عدلى منصور .. الزاهد في المنصب
هو الزاهد فى المنصب.. منذ اللحظة الأولى التى دخل فيها القصرالجمهورى وهو يستعجل الرحيل ..وقد اعترف بأنه لولا مخاوفة من حرب أهلية كانت تتهدد البلاد على يد الرئيس المعزول لما قبل بالمهمة الثقيلة فى إدارة البلاد.. ومنذ أول ظهور له وحتى كلمته فى القمة العربية بالكويت حاز إعجاب المصريين بوضوح الرؤية والثبات الانفعالى الذى يتميز به مقارنة بخطابات المعزول المثيرة للسخرية.. إنه الرئيس المصري المؤقت، المستشار عدلي منصور، والذى ترجم خلال كلمته أمام القمة العربية، تطور العملية السياسية في مصر، ونقل رسالة من الشعب المصري إلى أشقائه العرب، الذين ساندوه وقدموا له المساعدة في أخطر مرحلة من مراحل التاريخ.
وتضمنت الكلمة التى ألقاها فى القمة الإشارة إلى أن ثورة 30 يونيو جاءت لتصحيح المسار الذي فرضه البعض على ثورة 25 يناير واندلعت للحيلولة دون اختطاف الوطن وتغيير هويته وجره بعيداً عن الإرادة الجامعة للضمير الوطني للمصريين، وأن التاريخ سيسجل للدول التي وقفت معنا هذه الوقفة التاريخية.
وتضمنت الكلمة أيضاً الإعراب عن الأمل في أن يبادر البعض ممن لا يزال يقف على الجانب الخطأ من التاريخ بأن يراجع موقفه، ويصحح خياراته، وأن مصر أوشكت على الوفاء بكل تعهدات المرحلة الانتقالية، وها هي الآن على مشارف ثاني استحقاقات خارطة الطريق بعد إقرار الدستور في يناير الماضي، وبذلك تكون مصر قد استكملت بناء الدولة الحديثة التي يبتغيها شعبها.
مكافحة الإرهاب
احتلت قضية مكافحة الإرهاب الجزء الأكبر من كلمة الرئيس الذي أكد أن الإرهاب بات يهدد أوطاننا العربية جميعاً دون استثناء، وهذا الإرهاب يأتي في إطار محاولات يائسة للافتئات على حق الشعوب في إنقاذ إرادتها ومحاولة تقويض استقرارها وتعطيل مسيرتها التنموية.
كما أدان العمليات الإرهابية الغادرة في الفترة الأخيرة من جماعات لا تراعي حرمة الوطن ولا قدسية الدين، مشدداً على أن مصر لن تتهاون مع أولئك القتلة الغادرين الذين أساءوا للدين والوطن، ويدعو باسم مصر الدول العربية كافة، للوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب وما يستلزمه ذلك من تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتعاون في تسليم المطلوبين قضائياً، وعدم توفير الدعم والمأوى بأي شكل من الأشكال لأولئك الإرهابيين.
ودعا الرئيس إلى تحرك عربي محدد في هذا الشأن، مطالباً القمة بالنظر بثلاثة مقترحات وتكليف الوزراء المختصين بوضع الخطط والآليات اللازمة للتنفيذ، وهي:
ثلاثة مقترحات
الأول: إعلان العقد الحالي 2014 و2024 عقداً للقضاء على الأمية في العالم العربي واعتماد برنامج محدد للتخلص من هذه الظاهرة خلال 10 سنوات.
الثاني: دعم المبادرة المصرية في مجلس الجامعة العربية لعقد اجتماع مشترك لوزراء الداخلية والعدل العرب، لوضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.
الثالث: وضع استراتيجية عربية موحدة بعناصرها الفكرية والثقافية والتعليمية والإعلامية لمواجهة نمو وانتشار الفكر المتطرف، واقترح في هذا الإطار أن تستضيف مكتبة الإسكندرية اجتماعاً للمفكرين والمثقفين العرب لوضع توصيات محددة وعملية للنهوض بالمستوى الفكري والثقافي لأجيال الشباب بوصفهم المستقبل، على أن تطرح هذه التوصيات على أول اجتماع لوزراء الخارجية العرب للعمل على تنفيذها مع الهيئات العربية المختصة.
