أحمد بهاء الدين فى حوار ساخن لـ«النهار»:
الدولة تتجاهل الطبقات الفقيرة.. والمعارضة السياسية بـ»عافية»
أدان رئيس الحزب الاشتراكى المصرى وأحد مؤسسي حركة كفاية, تجاهل الحكومة للطبقات الفقيرة في مصر, واهتمامها بالطبقات الغنية والمستثمرين، مؤكدا أن مؤتمر شرم الشيخ الذي أعطي للمستثمرين تسهيلات غير موجودة في العالم بأكلمه..
واعتبر أن العدالة الإجتماعية لم تتحقق في مصر, هذا بجانب ملف الحريات الذي تراجع بشكل كبير جدا, وخاصة بعد قانون التظاهر الذي سلب حق التظاهر الذي كان متاح في ظل حكم مبارك, وأشار إلي ضرورة الاهتمام بالشباب وخرطهم في الأوضاع السياسية, لأنهم مفجري الثورة, كما أظهر استياءة من غياب الاحزاب عن الشارع المصري ... كل هذه الموضوعات وأكثر نتعرف إليها عن قرب من وجهة نظر السياسي المخضرم الدكتور أحمد بهاء الدين من خلال الحوار التالي..
■ كيف ترى الأوضاع السياسية فى مصر؟
- لا شك أن الوضع فى مصر الآن أكثر سلبية مما كنا نأمل, كان هناك أحلام كبيرة بعد 25 يناير و30 يونيو, وآمال فى انتعاش الحرية وفى حياة ديمقراطية وفى حفظ كرامة المواطن وفى تطور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن كل هذا تم تعطيله أو على الأقل لم يتحقق ما كنا نأمله طوال الفترة الماضية.
والسبب الرئيس فى ذلك هو الإرهاب لأنه أعطى فرصة للقبضة الأمنية للعودة مجدداً وأصبح شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الإرهاب” هو السائد , وهذ الأمر من وجهة نظرى, على درجة عالية من الخطورة, لأنه لا يمكن أن نواجه الإرهاب إلا بجهد حقيقى على صعيد تحقيق العدالة الاجتماعية وإطلاق الحريات والتمييز بين العمل السياسى السلمى وبين العمل الإرهابى, فعلى الأحزاب أن تنزل الشارع وتعبر عن وجهة نظرها السياسية.
هذا بالإضافة الى التأخر الملحوظ فى ملف الحريات وملف العدالة الاجتماعية, وهذا لا يمنع القول بأن هناك إنجازات إيجابية على صعيد السياسة الخارجية, والتى تتمثل فى تحسين العلاقات بإفريقيا والملف العربى وإعادة مصر إلى خريطة الاهتمام العالمى، وهناك مشروع قناة السويس الذى يعد نقطة إيجابية تُحسب للنظام, ولكن هناك انحيازات من النظام لصالح رجال الأعمال والمستثمرين, وظهر ذلك بوضوح فى مؤتمر شرم الشيخ, بما قدمه للطبقات الغنية وللمستثمرين الأجانب من تنازلات وإغراءات كبيرة جدا, فقد أعفاهم من كل المسئوليات الموجودة فى العالم كله ومع هذا لم يتحقق شىء ذو قيمة, وأيضا هناك تخوف من أن يتغول الاستثمار فى المنطقة المحيطة بقناة السويس.
باختصار.. فى كل الجوانب السابق ذكرها، كان النظر الى الطبقات الفقيرة وإلى مصالحها واحتياجاتها غائبا, فالمصانع تُباع, ومازالت السياسات الرأسمالية والليبرالية فى مجال الاقتصاد متوحشة.
■ كيف ترى ظاهرة كثرة الأحزاب السياسية؟
- هناك العديد من الأحزاب الموجودة على الساحة لا تملك رؤية ولا قضية ولا آليات التواصل مع المجتمع لذلك بعد وقت قصير ستنختفى هذه الأحزاب نهائياً.
■ وماذا عن مشروع تحالف الأحزاب الاشتراكية؟
- فى الايام القليلة الماضية، كانت هناك حوارات بين الاحزاب الاشتراكية الاربعة فى مصر, الحزب الاشتراكى المصرى, حزب التحالف الشعبى, الحزب الشيوعى، حزب التجمع, وهناك اتفاق على التنسيق الكامل فى المعركة الانتخابية, وربما يتطور الأمر الى ما هو اكثر تقدما فى العلاقة بين الاطراف الأربعة.
ونحن فى الحزب الاشتراكى المصرى قدمنا أكثر من مشروع لتوحيد فصائل اليسار المصرى, فمن وجهة نظرنا لدينا قواسم مشتركة كبيرة تسمح بإيجاد مجال للعمل المشترك, وربما يصل الأمر إلى الاتحاد الكامل, أى بناء حزب واحد لليسار المصرى، أو على الأقل تحقيق اعلى درجات التنسيق بالعمل المشترك, لأن هذا يساعد على بلورة فكر ووجهة نظر الاشتراك المصرى, واعتقد ان المجتمع المصرى فى حاجة لهذا فى الفترة القادمة.
■ قلت إن هناك تأخرا فى ملف الحريات.. فهل يصل هذا التأخر إلى حد وصف البعض للنظام بالديكتاتورية العسكرية؟
- مفهوم الديكتاتورية العسكرية بالمعنى الحرفى غير منطبق على الوضع فى مصر, بمعنى ان هناك بعض التجاوزات فى مجال الحريات، وهناك وسائل قمعية, وهناك تجاوز فى العلاقة مع الشباب, وهناك بعض رجال الأمن الذين عادوا بحس الانتقام مما حدث فى 25 يناير, لكن هذا لا يعنى أن ما تعيشه مصر الآن ديكتاتورية عسكرية.
فالديكتاتورية العسكرية مثل حكم شيلى فى السبعينيات بعد اغتيال الرئيس الاشتراكى سيلفادو, حينها تم تعليق كافة الأحزاب السياسية, وانتهت الحريات, ومُنعت الجرائد والتليفزيون, ولا أحزاب ولا اجتماعات ولا انتخابات, ولا دستور، إنما الوضع فى مصر هو العكس, فما حدث هو ثورة شعبية ساندها الجيش, ولو لم ينزل الشارع الملايين من أبناء الشعب المصرى فى 30 يونيو, لكان من المستحيل ان يتحرك الجيش, وثانيا الحكم فى مصر هو حكم مدنى, حتى لو كان نفوذ الجيش قويا, لكن هو فى النهاية حكم مدنى, بمعنى ان لدينا وزراء مدنيين, ورئيس وزراء مدنيا, ولدينا صحافة تكتب ولدينا برامج تلفزيونية تتحدث فى السياسة طوال الوقت, ولدينا احزاب سياسية لم تُلغ, أما كونها لا تمتلك شعبية فى الشارع فهذا خطؤها, فلا احد يستطيع ان يمنعنا من عقد المؤتمرات والندوات.
■ وماذا عن استعدادات الحزب لخوض انتخابات مجلس النواب؟
- نحن شاركنا فى قائمة “صحوة مصر”, ولدينا بعض المرشحين الفرديين, لكن المشكلة التى تواجهنا هى المشاكل المادية, لأن هناك كوادر جيدة جدا من العمال والفلاحين, ولديهم استعداد لخوض المعركة الانتخابية, لكن امكانياتهم المادية محدوده جدا, وهذه المشكلة غالباً توثر على كل الاحزاب اليسارية فى مصر.
والواقع أنه تصميم المعركة الانتخابية بحيث تستثنى الطبقات الفقيرة من عمال وفلاحين ومعهم الشباب, بحيث تظل المنافسة بين من يملك رأس المال من نظام مبارك او من الجماعات الدينية التى تتدفق عليها ملايين الجنيهات من الخليج والجماعات الوهابية فى العالم الإسلامى.
■ كيف ترى وضع الحريات فى مصر فى الفترة الحالية؟
- وضع الحريات فى مصر لم يتحسن كثيرا بعد 25 يناير وحتى الآن, وإنما استطيع ان اقول إنه فى بعض الحالات يبدو ملف الحريات أكثر تراجعاً فنحن نفتقد جانبا من الحرية التى انتزعناها فى ظل حكمى محمد حسنى مبارك ومحمد مرسى.
فأنا من مؤسسى حركة كفاية, وكنا ننظم للمظاهرات بالآلاف واحيانا نصطدم بالأمن واحيانا أخرى لا, لكن انتزعنا حق التظاهر السلمى منذ سنوات طويلة من 2004 منذ أن أُسست كفاية وحتى يناير 2011, أما الآن فافتقدنا ذلك بسبب قانون التظاهر.
