النهار
السبت 5 أكتوبر 2024 06:26 صـ 2 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

فن

تحية كاريوكا.. أخفت السادات وأحرجت الملك فاروق واعتقلها عبد الناصر

راقصات زمن الفن الجميل لم يكن مجرد جسد جميل أو سلعة للتسلية والترفيه فقط، بل كان لهن دور رائد فى المجتمع، حيث ارتبطن بالواقع الذى عاصرنه، وكان لمعظمهن دور سياسى مهم، وعلى رأسهن كانت تحية كاريوكا من أهم الراقصات اللاتى كان لهن موقف سياسى وليس مجرد راقصات للمتعة فقط، فتحية التى ولدت فى محافظة الإسماعيلية، تربت على كره الاستعمار وحب الثورة من والدها محمد أبو العلا النيدانى كريم، الذى أطلق على ابنته اسم «بدوية» تيمنا باسم الشيخ السيد البدوى، وهو أحد أبطال المقاومة أثناء الحروب الصليبية. 

وبعد أن حققت تحية شهرتها الكبيرة فى القاهرة تزوجت من الضابط مصطفى كمال صدقى، ولم تمر أشهر قليلة بعد الزواج حتى وجدت ضباطا من البوليس الحربى يكسرون باب شقتها بعنف ووقفت تحية فى مكانها والضباط يبحثون فى كل مكان بالشقة عن أى منشورات ضد نظام الحكم، وعن أى أسلحة، وبالفعل تم العثور على بعض من المنشورات، ولم تتردد تحية فى أن تذهب معهم إلى القسم ورغم أنها أنكرت معرفتها وعلمها بما تم ضبطه فى شقتها وتأكيد الزوج كلامها فإن ذلك لم يمنع السلطات وقتئذ من الزج بتحية داخل السجن للمرة الأولى فى حياتها. 

وقضت تحية فى السجن 100 يوم قادت خلالها حركات التمرد داخله، ورفعت صوتها محتجة على ظروفه غير الإنسانية، كما كانت أيضا تقف فى تظاهرات الطلبة مؤيدة لهم وترسل لهم السندويتشات وتشارك فى الهلال الأحمر. 

وكان معروفا عن تحية جرأتها الشديدة، فلم تترد فى أن تحرج الملك فاروق عندما وجدته جالسا فى كازينو الأبراج، وتقول له بطريقتها الساخرة إن مكانه ليس هنا بل يجب أن يكون فى قصر الملك، وتوقع الكثيرون أن يغضب الملك منها، لكنه انصرف على الفور وسط استغراب المحيطين به. 

مواقف تحية كاريويكا مع ملوك ورؤساء مصر لم تختلف ولم تتلون، كما يفعل بعض السياسيين، لكنها كانت واضحة، وجريئة، حيث انتقدت أداء حكومة ما بعد ثورة 23 يوليو، ووصفت أداءهم بأنه لا يفرق شيئا عن أداء الملك فاروق، وهو ما أدى إلى غضب السلطات منها وقتئذ، واعتقلها جمال عبدالناصر مع بعض أعضاء الحزب الشيوعى المصرى. 
ويروى أن تحية فى الخمسينيات قامت بحماية اليسارى صلاح حافظ فى منزلها، إضافة إلى موقفها الشهير مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عندما تخفى عندها وقت الاستعمار البريطانى لمصر، حيث أخفته فترة فى منزل شقيقتها، وكانت سلطات الاستعمار تبحث عنه دون جدوى، ولم يكونوا يعرفون أن كاريوكا هى من تخفيه. 

كما اشتهرت الفنانة الراحلة بعلاقتها القوية مع السياسيين، سواء داخل مصر أو خارجها، فرغم انتقادها لهم، فإنهم دائما كانوا يحبون مشاهدة فنها والاستماع إلى آرائها أيضا، ووصلت شهرتها إلى العالمية حتى إنها كانت على أبواب المشاركة فى فيلم سينمائى عالمى من إنتاج شركة «فوكس» لكن مرض والدتها حينئذ أجبرها على العودة إلى مصر قبل أن تشارك فى الفيلم. 

وعندما نذكر الدور السياسى للراقصات لا نستطيع نسيان دور الراقصة نجوى فؤاد الذى لعبته فى حرب 1973، وعلاقتها القوية بوزير الخارجية الأمريكية وقتئذ هنرى كيسنجر، فمنذ أن شاهدها ترقص فى حفل خاص أقامه له السادات بمصر، أعجب بها، بل إنه كان لا يتردد فى أن يشاركها الرقص فى بعض الحفلات الخاصة، وكان لتلك العلاقة القوية بين نجوى فؤاد وكيسنجر مفعول السحر على المستوى السياسى، حيث استطاعت إنجاز ما لم يستطع إنجازه رجال السياسة وقتها، وساهمت فى استعادة مصر بعد نصر أكتوبر المجيد ما تبقى من أرض سيناء المحتلة. 

ومن شدة تعلق هنرى كيسنجر بنجوى فؤاد ذكرها فى الجزء الثانى من مذكراته، ووصف لقاءاته معها بأنها من أجمل الذكريات التى يستدعيها دائما إلى مخيلته كلما حاصرته هموم السياسة ومشاكلها وقال كيسنجر فى المذكرات: كنت أحرص دائماً فى كل مرة أزور فيها القاهرة على التأكد من وجود الراقصة المصرية نجوى فؤاد، وكانت تبهرنى، بل أعتبرها من أهم الأشياء الجميلة التى رأيتها فى الوطن العربى إن لم تكن الشىء الوحيد. 
لذلك كان لنجوى فؤاد دور مهم فى إنجاز المفاوضات بين هنرى كيسنجر والرئيس أنور السادات، وتبعه فى هذا الهوس الرئيس الأمريكى جيمى كارتر الذى حكى له كيسنجر عنها، وجاء إلى مصر خصيصا ليراها، وحددها بالاسم ورقصت أمامه فى فندق «مينا هاوس» وأعجب بها كثيرا وقتها ولم يخف إعجابه رغم أن زوجته كانت حاضرة وقتها.