القيمة الكبيرة
ما قدمه الرئيس منصور خلال القمة العربية يؤكد القيمة الكبيرة لهذا الرجل، فمنذ اللحظة الأولى لقبوله التكليف برئاسة الجمهورية كرئيس مؤقت لفترة انتقالية خلفاً للمعزول محمد مرسى وهو يثبت كل يوم أنه رجل دولة جاء للمكان المناسب فى التوقيت المناسب وأنه صدق فى كل ما وعد به فى خطاب قبوله المسئولية الجسيمة استجابة لمطالب الشعب فى 30 يونيو عندما قال «تلقيت ببالغ الاعتزاز والتقدير والتوقير والإجلال أمر تكليفى بتولى رئاسة الجمهورية خلال الفترة الانتقالية القادمة ممن يملك إصداره، وهو شعب مصر العظيم، السيد والقائد ومصدر جميع السلطات، بعد أن قام فى الثلاثين من يونيو بتصحيح مسار ثورته المجيدة التى تمت فى الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 .
وأضاف: إن أعظم ما تم فى الثلاثين من يونيو أنه جمع الشعب كله بغير تفرقة ولا تمييز، وكان للشباب فضل المبادرة والمبادأة، والريادة والقيادة، وأنبل ما فى هذا الحدث العظيم أنه جاء تعبيرا عن ضمير الأمة وتجسيدا لطموحاتها وأمانيها، ولم يكن دعوة إلى تحقيق مطالب خاصة أو مصالح شخصية.
ومنذ توليه هذه المسئولية الجسيمة وهو يثبت كل يوم ما يجب أن يكون عليه رئيس الدولة من حكمة واتزان وتقدير للأمور وتنفيذ للوعود ..
مبادئ الثورة
والذى لاشك فيه أن الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور جاء للسلطة وهو مدرك تماماً لمبادئ الثورة وقيمها بل وروحها ولماذا قامت هذه الثورة، وهو ما تجلى فى خطاب قبول تكليفه برئاسة مؤقتة لفترة انتقالية وهو يقول « إن ضمان استمرار روح الثورة يحمل لنا بشائر الأمل وأطياف الرجاء فى التمسك بمبادئ هذه الثورة وقيمها الجديدة وفى مقدمتها أن تنتهى إلى غير رجعة عبادة الحاكم التى تخلق منه نصف إله، وأن تسقط كل أنواع القدسية والحماية والحصانة التى يضفيها الضعفاء على الحكام والرؤساء، وأن نتوقف عن إنتاجنا فى صناعة الطغاة فلا نعود نعبد من دون الله - جل جلاله - صنما ولا وثنا ولا رئيسا».
هذا الرجل الذى قدم التحية للشعب المصرى ووصفه بالثائر الصابر الصامد الذى أثبت للدنيا كلها أنه لا يلين ولا ينحنى ولا ينكسر.
الشخصية المتزنة
ولقد صدق علماء النفس حين وصفوه بعد شهور من توليه المسئولية بأنه شخصية قوية ومتوازنة وعلى درجة عالية من الثقة بالنفس والقدرة على قول الحقائق، كما يؤكدون أنه يمتلك مواصفات رجل الدولة الحقيقى فهو لا ينفعل أو يتشنج ولا يتكلم من منطلق حدود اهتمامته أو موقفه الخاص وإنما من منطلق حرص على دولة هو مسئول عنها .
فلا يتطرق فى حواره إلى التعرض لأشخاص بعينهم ولا يقوم بأى اندفاعات سلوكية او الاستهزاء بالآخرين بل إن طريقة حديثه بحسب المحللين والخبراء المختصين فى هذا المجال خالية تماما من التدنى فى التعبير بل تكشف عن شعوره بالعزة والكرامة وقيمة الدولة والشعب الذى يتولى حكمه لفترة مؤقتة.
وهو يميل إلى الإيجاز الشديد والوصول للهدف فى أقل الكلمات دون الاعتماد على الشعارات الرنانة، حيث لا يميل إلى أن يظهر كاريزما شخصية أو استثارة مشاعر الجماهير فهو دائما ما يتكلم بعقلانية وفى موضوع محدد مدركاً أن لديه مهمة محددة يؤديها، فقد انجز الرجل الاستحقاق الأول من خارطة الطريق عبر دستور عظيم تم الاستفتاء عليه فى مشهد مهيب، ثم ها هو الاستحقاق الثانى والأهم المتمثل فى الانتخابات الرئاسية التى قدمها على الانتخابات البرلمانية ما يؤكد زهده فى المنصب واستعجاله تركه على ما فيه من بريق وجلال.
