من وحي الثانوية العامة
منذ أيام قليلة . ظهرت نتيجة الثانوية العامة , ولم أسمع طلقة بندقية واحدة , أو حتي طلقة فشنك . تعلم الناس الأدب , بعد ان بدأت الشرطة تداهم الأماكن التي يطلق فيها الرصاص , وتقبض علي حائزي الأسلحة المرخصة وتلغي تراخيصها , وغير المرخصة وتقوم بعمل قضايا لهم بحياو اسلحة وذخائر دون ترخيص .
وتذكرت عندما ظهرت الثانوية العامة في أعوام 2011 , وما يعدها وحتي العام القبل الماضي عندما تحولت المنطقة المحيطة بمنزلي في ديروط إلي تبة هائلة لضرب النار, وكأن هناك جيش بأكمله يتدرب علي إطلاق الرصاص , دفعات متتالية وطويلة من الرصاص تنطلق , إبتهاجا بنجاح الأنجال,كان إطلاق الرصاص لا يتوقف حتى الثانية صباحا .
وقتها كان يطلق الرصاص ابتهاجا بنجاح الأبناء والبنات في تلك الشهادة الملعونة , التي يلعنها الآباء والأمهات , وتحبها حكوماتنا الرشيدة المتعاقبة .
ولأنني أفهم في السلاح , فإنني سمعت طلقات مدافع الجرينوف . والمورترز ,ومدافع صغيرة تحمل علي عجل , ويتم تغذيتها بالذخيرة عن طريق شريط مملوء بالطلقات كبيرة الحجم .
الغريب أن الناس عندنا تجامل بعضها البعض بالرصاص , في السابق كان الناس يجاملون بعضهم بصناديق المياة الغازية , ولكنهم الآن يتبادلون المجاملات بالرصاص , ويقول الواحد للأخر : أنا جاملت فلان بخزنتين آلي !!
وبعضهم يجامل الذخيرة الحية , أي تلك التي لم يتم استعمالها . ولكن هذا يتم في حالات نشوب معارك , وأصبحت علب وصناديق الذخيرة مجالا للمجاملات بين الأهالي .
وقت أن كانت هناك شرطة , كنا نخرج من بيوتنا عندما نسمع طلقة خرطوش , ونسأل عمن اطلقها وأسباب ذلك , وبعدها كان ضابط المباحث يأتي في البوكس ومعه المخبرين , ولا يبرحون المكان حتي يأخذوا معهم البندقية التي أطلقت الطلقة اليتيمة وصاحبها .
الغريب أن السلاح لم يعد سلعة يحرص عليها الأغنياء فقط , الفقراء أيضا حصلوا علية وحمله أولادهم الصغار , ويحاولون إظهاره في مثل تلك المناسبات السعيدة تظاهرا , والكئيبة عندما يفتح التنسيق أبوابه ,عندها يبحث أولياء الأمور عن كلية مناسبة فلا يجدوا الا معاهد الخدمة الاجتماعية التي تخرج منها نصف شبابنا .
ثمة ظاهرة غريبة أيضا , لم تكن موجودة ولكنها ظهرت في هذا العام , وهي إقبال أولياء الأمور علي إلحاق أبناءهم بكلية الشرطة والكليات العسكرية , حتى هؤلاء الذين يقل مجموعهم عن ال70 في المائة . وتلك الكليات تبيع ملفاتها بأسعار غالية , ويضطر أبناء الصعيد عندنا إلي الذهاب الي القاهرة لشراء تلك الاستمارات حتي قبل أن تظهر النتيجة , ومن الغريب أيضا أن بعضهم يشتري أكثر من استمارة.
وصارحني بعضهم بأنه سمع أن تلك الكليات تحررت من الوساطة والمحسوبية , وأنهم سيقبلون البسطاء ., وقلت لهم : فعلا هذة الكليات أصبحت متاحة للجميع , وأنها تحررت من الوساطة والمحسوبية بنسبة كبيرة, ولكنها لم تتحرر من مجموع الدرجات.
بدأ السماسرة والوسطاء يطرقون أبواب بيوت أوليات أمور طلبة الثانوية العامة , يعرضون خدماتهم مقابل مبالغ ليست طائلة فقط مائة وخمسين ألف للطالب الواحد , ويعدون الناس بالقبول , حتي هؤلاء الذين يرتدي أبنائهم النظارات الطبية , يقولون لهم إن هذا العام سيكون الكشف بالنظارة , ولكنهم ينصجوهم بإجراء عملية الليزر , وينصحون أولياء أمور الشباب القصار القامة بالذهاب الي الجيم , وتلك المحلات انتشرت في كل مدن وقري الصعيد , وأصحابها أيضا يساومون علي إدخال الشباب الكليات العسكرية.
وهو ما دعاني الي التفكير العميق , وسألت نفسي :
- هل هي الوطنية وحب الوطن ؟