النهار
السبت 5 أكتوبر 2024 07:24 صـ 2 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

أهم الأخبار

فاطمة ناعوت توجه رسالة الى الرئيس عدلي منصور

وجهت الكاتبة فاطمة ناعوت رسالة إلى المستشار الرئيس عدلي منصور، تقول فيها:

"المستشار المحترم عدلي منصور، القاضي الجليل، ورئيس جمهورية مصر العريقة، تحية طيبة وبعد،،،

قبل أن تجمع أوراقك، وتغلق دفاترك وتحمل حقيبتك، تأهبًا لمغادرة القصر الرئاسي، لك عندي هذه الرسالة، مني ومن أسرتي الصغيرة.

مقدمته لسيادتكم، مواطنة مصرية مدينة لك، وها أنا ذا اليوم، أرد الدين بين يديك، مثلما أنت اليوم، ترد الأمانة الصعبة إلى أهلها، كما أمرنا الكتاب:«إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها».

وأما الأمانة الصعبة، فهى مصر الطيبة، مصر التي أرهقناها، نحن أطفالها، وما قصدنا لها تعبد مصر، التي ناصبها الحاقدون العداء وهم قاصدون عداءها، وما عادت الطيبة أحدًا، طوال عمرها الضارب في عمق الزمان.

بل يشهد التاريخ أن يدها البيضاء طالت بمشعلها العالم بأسره، منذ فجر البشرية الأول. لكنها وهنت، كما تهن الأبدان الفتية إن تكاثر من حولها القساة الطامعون حاملين رماحهم يرومون قتل الجميلة. فجئت أنت ابنها البار المثقف، فارسا يحمل الدرع ويذود عن الأم التي لا تشبه الأمهات، لأنها ذرة الأمهات وتاجهن. 

حفظتها في قلبك، أيقونة قدسية غالية، وحملت على كفيك جسدها الواهن تبعة ثقيلة، في لحظة تشبه الاحتضار، والسهام من حولها، ومن حولك، مصوبة، حتى تكسرت النصال على النصال.

وأضافت: أيها الرئيس الذي أحببناه، لم تكن رئيسا مؤقتا، بل كنت «الفاصلة المضيئة» التي أعقبت «جملة اعتراضية» شديدة القتامة في جملة مصر الشاسعة الناصعة، تلك التي افتتحت دفتر التاريخ قبل التواريخ، فكانت السطر الأول في مدينة الإنسانية.

كنت أنت «قلم التصحيح» الذي أصلح الخطأ المطبعي الذي دون قسرا في كتاب مصر، رغما عنها، ورغما عنا، في لحظة غفلة من الشعب المصري ومن الزمان، خطأ مطبعي لم تستوعبه لبشاعته، وكتبت عنه بقلمي -خلال عامين- سلسلة من المقالات حملت عناوين حزينة:«خطأ مطبعي، جار تصحيحه». 

كنت أنت أيها القاضي النبيل، الحرف الأول في ذلك التصحيح، تحملت في صبر الأنبياء، من أجلنا ومن أجل مصر، خيوط الإيذاء والمخاطر تتكاثف من حولك، وأنت ماض فوق طريق الآلام تسبقنا، حاملًا صليبك الثقيل المنذور لك، في خطة السماء.

كنا قد فقدنا الرجاء في أن يستعيد كرسي الرئاسة نقاءه، بعدما لوثه الدنس والطمع، وجلس عليه قبلك خائن تعس لم يدرك هول المكان والمكانة التي اقتنصها بليل، سألنا الوطن، كما سألت الملائكة رب العزة:«أيها الوطن» أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟» فأطرق الوطن في حزن وهمس:«إنما أنتم من أهنتموني وسودتم صفحتى بغفلتكم، وأجلستم على عرشى من أخفق في إدراك قيمتى وعزتى».

نعم أيها الوطن النبيل، نحن مدينون لك بالاعتذار، لكن، يشفع لنا أننا أبناؤك، نتعلم من أخطائنا، وها نحن قد صالحناك وأعدنا إلى عرشك بهاءه واحترامه ونصاعته، بأن جلس على عرشك هذا المستشار النبيل، الذي يتأهب اليوم ليتركك لمن يأتي بعده يكمل الطريق الوعرة ويحمل المشعل الصعب.

نعم أيها المستشار النبيل، نحن مدينون لك، ليس فقط بحملك لواء وطننا في لحظة مفصلية عسرة، بل كذلك لأنك نقيت لنا هذا المنصب الرفيع مما طاله من دنس لا يليق به ولا بنا، ومحوت بلسانك المثقف، معجمًا ركيكًا لفظه من سبقك، فأفسد علينا مسامعنا.

تتأهب اليوم لتترك القصر الذي استضاء بك عامًا بعد عتمة عام، لكنك باق في قلوبنا وفى ذواكرنا، سنحكي لأولادنا عن الفارس الذي حمل عنا عبء الانكسار، سنحكي عن القلم الذي به أصلحنا كلمة سوء خطت في مدونة مصر.

باق أنت في ذاكرة مصر الوفية التي لا تنسى من أحبها ورد عن نحرها السهام، اسمك باق في لوحة الشرف التي تمر عليها مصر كل صبح:تمسح بيدها الطاهرة جباه من يسكنون سطورها، وتزين الأكاليل فوق هاماتهم بزهرة جديدة نبتت في أرضها الطيبة.

أيها الرئيس الذي ينتظر بفارغ صبر أن يتحرر من العبء الجسيم، قبل أن تحمل عصا صولجانك وتمضي عن القصر، أعلم أن لك قصورًا شاهقات دافئات في قلوب كل مصر ومصرية، يعرفون قيمتك ويشكرونك لأنك حفظت الأمانة وأديتها كما يؤدي الشرفاء الأمانات وحفظت شعبك من السقوط في هوة اليأس من استعادة الوطن والهوية. شكرًا لك أيها الجليل.