مسيرة حافلة
وخلف الرجل الذى سيحمل لقب أول رئيس ترك السلطة محاطاً بحب الشعب واحترامه مسيرة حافلة، فقد حصل المستشار على منصور على ليسانس حقوق سنة 1967 جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا فى القانون العام من نفس الجامعة، ودبلوم الدراسات العليا فى العلوم الإدارية سنة 1970 .
عُين مندوب مساعد بمجلس الدولة فى نوفمبر 1970، والتحق للعمل عضواً بإدارة الفتوى والتشريع لرئاسة الجمهورية والمحافظات فى ديسمبر 1970، كما عين مندوباً بمجلس الدولة فى 1971 والتحق للعمل عضواً بإدارة الفتوى والتشريع لوزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى فى يناير 1972. والتحق للعمل عضواً بإدارة الفتوى والتشريع لوزارتى الخارجية والعدل فى فبراير 1972 انتدب للعمل مستشاراً قانونياً للهيئة العامة لصندوق تحويل مبانى وزارة الخارجية فى غير أوقات العمل الرسمية خلال الفترة من أغسطس 1973 إلى أبريل 1974، كما انتدب للعمل مستشاراً قانونياً للمركز القومى للبحوث فى غير أوقات العمل الرسمية خلال الفترة من أكتوبر 1974 إلى أغسطس 1975 وخلال الفترة من يناير 1977 إلى ديسمبر 1983. وعين نائباً من الفئة (ب) فى 1975 ونائباً من الفئة (أ) فى 1976. التحق للعمل بالمكتب الفنى للمستشار رئيس مجلس الدولة فى يناير 1977، وعين مستشاراً مساعداً من الفئة (ب) فى أغسطس 1977 .
التحق للعمل بإدارة الفتوى والتشريع لوزارات الأوقاف والصحة ووزارة الشئون الاجتماعية وشئون الأزهر فى 1978، وانتدب للعمل عضواً باللجان القضائية للإصلاح الزراعى للعام القضائى فى غير أوقات العمل الرسمية فى أكتوبر 1980. عين مستشاراً مساعداً من الفئة (أ) فى 1980، وانتدب للعمل مستشاراً بالأمانة العامة لمجلس الوزراء (الأمانة التشريعية) فى غير أوقات العمل الرسمية فى أبريل 1982. خلال الفترة من ديسمبر 1983 إلى أبريل 1990؛ أعير إلى المملكة العربية السعودية للعمل مستشاراً قانونياً لوزارة التجارة والصناعة فى منطقة حائل.
فى 1984 عين مستشاراً لمجلس الدولة، كما عين وكيلاً بمجلس الدولة فى 1990 وانتدب للعمل مستشاراً بالأمانة العامة لمجلس الوزراء (الأمانة التشريعية) فى غير أوقات العمل الرسمية خلال الفترة من نوفمبر 1990 إلى ديسمبر 1992، وشغل منصب نائب رئيس مجلس الدولة فى فبراير 1992، وفى ديسمبر 1992 عين نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا فى ديسمبر 1992، وحتى تعيينه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا فى 30 يونيو عام 2013 ليكون على موعد مع القدر ولصالح هذا الوطن حيث تم تكليفه كرئيس مؤقت للبلاد بإرادة شعبية وموافقة القوى السياسية الممثلة للمجتمع من أزهر وكنيسة وأحزاب وجيش ومجتمع مدنى ليتولى منصب هو الزاهد فيه بجدارة ليسجل التاريخ اسمه وموقفه كمحب لهذا البلد بل ومساهم كبير فى انقاذه من خطر رهيب كان يتربص للفتك به ولم يسىء استغلال السلطات الواسعة الممنوحة له فهو حامل السلطات الثلاث فى لحظة فارقة لكنه مضى بالبلاد لبر الأمان ليسلمها للرئيس القادم الفائز من بين المرشحين للمنصب بعد ان تم فتح باب الترشيح وسيختار الشعب من يحكمه لكنه لن ينسى عدلى منصور ولن ينساه التاريخ .