن اجل ذلك أنشأت هيئة قضايا الدولة عام 1876 لتنوب عن الحق والمال العام فى استقلال تام عن الحاكم لتحمى المواطن من تعسفه إذا كان له حق فى مواجهته دون خوف أو استبداد. ولقد أثبت المستشارون الملكيون على اختلاف هيئاتهم منذ نشأة لجنة قضايا الدولة استقلالا فى الرأى وإنصافاً للأفراد فى الحكم وقدرة على التوفيق بين المصلحة العامة والمصالح الأخرى فأصبحوا محلاً لثقة الحكومة والأفراد فتضمن للحكم حسن السمعة وتربح البلاد من تلك الانقلابات التى تحدث بين الحين والآخر كلما حلت حكومة بعد الأخرى ووجد الناس أنه يوجد قضاه يلجأون إليهم كلما أغلقت فى وجوههم أبواب الحكومة ويصلون إليهم بطريق الدعوى لا بالالتماس والشكوى.
ولذا فإن دورها حماية الحق والمال العام والدفاع عنه، لأنها تمثل النيابة المدنية القانونية عن الدولــة فى الدعاوى والمنازعات فى الداخل والخارج لتكون حائطاً قانونياً منيعاً لصد كل معتدٍ على المال العام، كما ألزمها القانون بتسوية المنازعات التى تكون الدولة طرفا فيها، والرقابة الفنية على إدارات الشئون القانونية فى الجهاز الإدارى للدولة، وإعداد وصياغة عقود الدولة من اجل التدقيق والمراجعة للبنود وحمايتها من اى ثغرات قد تؤدى للتلاعب، حيث تستقل دون غيرها بتقدير متى تتدخل الدولة فى الخصومة القضائية ومتى لا تتدخل؛ فلا تزج بالناس إلى ساحات المحاكم ظلما أو تدفع حقا ليتحقق به ظلم، فتكون أول من يرفض لأجهزة الدولة الإدارية طلباتها إن جنحت تلك الأجهزة الإدارية عن الحق، وإذا فرض عليها الدفاع لمصلحة عامة تستقل وحدها بتقديرها وفقاً لأحكام القانون فهى تحقق دفاع الدولة فإن صح أبدته؛ وإن حاد عن الصواب أغفلته، فلا تنطق إلا عدلا وصدقا وتربأ بنفسها عن اللدد فى الخصومة, وإن شرعت فى جمع المعلومات والمستندات من الجهات الإدارية ذات الصلة بمناسبة دعوى تباشرها فهى تلتزم بالحيدة والتجرد فتجمع ما للدولة وما عليها لتنير به الطريق أمام منصة القضاء، وإذا ما صدر حكم لصالح أحد المواطنين، وكان هذا الحكم مبنيا على أساس قانونى سليم، فلا تطعن عليه وتهب لاتخاذ ما يلزم نحو تنفيذه طبقاً لما قضى به، فتعطى كل ذى حقٍ حقه.
وأعضاء هيئة قضايا الدولة مستقلون، غير قابلين للعزل، ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، ويتمتعون بكافة الضمانات والحقوق والواجبات والحصانات المقررة لأعضاء السلطة القضائية، فهم قضاة يحكمون ضمائرهم فى نيابتهم عن الدولة والمال العام الذى هو مملوك للشعب المصرى.
ويذكر التاريخ أن نوبار باشا الذى كان يفاوض الدول الأجنبية فى موضوع إنشاء المحاكم المختلطة قد اختار إلى جانبه فى هذه المفاوضات مجموعة من علماء القانون الدوليين وأصدر قراراً سنة 1875 بتكوين ما يسمى لجنة قضايا الحكومة والتعبير الصحيح لها بلجنة قضايا الدولة وهو ما سنتاوله العدد القادم وعرض اشهر من تولى رئاستها وأهم القضايا الدولية والمحلية التى اعادوا منها مليارات لمصر.
فهم "قضاة يحتكم إليهم فيحكمون لا حكاماً يتظلم إليهم وقد لا يجيبون".