محمد نصر الدين علام يكتب: صراع القوى على ضفاف النيل
هذا هو عنوان مقال مجلة «ساينس» الدولية العريقة لكاتبه إيريك ستوكستاد بخصوص أزمة سد النهضة، والذى جاء فى أربع صفحات كاملة نصفها كانت لصور عن السد. وبدأ المقال بسرد تاريخى عن مخطط السدود الإثيوبية الذى بدأ بدراسة مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى فى نهاية الخمسينات من القرن الماضى وانتهت عام 1964، ثمّ تم تحديثها مع مرور السنين. وتطرق الكاتب بعدها إلى مبادرة حوض النيل التى بدأت عام 1999 بدعم غربى بلغ 200 مليون دولار، والتى تم من خلالها دراسة العديد من المشاريع المشتركة لدول حوض النيل، وخلالها وافقت مصر على إقامة سد إثيوبى عام 2008 لتوليد 2100 ميجاوات على النيل الأزرق. ولكن من ناحية أخرى كان ميليس زيناوى يخطط لبناء سد ضخم على النيل الأزرق بتمويل ذاتى عن طريق إصدار سندات بنكية لهذا المشروع. وجاءت اللحظة المناسبة للإعلان عن هذا السد مع بداية ثورة يناير المصرية، حيث أعلن ميليس زيناوى فى الثالث من فبراير 2011 عن عزم بلاده بناء سد ضخم على النيل الأزرق، وبعدها وضع حجر أساس السد فى أبريل 2011. والآن وبعد مرور خمس سنوات من وضع حجر الأساس أصبح سد النهضة أقرب للواقع، ومن المتوقع الانتهاء منه عام 2017. وأقصى طاقة لكهرباء هذا السد تبلغ 6000 ميجاوات، ولكن سعته الكهربية المتوسطة فى حدود 2000 ميجاوات فقط، سيتم استخدام معظمها داخل إثيوبيا لتغطية بعض احتياجاتها الداخلية، وسيتم تصدير الباقى للسودان. وتنظيم تصرفات النيل الأزرق بطول العام سوف يفيد المزارع الكبرى فى السودان مثل مشروع الجزيرة الذى تبلغ مساحته 800 ألف هكتار، ولكنه سيسبب أضراراً عديدة للمزارع السودانية الصغيرة التى تعتمد على مياه الفيضان فى غمر وغسيل أراضيها وتجديد التربة. وسوف يضطر صغار المزارعين لاستخدام الطلمبات لرفع المياه إلى أراضيهم وإلى استخدام الأسمدة وإنشاء المصارف. وأضاف المقال أن انتظام مياه النيل الأزرق خلال العام سيزيد من إنتاج كهرباء السدود السودانية فى حدود 20% (1000 جيجاوات ساعة سنوياً)، وأن السودان سوف يستفيد من حجز الطمى والمواد الرسوبية أمام سد النهضة بدلاً من امتلاء السدود السودانية بها مما كان يتسبب فى تقليل أعمارها. ولكن اعترف الكاتب بأن سد النهضة سيؤدى إلى تقليل منسوب مياه التخزين فى بحيرة ناصر مما يقلل من إنتاج كهرباء السد العالى ويقلل من مياه الرى فى مصر.
وذكر الكاتب فى مقاله أن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية لسد النهضة، الذى صدر فى مايو 2013، قد أثار صخباً واسعاً بعد ما تم تسريبه إلى مجموعة شبكة الأنهار الدولية فى بدايات عام 2014. وكان هذا التقرير قد أوصى بمراجعة وتنقيح دراسات تداعيات السد على تدفق النيل لمصر والسودان، وأشار إلى وجود أخطاء جسيمة فى تصميم أساسات السد قد تؤدى إلى انزلاقه وانهياره. وأضاف الكاتب أن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية أوصى بإعداد دراسات دولية للسلامة الإنشائية للسد وللتأثيرات السلبية لسد النهضة على نوعية المياه وبعض المشاكل البيئية الأخرى. وأضاف الكاتب أن مجموعة شبكة الأنهار الدولية ذكرت أن دراسات تخطيط وتصميم السد غير دقيقة وغير مكتملة، وأن تأثير السد على السكان المحليين غير واضحة، فالحكومة الإثيوبية تزعم أنهم 3000 فرد فقط سيتم ترحيلهم من موقع السد، بينما ذكر الخبير الجغرافى الأمريكى جينفر فيليكس من جامعة فلوريدا الدولية أن عدد السكان المحليين لا يقل عن 20000 نسمة