النهار
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 03:45 صـ 23 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوارات

نبيل العربى.. المفترى عليه

هناك علامات استفهام فارقة  في تاريخ الأمم والشعوب، وهناك شخصيات لعبت دورا محوريا في قضايا مصيرية لشعبها ودولتها، ولكننا دائما ضحايا لمفهوم جلد الذات، واغتيال الرموز الوطنية.. وهذا ما يتأكد من الهجمة الشرسة والمنظمة والممنهجة، لاغتيال السفير نبيل العربي، أحد الرموز المصرية، والعربية، قبل ساعات من انعقاد أخطر قمة عربية في تاريخ العرب.

فلذلك نحن نحلل ونراقب ونكتب للتاريخ وللأيام المقبلة، أن هذا الرجل أدى الأمانة والمسئولية بكبرياء مصري، ونزاهة شخصية، بعيدا عن لغة التشويه والاتهام المتفق عليه بين عناصر وأطراف اللعبة، لمحاولة اغتيال نبيل العربي «المفترى عليه».

 

فمن ميدان التحرير، عاد إلى مكانه المفضل، وزارة الخارجية، ولكن هذه المرة، عاد ليقود الدبلوماسية المصرية فى أخطر مرحلة فى تاريخها، بعد ثورة 25 يناير مباشرة، وهو ما أثار رعب إسرائيل لدرجة تخليها عن قواعد الدبلوماسية، ووصفه بـ»عدو السامية، إلا أنه لم تمض فترة قصيرة حتى انتقل لرئاسة الدبلوماسية العربية كلها، كأمين عام لجامعة الدول العربية، فى مرحلة تعد أيضا هى أخطر مرحلة تمر بها الأمة العربية، وبالتأكيد هذا لا يدل إلا على ما يتمتع به الرجل من كفاءة فى العمل الدبلوماسي، وثقة من الدول العربية، فى قدرته على قيادة سفينة الدبلوماسية العربية فى هذه المرحلة الهامة..

وصل السفير نبيل العربى إلى مقعده فى جامعة الدول العربى فى ظروف غاية فى التعقيد، فقد شهدت المنطقة بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، ظهور مشبوه للدور القطرى فى المنطقة، وفى محاولة من الإمارة المكروهة عربيا لتقنين هذا الدور، قدمت عبد الرحمن بن عطية، ليكون أمينا عاما لجامعة الدول العربية، خلفا للمنتهية ولايته عمرو موسي.. وهو الأمر الذى شهد رفضا عربيا خالصا، فدعت الدول العربية مصر لتقديم أمينا عاما لجامعة الدول من لدنها، فاضطر المجلس العسكرى لتقديم درة دبلوماسية السفير نبيل العربي، بالرغم من حاجته الماسة وقتها لجهوده وخبرته الدبلوماسية الفائقة، ولكن حاجة مصر الماسة وقتها كيلا تخسر أمانة جامعة الدول حكمت الموقف، وهو ما لم تجد قطر حجة لديها لمنعه من الحصول على المنصب، فاضطرت لسحب مرشحها.

عقل قانونى متميز ساهم فى استعادة طابا

بدأ العربى مهمته وسط توقعات كبرى وطموحات أكبر من قِبل العالمين بتاريخه الدبلوماسى العظيم فخبرة ودهاء «العربى» فى القانون شكّلا صخرة أمام إسرائيل فى مفاوضات «كامب ديفيد» وهو أحد عقول المعركة القانونية لاستعادة طابا وأحد قضاة محكمة العدل الدولية الذين أصدروا الحكم التاريخى بعدم مشروعية الجدار العازل الإسرائيلى، كما أنه صاحب ستين عاماً من العمل الدبلوماسى الناصع دفعت البعض لأن يطالب نبيل العربى أن يتقدم لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، غير أن «العربى» أعلن بوضوح أنه لن يترشح لانتخابات الرئاسة المصرية «لأن من قام بالثورة هو الأحق بإدارتها».

قوة عربية مشتركة

وطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية بالنظر فى إنشاء قوة عسكرية أمنية عربية مشتركة تكون متعددة الوظائف، وهى القوة التى كان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد طالب بإنشائها الشهر الماضي.

وأكد العربى أن مهمة تلك القوة هى «التدخل السريع لمكافحة الإرهاب وأنشطة المنظمات الإرهابية، والمساعدة فى عمليات حفظ السلام، وتأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتوفير الحماية للمدنيين، إضافة إلى التعاون فى المجالات ذات الصلة بحفظ الأمن وتبادل المعلومات بين الدول العربية».

وأعرب، فى كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للدورة العادية 143 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، عن اعتقاده بأن «البحث فى هذا الاقتراح، لابد أن ينطلق من المسئولية الجماعية التى نتحملها جميعاً كدول وشعوب ومنظمات حكومية ومدنية إزاء ما يواجهنا من تحديات خطيرة تتطلب أن نأخذ بأيدينا مسئولية صيانة الأمن القومى العربي، والمشاركة الفعالة فى آليات العمل الدولية المعنية بمجريات الأحداث الخطيرة والمتغيرات الكبرى التى تشهدها المنطقة العربية».

