النهار
السبت 28 سبتمبر 2024 06:15 صـ 25 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

سياسة خارجية جديدة لـ"أردوغان"

 

فتحت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أميركا اللاتينية في شباط (فبراير) الماضي ومن قبلها زيارة الصومال في 25 كانون الثاني (يناير) 2015، الباب واسعاً حول حدود التغير في السياسية الخارجية التركية، إذ يسعى أردوغان منذ سنوات إلى بناء جسور تواصل مع أفريقيا وآسيا وأيضاً أميركا اللاتينية؛ الحديقة الخلفية لواشنطن.

وقال تقرير نشرته الحياة اللندنية: يسعى الرئيس التركي الذي ازداد انغماساً في همه الداخلي من جهة وتوتر علاقات بلاده مع القوى الدولية والإقليمية من جهة ثانية، إلى القفز على حال العزلة بينما تبدو أوراق تركيا متعددة للنفاذ إلى أفريقيا وجمهوريات آسيا، حيث تمكنت طوال السنوات الماضية في تعضيد علاقاتها بأميركا اللاتينية، فإلى جانب استضافة إسطنبول في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 قمة زعماء المسلمين هناك، أعلنت حكومة حزب «العدالة والتنمية» أن العام 2015 هو عام «أميركا اللاتينية».


صحيح أن الاهتمام التركي ببناء نفوذ إقليمي ودولي ليس جديداً، إذ سبق أن قامت الحكومات التركية بالعمل على توسيع نفوذها الدولي، فعلى سبيل المثال طرح تورغوت أوزال في العام 1994 رؤيته لما يسمى «العالم التركي» الممتد من سور الصين وحتى البحر الأدرياتيكي، والآن تمضي مساعي حكومة «العدالة والتنمية» في هذا الاتجاه ولكن بصورة مغايرة، إذ تسعى إلى الالتفاف على حال العزلة التي تعانيها. والواقع أن ثمة دوافع عدة وراء توجه صانع القرار التركي إلى دوائر إقليمية ودولية جديدة أولها تصدع الجبهة الداخلية، وتراجع شعبية «السلطان أردوغان» بعد تنامي فضائح الفساد وتصاعد الاعتقال في صفوف المعارضة، فضلاً عن السعي إلى الإمساك بمفاصل المشهد التركي.


وثانيهما؛ حال التوتر التي تعتري العلاقات التركية الأميركية على خلفية الأزمة السورية، ففي وقت تسعى تركيا حثيثاً لإسقاط بشار الأسد، لا تتمسك واشنطن بهذا الموقف لحلحلة الأزمة في سورية. وإذ ترى تركيا أن إقامة مناطق عازلة في سورية وفرض حظر طيران على النظام السوري واعتماد الحل العسكري باعتباره ضرورياً لإنهاء النزاع، تتمسك واشنطن ومعها عدد كبير من الدول الأوروبية وروسيا بالحل السياسي. ويرتبط الدافع الثالث بتراجع فرص تركيا للحاق بالقطار الأوروبي، واتساع الهوة مع الاتحاد الأوروبي الذي وبخ أنقرة طوال الشهور التي خلت رداً على التوجهات السلطوية للرئيس أردوغان، ناهيك عن عنف الشرطة المفرط ضد المتظاهرين.


رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، قال إنّه لا يوافق على عضوية تركيا التي تميل إلى الحد من الحريات الأساسية للمواطنين. حتى رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز الذي كان يدعم تركيا دائماً، علّق على إغلاق موقع «تويتر» في تركيا في فترة الانتخابات بقوله إن تركيا تبعد نفسها عن قِيَم الاتحاد الأوروبي.


أما الدافع الرابع، فيعود إلى خسارة تركيا قطاعاً واسعاً من الأسواق العربية وتراجع مناعتها الإقليمية، وكان بارزاً، هنا، العداء مع النظام المصري الجديد والمراوحة في علاقاتها الخليجية وأيضاً توتر لا تخطئه عين مع إيران والعراق ولبنان.


وتشكّل العلاقة التركية مع أفريقيا وأميركا الجنوبية والدول الآسيوية الناطقة بالتركية جانباً جديداً ومهماً في السياسة الخارجية التركية بعد توتر علاقات أنقرة مع محيطها الإقليمي، فضلاً عن تشويه صورتها لدعمها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ومراوحتها في التعاون مع التحالف الدولي لمكافحة هذا التنظيم. ويعد اهتمام أنقرة الخاص ونشاطها البارز في أفريقيا، وفي الصومال تحديداً، ناهيك عن جولة أردوغان في المكسيك وكوبا وكولومبيا، مؤشراً إلى رغبته في أن يصبح لاعباً نشطاً في هذه المناطق عبر الجهود الحكومية وغير الحكومية. وينطلق الدور التركي في مناطق النفوذ الجديدة استناداً إلى محاور عدة، أولها المساعدات التنموية والإنسانية في أفريقيا بينما يرتكز إلى العلاقة التاريخية، والتراث العثماني في أميركا اللاتينية، حيث تعود جذور العلاقات بين تركيا وبلدان أميركا اللاتينية إلى القرن الـ 19، حينما بدأت موجات الهجرة المتعددة من الإمبراطورية العثمانية في اتجاه القارة الجنوبية.

