النهار
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 03:45 صـ 23 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوارات

الدكتورة نورهان الشيخ: توطيد العلاقات المصرية الروسية أربك حسابات الأتراك والأمريكان

أكدت الدكتورة نورهان الشيخ، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن التوجه المصرى نحو توطيد العلاقات مع روسيا، يهدف فى المقام الأول إلى التحرر من التبعية لأمريكا، وتحرير القرار المصرى من أية تدخلات، مشيرة إلى أن روسيا لا تتعامل مع الدول العربية عموما بمنطق السيادة والسيطرة بل بمنطق الشراكة والمصلحة.
نورهان الشيخ أستاذ للعلوم السياسية, بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، حصلت على الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة القاهرة وتعمل مديراً لوحدة دراسات الشباب وإعداد القادة منذ يناير 2008 وأيضاً مديراً لمركز الدراسات الأمريكية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، منذ يناير 2009، وتقوم بتدريس العديد من المقررات الدراسية فى مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، ودراسات روسيا والكومنولث, والدراسات الأوروبية, باللغات العربية والإنجليزية والروسية, ولها العديد من الدراسات والبحوث حول روسيا الاتحادية وكومنولث الدول المستقلة. كان لـ«النهار» معها حوار شامل عن الأحداث الجارية فى الحوار التالى:

 

**من وجهة نظرك كخبيرة فى الشأن الروسى.. هل حادثة اختطاف طائرة مصر للطيران ومن قبل حادث الطائرة الروسية لهما تأثير على الشأن الروسى المصرى اقتصاديا؟
**تعتبر روسيا من الدول التى لها دور تنموى تجاه مصر لأنها وقفت بجوار مصر فى لحظات حرجة من التاريخ المصرى ونعلم جيدا أن روسيا هى من تقدمت بالدعم فى بناء السد العالى وهى التى ساعدت مصر فى تحديث الجيش المصرى وفى بناء جيش حديث قوى فى فترة الخمسينيات والستينيات، ومازالت توجد فرص كثيرة جدا لتجديد هذا الدور ولتقوم بالتعاون مع مصر فى بناء مصر الحديثة بمقتضيات وعوامل وفرص مختلفة وظروف مختلفة وأعتقد أن روسيا وشرق آسيا بشكل عام وخاصة القوى الصديقة التى لنا دور معها مثل الهند وغيرها، أعتقد أن هذه الدول وفى مقدمتها روسيا نستطيع أن تتعاون وتؤسس الشراكات التى تحقق طفرة تنموية فى مصر، خاصة أن 40% من انتاج القمح تأتى من روسيا، الأمر الذى يشير الى ان هناك تعاونا يلمسه ويشعر به المواطن العادى البسيط.
 فالانفتاح على روسيا بشكل عام أعتقد أنه مفيد لمصر ويحقق لها أهمية كبيرة فى مجال التنمية الاقتصادية.
والرئيس الروسى قالها صراحة إن الحكومة المصرية ليست مسئولة أو مدانة عن حادث الطائرة الروسية وإنه حادث ارهابى استهدف العلاقات المصرية الروسية، وأعاد الرئيس السيسى تأكيد نفس المعنى.. فيوجد هنا تفهم من الجانبين على أنه حادث إرهابى وأنه يوجد تعمد لإيذاء روسيا وتوجيه ضربة موجعة لها، وفى نفس الوقت ضرب العلاقات أو ضرب التطور الكبير الذى حدث فى العلاقات المصرية الروسية، وأعتقد أن الحادث ليس له تأثير على الإطلاق بين البلدين خاصة أن الموقف الروسى من السياحة عكس مواقف أخرى وبعض الدول الأخرى أخذتها كورقة للضغط على مصر.
*كيف تقرئين مؤشرات التقارب الروسى المصرى على الصعيدين العسكرى والسياسى؟
**بالنسبة للصعيد العسكرى فالنقطة الكبيرة التى أعتبرها نقلة فى العلاقات العسكرية هى عقد اللجنة المشتركة للتعاون العسكرى فمنذ العهد الناصرى لم تعقد لجنة مشتركة فى العلاقات العسكرية، وبالاضافة إلى حجم الصفقات والتقنيات التى تم الاتفاق عليها وعدد الزيارات المتبادلة بين وزير الدفاع الروسى ووزير الدفاع المصرى، فحجم الزيارات الرئاسية وزيارات وزراء الدفاع المتبادلة كبير، ووزير الدفاع الروسى لا ينتقل إلى أى دولة لأن تحركاته محدودة جدا وفى نطاق عمل ضيق من الدول، فيوجد تأسيس من الناحية الاستراتيجية فى المجال العسكرى المصرى الروسى ثابت وقوى بين البلدين.
أما على الصعيد السياسى فشارك الرئيس السيسى فى احتفالات الحرب العالمية الثانية وخاصة فى ظروف شديدة الخصوصية فى ظل التوتر الكبير فى العلاقات الأمريكية والروسية، وأمريكا مارست ضغوطا شديدة على مصر وعدد كبير من الدول لعدم مشاركتها فى الاحتفال بالحرب العالمية الثانية وبرغم كل الضغوط إلا أن الرئيس السيسى شارك فى احتفالات النصر، كما ان مشاركة روسيا فى افتتاح قناة السويس بالاضافة الى الزيارات المتبادلة خاصة زيارة الرئيس بوتين شخصيا لمصر فى فبراير 2015 فيها الكثير من الخصوصية من الرئيس بوتين ولها دلالة كبيرة ان روسيا تريد تأسيس العلاقات بين البلدين.
*لماذا كل هذا القلق الأمريكى والتركى من التعاون التجارى المصرى الروسى؟
**نحن نقابل صعوبات داخلية وصعوبات اقتصادية ولكن مصر دولة كبيرة، فمصر دولة محورية ودولة اقليمية كبرى ومفتاح الوطن العربى ومفتاح لمنطقة الشرق الأوسط بشكل كبير.
فدائما نقول إنه يوجد مثلث فى الشرق الأوسط مصر وتركيا وايران هذه الدول الكبرى الثلاث فى المنطقة لديها فاعلية، وهنا الولايات المتحدة الأمريكية قد تسمح بالتعامل الروسى المصرى ولكن لا تحب أن يصل التعامل لاستراتيجيات اقتصادية عالية ويقلقها أن هذا التعاون يصل إلى مستويات استراتيجية عالية، خاصة أن الميزان التجارى المصرى يميل أكثر لصالح روسيا لأننا الدولة المستوردة الأكبر للانتاج الروسى ولكن الولايات المتحدة تريد عزل روسيا عن مصر وتضييق الخناق على موسكو وتعزلها دوليا واقليميا فما بالك بأن الأخيرة تتعاون مع مصر التى هى مفتاح الوطن العربى وتنفتح مع روسيا وتقيم معها علاقات كبيرة ودولا أخرى مثل الصين وغير ذلك فهذا فى حد ذاته غير محبب للولايات المتحدة.
وبالعكس بالنسبة لتركيا بمعنى أن تركيا تريد محاصرة مصر وخنقها لتظهر أن مصر دولة منعزلة بعد رحيل الاخوان فدولة بحجم روسيا تنفتح مع مصر وتقيم معها علاقات وتعاون استراتيجيا طويل المدى طبعا أمر مقلق لتركيا خاصة بعد حادث الطائرة الروسية والتوتر الشديد فى العلاقات الروسية التركية.
* ما السر وراء وقوف روسيا لمساندة الجانب السورى؟
** سوريا كانت شريكا استراتيجيا ثابتا على شراكته، فكل شركاء روسيا فى الخمسينيات والستينيات حصلت بينهم قطيعة وتوتر فى العلاقات بشكل حاد ولكن بالنسبة لسوريا لم يحدث هذا بل ظلت العلاقات ثابتة بشكل دائم، فالتوجه السورى نحو روسيا منذ عهد حافظ الأسد وما قبله جعل سوريا ركيزة أساسية لروسيا فى الشرق الأوسط، فإذا ضاعت سوريا انتهى النفوذ الروسى فى الشرق الأوسط والمنطقة ولن يكون لها نفوذ بالمنطقة بالاضافة إلى المصالح، فروسيا لها قاعدتان فى حميمين وطرطوس وهما قاعدتان أساسيتان فى التحركات الروسية وهناك توجه فى العقيدة العسكرية البحرية الروسية لتعزيز وجودها فى البحر المتوسط.
* بعض المغرضين فى الصحافة الأمريكية يدعون دعم روسيا لداعش بالسلاح.. فما تعليقك؟
** الثابت أن سياسة روسيا فى مجال مكافحة الإرهاب واضحة حاسمة ولا تقبل مساومة أو تفتح خطوطا للتفاهم مع أى منظمة تعتقد أنها ارهابية، فالحقيقة أن بداية ظهور داعش فى الوجود وبشكل واضح فى عام 2006 فى العراق، وهذا كان أول نشاطات داعش الواضحة وأول الحديث عنه ولكن بمسميات مختلفة ونشاطه كان موجها تجاه الشيعة، وكان معروفا أن الولايات المتحدة غضت الطرف عنه لتأجيج الصراع بين الشيعة والسنة وبالتالى هذه العصابات الدواعشية صنيعة أمريكية، فسياسة روسيا فى هذا المجال ذات خط ثابت وليس فيها جدال وهدفها القضاء على الارهاب من منبته وللأسف يوجد جزء كبير جدا منه فى منطقة الشرق الأوسط.
* كيف ترين وصول أيدى الإرهاب إلى أوروبا.. وأخيرا أحداث بروكسل؟
** للأسف الشديد أوروبا أخطأت، فتحت مسمى تنظيف أوروبا سمحت بانتقال هذه العناصر الإرهابية من أوروبا إلى سوريا، وللأسف سوريا أصبحت حاضنة للإرهاب، وعندما تغيرت الأوضاع على الأرض وأصبحت العناصر تتلقى ضربات موجعة عادت إلى أوروبا بتطرفها الفكرى وتدريبها العالى، وكانت النتيجة ما نراه حاليا من معاناة أوروبا من إرهابيين محترفين.
* إذن ما هو الحل للخروج من أزمة الارهاب فى معظم أنحاء العالم؟
يجب توحيد الجهود والتعاون بين الدول وإيجاد آلية حقيقية بين كل من الدول الأوروبية والدول العربية بشكل عام فى أفريقيا وفى أوروبا وآسيا وإندونسيا للقضاء على الإرهاب.
* هل يمكننا القول بأن اتجاه مصر لتعميق العلاقات مع روسيا يحررنا من التبعية الأمريكية؟
** روسيا على مدى التاريخ لم يكن لها شروط سياسية فى التعامل معنا، فهى عكس الولايات المتحدة عندها توجهات ثابتة بعدم التدخل فى الشئون الداخلية ودائما توجهها يميل إلى التنسيق والتعاون والشراكة ولكن يظل الاستقلال الكامل مرتبطا بقدراتنا خاصة القدرات الاقتصادية، فروسيا تساند مصر اقتصاديا وسياسيا بقدر كبير.
* وهل تملك مصر دفع قيمة ما تقدمه روسيا لنا؟
** روسيا لا تُملى على مصر شروطا محددة، حتى فى عهد الضبعة قدمت روسيا قرضا لمصر طويل المدى أكثر من 30 سنة، وإلى جانب هذا قامت بإعادة تنشيط مجال السياحة الذى هو فى حقيقة الأمر أكبر دعم اقتصادى لمصر.
* السياحة شريان الحياة للاقتصاد المصرى.. فهل ستعود السياحة فى وقت قريب؟
** ستستغرق بعض الوقت حتى الانتهاء تماما من إحكام الإجراءات الأمنية التى ستتخذها مصر، فهل السياح الروس عند زيارتهم لمصر للسياحة سيتوفر لهم كل ضمانات الحماية؟ هذا ما ننتظره، لأن تعرض أى سائح روسى لأى حادث سواء إرهابيا أو غير ذلك يضع القيادة المصرية فى إحراج شديد، وهذا ما يريده المغرضون والحاقدون الكارهون لاستقرار مصر.. فلذلك على مصر وقيادتها عبء كبير لطمأنة الجانب الروسى والعالم.
* هل نفهم أن العلاقات المصرية الأمريكية لن تكون ركيزة الدبلوماسية المصرية مستقبلا؟
** الشواهد تقول عكس ذلك فزيارة وزير الخارجية سامح شكرى وما تم خلال الزيارة فى اليومين الماضيين لها معان كثيرة أن مصر حريصة جدا على علاقتها بالولايات المتحدة وبرغم أن علاقة مصر بروسيا قوية ويوجد تعاون اقتصادى إلا أن مصر حريصة جدا على علاقتها بالولايات المتحدة.