النهار
الأحد 20 أكتوبر 2024 02:37 صـ 16 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

الصورة التى لم تهز العرب

 بعدما وصل عدد اللاجئين السوريين إلى أربعة ملايين و88 ألفا و78 لاجئًا؛ قرابة نصفهم أطفال، وفقًا لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، نشرت مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، تقريرًا إحصائيًا عن أزمة اللاجئين الراهنة فى أوروبا، قالت إنها تُوصف بالأسوأ فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وأكدت أنّ الحرب العالمية الثانية أسفرت عن أكثر من أربعين مليون لاجئ، وأدت إلى ظهور القوانين والمنظمات الدولية التى أضحت استجابة من العالم للأزمة الحالية، كما قدرت عدد اللاجئين الذين عبروا البحر المتوسط هذا العام بأنّه يتجاوز الـ300 ألف. فيما نددت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، بفشل المجتمع الدولى فى حماية اللاجئين السوريين.وقالت إنّ إهمال السوريين الذين اضطروا إلى الفرار من النزاع تسبب فى أزمة اللاجئين التى تشهدها أوروبا حاليًا، إذ لم تسمح دول الاتحاد الأوروبى بدخول أراضيها سوى 150 ألفًا من اللاجئين، بينما تقدم نحو 270 ألف سورى بطلبات لجوء إلى القارة العجوز، وأشارت اللجنة إلى أنّ الانتهاكات المتزايدة فى النزاع السورى أدت إلى مقتل أكثر من 240 ألف شخص؛ وتشريد نحو 7.6 مليون داخل البلاد، بخلاف انتشار العنف والعديد من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التى يرتكبها النظام السورى وتنظيم “داعش” وغيره من جماعات المعارضة المسلحة. 
وفى الوقت الذى انتفضت فيه الدول الأوروبية، عقب غرق الطفل السورى “إيلان كردى” على أحد الشواطئ التركية، أثناء محاولة أسرته الهرب من الحرب فى سوريا والبحث عن مستقبل أفضل فى أوروبا، أعلن رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، أنّ بلاده مستعدة لبذل المزيد من أجل حل أزمة المهاجرين إلى أوروبا ولاستقبال آلاف اللاجئين السوريين الإضافيين، وهو ما أكدته المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، التى قالت إنّ بريطانيا تعرض 4000 مكان للاجئين السوريين، فى الوقت الذى واصلت فيه ألمانيا استقبالها لمزيد من اللاجئين، وقام الشعب الألمانى باستقبال السوريين والتعبير عن تضامنه الكامل معهم، وهو الأمر ذاته الذى فعلته الأندية الألمانية وجماهيرها، التى رفعت لافتات تضامنية معهم، كل ذلك ولم تُحرك الدول العربية ساكنًا فى أزمة اللاجئين السوريين، إذ اكتفت بالتعبير عن تعاطفها مع المأساة وقامت بنعى الطفل فقط، ولم تقم أى دولة باستعدادها لاستقبال لاجئين أو تقديم مساعدات لهم، فى الوقت الذى تجاوب أكثر من 12 ألف آيسلندى مع حملة “فيسبوكية”، أطلقتها الكاتبة برينديس بيورغفينسدوتير، طالبت فيها مواطنى بلدها البالغ عددهم 300 ألف نسمة؛ بفتح أبواب بيوتهم فى وجه اللاجئين السوريين احتجاجًا على قرار الحكومة التى استقبلت 50 لاجئًا فقط، الأمر الذى أثار انتباه رواد موقعى التواصل الاجتماعى “فيسبوك” و”تويتر”، فى العالم العربى، وتوالت المقارنات والتساؤلات: لماذا لا تحذو الحكومات العربية حذو الدول الغربية؟ كما فعلت حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التى قامت بفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين؟ وانتقد العديد من المغردين حكومات الدول العربية الخليجية. فيما علقت صحيفة “هاندلزبلات” الألمانية على موقف الدول العربية تجاه أزمة اللاجئين السوريين، قائلة: “من المخزى أن نرى دول الخليج تمتنع تمامًا عن توفير فرص لتوطين اللاجئين؛ ينبغى على هذه الدول من منطلق الروابط اللغوية والدينية توفير مأوى آمن للفارين من الاضطهاد وجرائم الحرب فى سوريا”، وسلطت الضوء على تقرير منظمة “العفو الدولية”، الذى استنكر رفض السعودية استقبال اللاجئين، إذ إنها لم تستقبل لاجئًا واحدًا منذ اندلاع الحرب الأهلية فى سوريا، وأصبحت الدول الأوروبية هى الملاذ الأخير لهم، منتقدة فى الوقت ذاته موقف الدول العربية التى تكتفى بالمساعدات المادية فقط. ووجهت الصحيفة الألمانية اتهامًا صريحًا للسعودية غير المتعاطفة مع ثورات الربيع العربى، لتنصلها من المسئولية الإنسانية تجاه اللاجئين السوريين، على الرغم من الثراء الفاحش الذى تتمتع به كل الدول، وطرحت تساؤلًا حول أسباب رفض المملكة استقبال اللاجئين، خاصًة أن نسبة الأجانب فى دول الخليج مرتفعة جدًا، فهناك ستة ملايين أجنبى يعملون بشكل رسمى فى السعودية، بينما تبلغ نسبة الأجانب فى الكويت 60%، وفى قطر 90%، وفى الإمارات 80%، وأرجعت أسباب قلق الدول العربية من استقبال اللاجئين السوريين إلى صعوبة إجلائهم مثلما حدث من قبل، عندما طردت السلطات السعودية 370 ألف عامل، رغبة منها فى توفير مزيد من فرص العمل لمواطنيها. وجاء موقف جامعة الدول العربية ليؤكد مسلسل الفشل الذى تعيشه الحكومات العربية فى حل الأزمة السورية القائمة منذ 4 سنوات، إذ أقر الدكتور نبيل العربى، الأمين العام للجامعة، بالعجز عن حل أزمة اللاجئين السوريين، وأعرب فى تصريحات صحفية عن أسفه الشديد لوفاة الطفل السورى مع 11 لاجئًا آخرين كانوا يحاولون الوصول إلى جزيرة كوس اليونانية، واعترف بأنّ معالجة تلك المشكلة “أكبر من أن تقوم بها الجامعة، فالمشكلة الحقيقية للمأساة تكمن فى حل المشاكل السياسية فى سوريا، وأنّه رغم وجود مجهود دولى وعربى لحل مشكلة اللاجئين، فإنه لم يؤد إلى شىء”. بينما أكد راسم الأتاسى، رئيس الجالية السورية فى مصر، أنّ العرب أحبطوا من الجامعة العربية والأنظمة العالمية، وتابع: «ما يحدث فى سوريا يخدم إسرائيل فى المقام الأول، بعض الدول العربية للأسف أغلقت أبوابها فى وجه اللاجئين». من جانبه، أصدر الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بيانًا يطالب فيه الدول العربية والإسلامية بتبنى قضية اللاجئين السوريين، مطالبًا خطباء المساجد بتخصيص الخطبة للحديث عن أزمة السوريين، والتوعية بقضيتهم، ووجه الشكر إلى الدول والمؤسسات والشخصيات التى قامت بإيواء ومساعدة اللاجئين. وفى السياق ذاته، أعربت وزارة الخارجية المصرية، فى بيان لها، عن قلقها البالغ تجاه الأوضاع الإنسانية الصعبة التى يعانى منها اللاجئون فى عدد من الدول الأوروبية، وحثت تلك الدول على تحمل مسئولياتها وفقًا لالتزاماتها وتعهداتها الدولية الخاصة باستقبال وإيواء اللاجئين المتضررين من الأوضاع الأمنية والإنسانية الهشة فى دولهم، وبما يتسق مع قواعد القانون الإنسانى الدولى فى هذا الشأن.