أحمد الطيب .. حائط الصد
يتعرض الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لحملة شرسة وممنهجة لتشويهه، والتعرض لشخصه الكريم، خاصة بعد مواقفه الحاسمة التى اعتاد اتخاذها منذ تولى مسئولية مشيخة الأزهر، فتارة يثير بعض المغرضين شائعات عن مشاكل وخلافات ضخمة بين الإمام الأكبر وبين وزير الأوقاف، وتارة يثير البعض أخبارا مفبركة عن نية الطيب فى الاستقالة من مشيخة الأزهر.. إلا أنه وبالرغم من كل تلك الفبركات والشائعات يظل الأزهر بإمامه الأكبر هو حائط الصد الأخير أمام الغزو الفكرى الذى تتعرض له المنطقة من مثيرى النعرات الدينية ومدعى احتكار حقيقة الدين من الجماعات التكفيرية وغيرها.
وتبدو أن كراهية جماعة الإخوان للشيخ أحمد الطيب قديمة، وليست مرتبطة فقط بمواقفه الداعمة لإزاحتهم عن سدة الحكم بعد الحال الذى وصلنا إليه خلال عام واحد من هيمنتهم على سدة الحكم، فعند الرجوع إلى عام 2010، وهو العام الذى أصدر فيه الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك قراره بتعيين الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر الشريف، نجد أن هذا القرار قوبل بعاصفة من الهجوم من جانب الجماعة، وكذلك من جانب كتلتها البرلمانية فى مجلس الشعب، بسبب ما وصفه حمدى حسن المتحدث الإعلامى باسم الكتلة البرلمانية بمواقف الطيب من طلاب الإخوان المسلمين فى وقت كان يشغل فيه رئيس جامعة الأزهر، والتى أدت ـ كما يقول حسن ـ إلى محاكمة عسكرية لأكبر عدد من قيادات الجماعة، فضلا عن شهادته أمام النيابة ضد طلاب العرض الرياضى الذى وصفه الطيب بالعسكرى.
كما ذكر عبد المنعم عبد المقصود محامى الجماعة، أن شهادة الدكتور أحمد الطيب ضد طلاب الأزهر عندما أكد أمام النيابة أن الطلاب قاموا بالتمثيل العسكرى والتخريب داخل الجامعة، والقيام بتدريبات عسكرية هى مواقف لن ينساها طلاب ولا قيادات الجماعة .
وعندما وصلت الجماعة إلى سدة الحكم أظهرت فى أكثر من موقف أنها بالفعل لم تنس شهادة الطيب، وأنها تعد العدة للإطاحة به، خاصة أنه لم يتلون وينقلب إلى صفهم كما فعل آخرون، فها هو الطيب يعلن على الملأ بعد محاولات الجماعة التقارب مع إيران إبَّان فترة حكم محمد مرسي، أن هذا التقارب يثير المخاوف من حدوث مد شيعى فى المنطقة وخاصة فى مصر، وأنه باعتباره إماما لأهل السنة لا يمكنه السكوت عن هذا أبدا، وكان هذا الموقف بمثابة الصاعقة على جماعة الإخوان لأنه جاء بعد أيام من رفضه على الملأ أيضا لمشروع قانون "الصكوك الإسلامية" واعتباره إياه تقنينا لبيع أصول الدولة إلى أى مشترى حتى لو كان عدوا، وهو الأمر الذى جعل الطيب حجر عثرة فى طريق الجماعة.
بدأت الجماعة تنفيذ خطة الإطاحة بالطيب على الفور، حيث استغلت إصابة بعض طلاب المدينة الجامعية بجامعة الأزهر بالتسمم بعد أكل وجبة فاسدة، لإطلاق عناصرهم لمهاجمة الإمام الأكبر، فخرج طلاب الجماعة ليحاصروا المشيخة، بعد دقائق فقط من تسمم الطلاب وقبل حتى خروج سيارات الإسعاف من المدينة ليطالبوا الطيب بالاستقالة، وقد حمل الطلاب فى هذه التظاهرة لافتات ضخمة معدة بعناية أثارت ريبة الجميع من أن أمرا دبر بليل للإطاحة بالإمام، لكن حكمة الطيب فى التعامل مع الأمر خيبت سعى الجماعة.
ولأن تقدير العلماء وتقديمهم واجب، انسحب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من احتفالية جامعة القاهرة، وحفل تسلم محمد مرسى لمهام منصبه بالهايكستب عام 2012، اعتراضا على بروتوكول رئاسة الجمهورية، بسبب عدم تخصيصها مقاعد فى مقدمة الصفوف لأعضاء هيئة كبار العلماء، مما جعل شيخ الأزهر يغادر قاعة كبار الزوار بجامعة القاهرة، قبيل إلقاء محمد مرسى كلمته، حيث توجه الطيب إلى منزله.
وفور علم شيخ الأزهر، بعدم تخصيص تلك الأماكن، قرر الانسحاب ومغادرة قاعة كبار الزوار بالجامعة، احتجاجا على سوء التنظيم، وعدم تخصيص مقاعد لهيئة العلماء بقاعة الانتظار المخصصة لكبار الضيوف، وتخصيص مقاعد فى صفوف متأخرة لوفدى الأزهر ودار الإفتاء وهو ما اعتبروه انتقاصا من مكانة الأزهر وكبار علماء الدين من أعضاء هيئة كبار العلماء.
فى حين ظل عدد محدود من أعضاء هيئة كبار العلماء متواجدا للاستماع إلى كلمة مرسي، حيث لم يلزمهم الطيب بالمغادرة أو الحضور.