■ فى رأيك.. ما المشكلات الكبيرة التى تؤزم الأوضاع فى مصر؟
- الحريات والعدالة الأجتماعية, فالاثنان لم يتقدما خطوة واحدة للأمام بعد ثورة يناير, فكل الإنجازات والقوانين والتطورات التى تحدث على صعيد الوضع الاقتصادى تصب فى خدمة الطبقة الغنية, اى الكتلة الرأسمالية الاحتكارية التى تملك الثروة والتى هى فى الحقيقة ثروة الشعب, التى تم سرقتها ونهبها فى ظل حكم مبارك, وتملك السلطة السياسية التى تفرض نفسها.
فنشاهد الآن اشياء فى منتهى الغرابة منها عودة أحمد عز وغيره من نظام مبارك، وبعد ثورتين من تصدر المشهد السياسى, كان ملفا العدالة الاجتماعية والحريات من الملفات التى افتقدت التطورات الإيجابية بعد 30 يونيو, هذا الامر ادى الى شىء فى منتهى الخطورة وهو شرخ فى العلاقة بين قطاعات من النخبة السياسية والشباب وبين الدولة اى أن هناك جزءا كبيرا من الشباب المصرى يشعر بالغربة.. يشعر بأن الثورة تم سرقتها, وحلمه تم مصادرته, يشعر بالانفصال عن السلطة, وان رموز نظام مبارك عادوا مرة أخرى الى الصدارة, وان الاحلام الكبيرة التى عاشها تم سلبه إياها وبالتالي فقدت الدولة اهم دافع لها, وقوه المد الثورى الحقيقى الموجود فى الشباب.
وقد طالبت عشرات المرات بأن تنتبه السلطة الى علاقتها مع الشباب, لان الشباب هو الذى لعب دورا كبيرا جدا فى تفجير ثورة 25 يناير وفى تفجير ثورة 30 يونيو, وبالتالى خسارة الدولة لهم مسألة فى منتهى الخطورة ستندم عليها الدوله, وهى بذلك ايضا تعطى فرصة لجماعة الاخوان وغيرها من الجماعات الإرهابية أن تلعب على هذا التناقض وان تجذب جزءا كبيرا من الشباب وتشوش على فكرهم.
■ هل تتوقع أن يلعب الشباب دورا بارزا فى الفترة القادمة؟
- لا أعتقد ذلك, لسببين: الأول له علاقة بالبيئة السياسية الراهنة, التى تشبه البيئة والمناخ السياسى قبل 25 يناير, والتى يسيطر فيها رأس المال السياسى, وتلعب فيها القبلية والعزوة الاجتماعية والعلاقة بالسلطة دورا محوريا, لأن قواعد اللعبه السياسية لم تتغير وإنما تم استنساخ ما كان موجودا قبل ثورة يناير, وبالتالى الشباب لن يكون لهم دور لان المعركة الانتخابية بهذا الشكل يتحكم فيها رأس المال أما من لا يمتلك المال كالشباب والعمال والفلاحين فلن يستطيعوا اعتلاء كراسى فى البرلمان القادم.
السبب الثانى ان الشباب يقع فى خطأ جسيم عندما يعطى ظهره للتطورات السياسية، ففى النهاية ما يؤثر هو الموجود على الارض, لذلك يجب أن يكون موجودا حتى لو خارج البرلمان, ويعترض ويعبر عن وجهة نظره, ويحذر الجماهير من الرأسماليين الذين يحاولون السيطرة على البرلمان, ويحاول ان يصل للبرلمان أفضل العناصر الموجودة.
■ولماذا لا تؤهل الأحزاب شبابها لذلك؟
- هذا خطأ الاحزاب, فهى لا تسعى إلى تدريب وتأهيل الشباب ومحاولة دمجهم فى الحياة السياسية مرة أخرى.
■ أين المعارضة المصرية من الساحة السياسية؟
المعارضة السياسية تذكرنى بتعبير دارج “هذا الشخص بعافية” اى مريض, فالمعارضة السياسية فى مصر بعافية, وهذا المرض كان موجودا فى البنية السياسية المصرية قبل 25 يناير, وتصورنا لفترة أنه بعد الثورة ستشفى منه, إلا أن المرض عاد مرة أخرى.