وأكد أنه «آن الأوان لبلورة موقف عربى موحد إزاء مختلف التحديات المطروحة، وبما يعكس فعلاً لا قولاً الإرادة السياسية العربية الجماعية المطلوب استنهاضها لنتمكّن من أن نأخذ بأيدينا إدارة شئون الأزمات والقضايا المصيرية التى تواجه حاضر هذه الأمة ومستقبلها».

وأضاف أن «المرحلة الحالية وما تفرضه من تحدياتٍ تتطلب الارتقاء إلى مستوى المسئولية والتفكير فى اتخاذ قراراتٍ مبتكرة وجدية لمواجهة النيران المشتعلة من حولنا شرقا وغرباً».

التصدى للإرهاب

وبالطبع لم يغب الإرهاب عن الملفات التى يتعامل معها الأمين العام لجامعة الدول العربي، الذى قال فى كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للدورة العادية 143 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، إن «المرحلة الحالية تتطلب اتخاذ قرارات تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتتجاوز فى مضمونها ما اعتدنا عليه من قوالب جامدة وأُطر تقليدية لم تعد مُجدية فى هذا الزمان للتعامل مع ما نواجهه من محن وأزمات خطيرة، والمطلوب أن تكون الجامعة العربية أكثر قدرة وفاعلية على الاستجابة السريعة لما يعصف بالمنطقة من تغيرات وما تواجهه من مخاطر جسيمة».

ونبه العربى إلى أن «الأمن القومى العربى يواجه مخاطر تتصاعد حدتُها وتداعياتُها على جميع بلدان المنطقة، ولعل من أخطرها ما نشهده اليوم من تمدّد سرطانى لأنشطة جماعات الإرهاب والتطرف العابرة للحدود والتى تتخذ من الدين الإسلامى الحنيف، زوراً وبهتاناً عباءةً لجرائمها وانتهاكاتها البشعة».

وأشار العربى إلى أنه «فى مقدمة القرارات الهامة المطروحة للبحث على جدول أعمال المجلس تلك المتعلقة بتطوير آليات عمل جامعة الدول العربية وتفعيلها، خاصة مشروع القرار الخاص بتعديل ميثاق جامعة الدول العربية، ومشروع النظام الأساسى المعدل لمجلس السلم والأمن العربي، إضافة إلى مشروع القرار الخاص بصيانة الأمن القومى العربى ومكافحة الجماعات الإرهابية»، مشددا على ضرورة «تبنى مقاربة عربية جديدة إزاء التعامل مع التحدى الإسرائيلي».

 

حنكة سياسية

 

وبالرغم من الاتهامات الكثيرة التى يكيلها خصومه له، إلا أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، يثبت يوما بعد يوم أنه بالفعل قادر على قيادة دفة الدبلوماسية العربية، فقد اتخذ قرارا صعبا باللجوء لمجلس الأمن إبان اشتعال الأحداث فى ليبيا، بالرغم من المعارضة الشديدة شعبيا لهذا القرار، إلا أنه كان القرار الأنسب لحماية الآلاف من الشعب الليبي، من المدنيين، من قصف الطيران، سواء الموالى للقذافي، أو التابع للمعارضة.

أما فيما يتعلق بالشأن السوري، فقد ظهرت جليا حنكته السياسية برفضه لاستخدام القوة الغربية لضرب النظام السورى، فبالرغم من أنه يرى أن نظام الأسد جزءا من المشكلة بالنسبة للوضع فى سوريا، إلا أنه يرى أن استخدام القوة العسكرية الغربية ضد دمشق خطأ خاصة أنه لم يأت بموافقة من مجلس الأمن، وضد الإجماع العربي.

 

الوضع اليمني

 

ورفض العربى الأعمال التى تقوم بها جماعة الحوثى فى اليمن، بعد انقلابها على شرعية الشعب، والإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور.. وندد الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالاعتداءات المتكررة على الشرعية اليمنية المتمثلة فى الرئيس عبدربه منصور هادي، وبالغارة التى استهدفت مقر إقامته فى عدن، ومحاولة الاستيلاء على مطار عدن الدولى وبعض المواقع العسكرية الأخرى التى تهدف إلى خلق حالة من الرعب فى صفوف اليمنيين.

كما أدان الأمين العام، فى بيان صحفى صدر الجمعة الماضي، الحادث الذى وقع بالعاصمة صنعاء، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات، مؤكدا وقوف الجامعة العربية إلى جانب اليمن فى حربه ضد «التطرف والإرهاب» بكافة أشكاله.

وحذر البيان من أن هذا العمل يهدف إلى إشعال نار الفتنة، وتعطيل المساعى المبذولة للعودة إلى مسار العملية السياسية فى اليمن، مؤكدا مجددا دعمه للشرعية الدستورية ممثلة فى الرئيس هادي، وجهوده الوطنية المخلصة لاستئناف العملية السياسية.