دافع الإمام الأكبر عن الشرع والوطن فى آن واحد حينما عُرض عليه إبان حكم الإخوان مشروع قانون الصكوك الإسلامية المقدم من الحكومة بتأييد رئاسى، والذى اعتبرته الحل السحرى لإخراج البلاد من كبوتها الاقتصادية الطاحنة.
الإمام كان حريصاً على أن يصدر رأى الأزهر بكل حيادية وموضوعية، فأحال المشروع إلى جلسة مجمع البحوث الإسلامية لمناقشته، لكن العلماء رأوا أنه لا يمكن إبداء الرأى النهائى دون الاستعانة بخبراء بالاقتصاد الإسلامى لفك طلاسم بعض بنود المشروع، بعدها قرر الطيب إحالة المشروع إلى لجنة البحوث الفقهية لمناقشته مع الاستعانة بثلاثة من أساتذة الاقتصاد بجامعة الأزهر.
اللجنة التى شكّلها الطيب خلصت إلى أن المشروع بشكله الحالى خطر يهدد أمن واقتصاد البلاد القومى وينال من سيادتها، ورفضوا المساس بالأصول الثابتة، فضلاً عن اعتراضهم على حق الأجانب فى تملك الصكوك بما يسير فى اتجاه الهيمنة واحتكار مقدرات الوطن، بالإضافة إلى ضياع حقوق الأجيال القادمة من أصول البلاد. واعترضت اللجنة على تسمية المشروع «الصكوك الإسلامية السيادية»، معتبرة أن التسمية «سيئة السمعة» وتفصح عن نوايا غير طيبة، وممارسات تتنافى مع الشرع فيما بعد، لأن المشرع قصد من كلمة «سيادية» تحصين القانون وكل ما يصدر عنه سواء كان إيجابياً أم سلبياً.
وفور علم الحكومة برفض الأزهر للمشروع أرسل ممتاز السعيد، وزير المالية السابق، بعض التعديلات عليه، وتبرأ الإخوان من المشروع وكذلك مجلس الشورى، وحاول الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء احتواء الموقف بالاتصال بشيخ الأزهر لتكوين لجنة خبراء من الحكومة وعلماء الأزهر للتوافق على المشروع بعد تعديله، لكن الطيب أعلن أن هيئة كبار العلماء لا يمكن أن توافق على مشروع الصكوك الحالى الذى يعتمد على ضياع أصول الدولة وممتلكاتها.
أبلغ الإمام الأكبر، رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بالشورى بأن أصول الدولة ملك للشعب وحده، وكل ما لا يتفق مع الضرورات والواجبات الوطنية فهو غير شرعى، ورعاية أصول الدولة، وتنميتها، والحفاظ عليها واجب جميع المصريين، وقال: «نحن مع أى مشروع يخدم المصلحة العليا للبلاد، ولا يبدد ممتلكاتها، ولا يتعارض مع شريعة الإسلام، لأن المشروع بشكله الحالى به محاذير شرعية ولا يلتفت إلى ضرورات وطنية وأمنية يجب مراعاتها من أجل الصالح العام فى إعداد مشروع الصكوك».
نجحت وساطة الأزهر الشريف، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى وأد الفتنة بين قبيلتى «الدابودية» و«الهلالية» بأسوان، والتى أسفرت عن مصرع 26 مواطنا وإصابة العشرات، فى شهر أبريل عام 2014.
وأكدت القبيلتان، خلال جلسة المصالحة، التى ترأسها شيخ الأزهر بحضور «أجاويد» ومشايخ القبائل وقيادات أمنية، أن كلمة الطيب ستكون الكلمة الحاسمة، مضيفين «كلمته سيف على رقابنا».
وعقب وصوله لديوان عام محافظة أسوان، التقى الطيب وجمعة بممثلى قبيلة بنى هلال، وممثلى «الدابودية» النوبيين. وقال الشيخ محمد زكي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، رئيس الوفد الأزهرى الموجود بأسوان، إن كل الأطراف كانت مهيأة لترأس الإمام الأكبر جلسة المصالحة لإنهاء الأزمة من جذورها، وأكدوا التزامهم بكل البنود التى يقرها اجتماع المصالحة، لافتا إلى أن زعماء القبيلتين تعهدوا بأن كلمة الإمام الأكبر ستكون كالسيف على رقابهم.
وأضاف زكى أن وفد الأزهر بذل جهدا مكثفا على مدار أسبوع كامل لرأب الصدع، وإنهاء حالة التناحر والعنف التى وقعت بين الهلالية والدابودية، مشيرا إلى أنهم التقوا كل الأطراف على حدة، ونجحوا فى إخماد نيران الفتنة بعقد تهدئة بين الجانبين على مدار ثلاثة أيام بمساعدة الحكماء، ثم الدخول فى جلسات الصلح شريطة رد الحقوق لأصحابها.
وأوضح أن وفد الأزهر نظم حملات توعية بين الشباب وأبناء العائلتين فى منطقة السيل، شدد خلالها على حرمة إراقة الدماء والاقتتال، ودعاهم إلى إعلاء قيم التسامح ونبذ العنف والكراهية، كما أكد أنه لا يجوز شرعا لأهل أى قتيل أخذ ثأره باليد، لأن القصاص بيد أجهزة الدولة فقط حيث يصدر القضاء أحكامه والشرطة تقوم بالتنفيذ، وليس لعائلة أو لأشخاص الحق فى إزهاق الأرواح بدعوى أخذ الثأر.