والحقيقة أن الدولة المصرية عندما صممت هذا النظام وضعت داخلi جينات فاسدة توصله لهذا الوضع, فلابد أن أكون واضحاً.. الأحزاب السياسية الحالية نشأت من رحم الاتحاد الاشتراكى العربى او حزب السلطة المنقسم الى ثلاثة منابر: منبر اليسار الممثل فى حزب التجمع, ومنبر اليمين الممثل فى حزب الاحرار, ومنبر الوسط الممثل فى الحزب الوطنى الديمقراطى.
والحياة السياسية التى نشأت قبل الثورة نشأت على هذا الهيكل, والدولة وهى تصنع هذا الهيكل وضعت داخله أدوات السيطرة والتحكم, بحيث إن اى حزب يحاول الخروج عن الدور المرسوم له يتم القضاء عليه بجرة قلم.
■ وماذا عن الأحزاب التى نشأت بعد الثورة؟
- هى أحزاب ضعيفة, عددها كبير, مما يصيب الناس بالتشويش عند محاولة الاختيار, لكن هذا الوضع طبيعى ولن يستمر كثيراً وسيتم فرزه فى المستقبل المنتظر, وسيكون هناك من وجهة نظرى 4 كتل سياسية, الكتلة الوطنية, التيار الإسلامى, التيار الليبرالى, التيار الاشتراكى.
ربما يكون لكل تيار حزبان او ثلاثة اقوياء, وربما تندمج فى حزب واحد, فيكون لدينا اشارات واضحة من معالم الطريق, فإذا كنت متعاطفة مع الطبقات الفقيرة فستنضمين الى الاشتراكية, وإذا كانت ميولك ذات قومية مصرية فستتجهين الى الاحزاب المصرية, وإذا كانت الميول اسلامية فستختارين التيار الاسلامى, وهكذا.
■ ما رأيك فيما يفعله حزب المصريين الأحرار من ضم مرشحين سابقين من الحزب الوطنى المنحل؟
حزب المصريين الأحرار يستند فى هذا التصرف إلى ارتكازه على امكانيات مادية ضخمة جدا، فكما هو معروف أنه حزب الرأسمالية المصريه الكبيرة وبالتالى لديه امكانيات تسمح له بأن يكون قائمة موحدة وأن يقدم عددا كبيرا من المرشحين على قوائم الفردى، وفى النهاية هذا حقه فنحن نتكلم عن عملية سياسية مفتوحة.
■ لماذا لا تحاول باقى الاحزاب أن تتحد من أجل انقاذ البرلمان من الرأسمالية؟
- أغلب الاحزاب القائمة هى الاحزاب التى تضم عناصر من نظام حسنى مبارك, وهذه العناصر فى الاساس ميولها ايضا فى الاتجاه الرأسمالى, واغلب الاحزاب التى تشكلت بعد الثورة 90% منها عناصر ما قبل ثورة 25 يناير, لانها هى التى تمتلك الإمكانيات المادية, وهى التى لها علاقات مع السلطة وهى التى استطاعت ان تكون احزابا, هى والتيارات الدينية, فنشأ لدينا 11 حزبا دينيا, وما يزيد على 40 حزبا سياسيا من رجال حسنى مبارك, فهم لديهم اقتناع بأن الفرصة سنحت لهم للعودة لنظام مبارك بكل مقوماته السياسية والاقتصادية, وحتى الأمنية؛ لذلك هناك مشاكل لعمل قوائم تضم الاحزاب المدنية.
■ هل تعتقد أن هذا هو السبب فى عدم تحالف الأحزاب المدنية؟
- بالتأكيد.. فالأحزاب المدنية تضم أشخاصا مع ثورة 25 يناير, وآخرين ضدها, وآخرين مع ثورة 30 يونيو, والبعض الآخر ضدها, كما أن منها أحزابا ترى أن السيسى ديكتاتور, وأخرى ترى أنه محرر, وجانب اخر يراه وطنيا, وآخرون يرونه معاديا للحرية, فهذه الفوضى الموجوده فيها الأحزاب السياسية لا تجعل هناك إمكانية لعمل قوائم حقيقية بين الاطراف السياسية.
■ هل تتوقع حصول التيار الإسلامى على مقاعد فى البرلمان بشكل أو بأخر؟
التيار الإسلامى لم يختف من الساحة, فهو لا يزال موجودا, كل ما فى الأمر انه يأخذ صورا أخرى أبرزها حزب النور ومصر القوية.