وهم من الأقليات وأن سد النهضة سوف يمحو مجتمعاتهم وحضارتهم القديمة. وأشار كاتب المقال إلى أن معارضى السد يتخوفون من تأثيره السلبى على مصر أثناء ملئه بالمياه حيث من المتوقع أن يتم الملء خلال 5-7 سنوات، وفى أول سنة سيتم حجز 10% من متوسط التصرف السنوى للنيل الأزرق ثم تزداد كمية التخزين زيادة اطرادية عاماً بعد آخر. وذكر الكاتب أن دكتور بول بلوك من جامعة ويسكنسون فى بحثه المنشور عام 2014 فى مجلة تخطيط وإدارة الموارد المائية للجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، قد أوضح أن ملء السد سيتسبب فى أزمة مائية فى مصر وانخفاض مؤثر فى كهرباء السد العالى. وجاء فى المقال أيضاً أنه إذا صادفت سنوات ملء سد النهضة سنوات فيضان عالية أو متوسطة فسيكون تأثير الملء على مصر غير فادح، ولكن إذا صادفت سنوات جفاف فستكون الآثار وخيمة. وفى استفزاز واضح للمصريين ذكر الكاتب صراحة أن دكتور يلما ساليشى من جامعة أديس أبابا أخبره بأن إثيوبيا لا تستطيع تحمل طول انتظار توليد كهرباء سد النهضة، وأنه إذا لم تتفهم مصر والسودان ذلك فسوف تقوم إثيوبيا بملء السد من حصتها من مياه النيل!!
ثمّ تطرق إلى مجموعة حوض النيل المصرية حيث ذكر أنها مشكلة من أساتذة جامعات ومفكرين وقد حذرت فى إحدى نشراتها عام 2013 من أن الآثار الوخيمة لسد النهضة لن تنحصر فقط أثناء سنوات ملء السد بل ستكون دائمة وستبلغ أقصاها أثناء دورات جفاف للنيل وسوف تظهر على شكل انخفاض مؤثر فى مخزون بحيرة ناصر وبوار مساحات هائلة من الأراضى الزراعية وتشرد ملايين من أسر المزارعين. وأضاف المقال أن المجموعة نفسها كانت قد حذرت أيضاً من أن أى انخفاض فى إيراد نهر النيل لمصر سوف يؤدى إلى تراكم الأملاح فى منطقة الدلتا وزيادة فى تداخل مياه البحر فى الخزان الجوفى بالدلتا وتملحه. وأضاف الكاتب أن هناك آراء مختلفة للدكتور أمورى تيلمانت من جامعة لافال بكندا، إذ يرى أن تنسيق سياسات التشغيل للسد العالى مع سد النهضة يمكن أن يقلل من الآثار السلبية على مصر، وأن مخزون السد الإثيوبى قد يستطيع مد مصر بمياه إضافية فى سنوات الجفاف. وأوضح الكاتب أن د. محمد نصر علام الأستاذ بهندسة القاهرة ووزير الرى المصرى الأسبق يتوجس حول نوايا إثيوبيا الحقيقية من السد، ويرى أن هناك مبالغة كبيرة فى حجمه وأن إثيوبيا سوف تقيم سدوداً أخرى للتحكم فى كل نقطة مياه من النيل الأزرق. وقد انتقل الكاتب بعد ذلك إلى المخاوف الإنشائية من طريقة تصميم السد الجانبى المساعد (Saddle Dam) وهو سد ركامى ويمتد بطول خمسة كيلومترات وبارتفاع 50 متراً جنوب سد النهضة، ذاكراً أنه فى حالة انهياره سيؤدى إلى إبادة ملايين من البشر. وأضاف أنّ تقرير اللجنة الثلاثية الدولية ذكر أن هذا السد يفتقد التصميم المناسب الذى يمنع انزلاقه تحت ضغط المياه التى سيتم حجزها أمامه. وأضاف المقال أنه تم عقد ورشة عمل عام 2014 فى جامعة «إم إى تى» بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت قد حذرت أيضاً من مخاوف انهيار هذا السد، موضحاً أن الدكتور يلما ساليشى الإثيوبى علق على هذه المخاوف بأنه سيتم استخدام خرسانة للسطح الخارجى للسد وأيضاً لغلق الشقوق أسفل السد. وذكر كاتب المقال أن الدكتور علاء ياسين مستشار وزير الرى المصرى قد علق قائلاً إنه ليس واثقاً من النتائج. وأنهى الكاتب مقاله بأن الدول الثلاث بصدد بدء دراسات تداعيات السد على دولتى المصب، وأنه من المنتظر ظهور صعوبات كبيرة أثناء التفاوض حول تقليل أضرار السد.
نقلا عن الزميلة "الوطن"