 

ومع سقوط الخلافة العثمانية في عشرينات القرن الماضي، ووصول كمال أتاتورك إلى سدة السلطة، أخذت العلاقة منحى تصاعدياً، فكانت تشيلي أول دولة اعترفت بالجمهورية التركية، ووقعت في عام 1926 اتفاقية صداقة وتعاون مع تركيا. إلى ذلك، يعزف أردوغان على وتر الديبلوماسية الدينية باعتبارها إحدى أدوات القوة التركية الناعمة لتوطيد الدور الدولي لتركيا، إذ كان لأبناء عثمان دور معتبر في نشر الدين الإسلامي سواء في القارة السمراء أو أميركا اللاتينية ودول آسيا، ونجحت الجاليات التابعة للإمبراطورية العثمانية في إحداث اختراق لهذه المجتمعات، وتمكنت من نشر ثقافتها. وفي الوقت الذي تمثل فيه الروابط الدينية والتاريخية عنصراً مهماً في تغذية العلاقات التركية الأفريقية، كشفته استضافة أنقرة في العام 2006 طيفاً واسعاً من الرموز الدينية في أفريقيا، ففي المقابل اقترح أردوغان خلال جولته اللاتينية، بناء مسجد في كوبا على طراز مسجد موجود في منطقة أورتاكوي في الجزء الأوروبي من إسطنبول على مضيق البوسفور.


ويأتي هذا الاقتراح على خلفية تصريحات سابقة لأردوغان أعرب فيها عن اعتقاده بأن المسلمين هم من اكتشفوا أميركا قبل كريستوفر كولومبس بحوالى ثلاثمئة عام. وتعد استضافة تركيا لقاء رجال الدين اللاتينيين في إسطنبول نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إضافة إلى تغذية الاعتبارات التاريخية غير المعقدة أو المشوشة، مؤشراً إلى توجه جديدة للسياسة الخارجية التركية التي باتت ترى في الكيانات الدينية وسيلة لتحقيق المصالح القومية التركية بالقوة الناعمة. أما المحور الثاني، فيرتبط بالجانب الاقتصادي وتنشيط العلاقات التجارية والعسكرية.

 

ويطمح أردوغان، المعزول دولياً بسبب توتر علاقات تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقطاع معتبر من الدول العربية، لنقل العلاقات مع أفريقيا والقارة اللاتينية ودول الجوار الآسيوي من التعاون والتبادل إلى مستوى التكامل وتبادل المصالح، خصوصاً أن أنقرة لديها رغبة في اختراق الأسواق الناشئة في هذه القارات، فضلاً عن قدرتها على ضخ مزيد من الاستثمارات فيها. وعلى صعيد ذي شأن أعادت تركيا إطلاق الجدل حول صفقتها المحتملة لتجهيز جيشها بصواريخ أرض جو متطورة، تصل قيمتها إلى ثلاثة بلايين يورو، إذ لوحت مجددداً باحتمال فوز الصين بالصفقة، وهو ما أثار انتقادات واسعة من حلفاء تركيا، في «الناتو».

 

والأرجح أن الاقتصادات اللاتينية والأفريقية وغيرها اليوم، هي من أكثر الأسواق الاستثمارية سخونة، إذ وصل حجم تدفق الاستثمار الأجنبي فيها إلى أكثر من مئتي بليون دولار في نهاية العام الماضي. وبلغ حجم الصادرات التركية في العام 2014 نحو 151 بليون دولار كان نصيب اميركا الجنوبية منها لا يتجاوز 2 في المئة، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول القارة 23.4 بليون دولار في عام 2014، فيما بلغ حجم التبادل بين تركيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى5.7 بليون دولار.


وتتزايد الاستثمارات التركية في هذه القارات، بخاصة في مجال النفط، حيث تقوم شركة البترول التركية العالمية «TPIC» بالاستكشاف والتنقيب في كل من كولومبيا والإكوادور وفنزويلا، ناهيك عن توسيع الفرص الاستثمارية في قطاعَي الزراعة والتعدين، وكذلك إدارة الموانئ والمطارات في أفريقيا. ويرتكز الدور التركي في هذه المناطق ثالثاً على تعظيم وجوده الديبلوماسي والسياسي مع دول القارة، ففي الوقت الذي يسعى أردوغان إلى لعب دور معتبر في إنهاء الأزمة الصومالية، لعبت تركيا دور الوسيط مع البرازيل في العام 2010 في محاولة لحل الأزمة النووية الإيرانية، لاسيما أن الدولتين ترفضان العقوبات الدولية المقررة ضد طهران.


واستدعى التوجّه التركي الجديد نحو أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا توسعاً في حضورها الديبلوماسي، فتضاعف عدد السفارات التركية في القارة اللاتينية منذ العام 2009 إلى 14 سفارة، فضلاً عن القنصليات العامة الفخرية في مقابل 39 سفارة تركية منتشرة في القارة الأفريقية.


ويعتمد أردوغان على الموروثات التاريخية والثقافية التي تجمع تركيا وبلدان هذه القارات، فالعلاقة بينهما خالية من العُقَد، فضلاً عن أن ثمة صورة سلبية للعالم الغربي وواشنطن تجمع بين تركيا وعدد كبير من دول القارتين الأفريقية واللاتينية. ففي الوقت الذي تدخل فيه علاقات تركيا مع أوروبا وواشنطن مناخ الشحن، فإن المجتمعات الأفريقية واللاتينية وبعض الدول الآسيوية، باتت لا تؤمن بالاعتماد على واشنطن كشريك موثوق فيه. وزاد من ذلك التوجس الفشل الأميركي في التعامل مع المجتمع الدولي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989 ثم اتجاهها لاعتماد مبدأ القوة وحده بعد تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

 هذا إضافة إلى المواقف الضعيفة والمخزية للإدارة الأميركية تجاه قضايا هذه القارات.
وفي إطار تسخين وتأجيج مرتكز القلق من الغرب وواشنطن، قال أردوغان في محاضرةٍ ألقاها في إحدى الجامعات في العاصمة الكولومبية بوغوتا «إن العالم يجب ألا أن يظل محكوماً بقرارات الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن».