النهار
الإثنين 21 أكتوبر 2024 09:37 صـ 18 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

حينما يتحول «النص الأدبى» إلى واقع من لحم ودم

الإغراء والبلاط عبارات متراصة متناسقة شاعريتها تغرى القارئ عبر مسايرة العبارات الشهوانية المغرية لمواصلة استقصاء الحدث الذى لا يجهل نهايته ولكن يرغب فى استجلاء كنه الأنفس وكنه العبارة  (حتى الرب آمون لو أبصرك ارقص بطرب ومجون ص 37) وصف مغرٍ لهيئة زليخة على لسان إحدى نسوة القصر يدعو القارئ لاستشراف معاناة الشاب أمام إغراء الحسناء.

من «ص 37 إلى 41» سردٌ تراكم فيه الوصف عبر الصور والإيحاءات لغته مقامية مطعّمة بالنسق الشعرى ليخلص بالقول « لكن الطهرَ أستعصمْ .» وهنا جملة دالة أكد السارد فيها على أهمية الإيجاز فى مثل هذا الموقف وخاطب العقول والقلوب تاركا للأجساد الإبصار من بعيد.

ص 45 (ضج الحى العربى بنسلك يا يعقوب (...) يعقوب طاهر لكن الأبناء مكر ودهاء) اللفظة الأولى التى يوردها المؤلف (عبر الراوي) فى سياق سردى فرعونى إسرائيلى بالكامل، ربما هى إشارة إلى غزو اليهود لفلسطين...ليعود السارد كنوع من الاستدراك معيدا إلى الأذهان والقلوب طهر النبوة برغم درن الدنيا عبر الأبناء.

ص 46 استرداد زمام السرد الشعرى عبر بوابة زليخة ودفائنها وتكرار لفظ «النمرة» الحامل لامتلاء الجسد وشراسته مع الإحالة إلى قدسيته الملكية. لغة تزداد شاعريتها متانة وتتسق مع مدلول السرد القصصى واستحضار للدلالة التاريخية بين الشام إلى طبرية وصولا إلى «آمون»

 (لو يأتى يوماً خدري... لو يأكل يوماً من صدري... فأنا للأجساد علاج... ويوسف نائم وغطاءٌ... يسقط فى سهو..سحابات تمسك كأس من خمر...سحابات الفتنة لا تعرف سر الأبواب... ونجومٌ تتعرى من كل ثياب... وشرابٌ يطلبه فى إثر شراب (ص  -48-47)

ص 48 (تتذمر جارية النمرة: أمنحنى نفسك ليلة ولست ترانى بالمرة) تخريج مختلف عن أصل القصة وهذا ما أسميه «مفترق طريق السرد « عبر انحراف عن المسار التاريخى ودخول فى البعد الروائى عبر إدراج الجارية كإغراء تمهيدى ليوسف قبل أن تجرأ السيدة على ذلك.

قبل أن ينتهى فصل كامل معنونٍ بـ «يعقوب يعض الإصبع» يبدأ بتجدد الحوار بعد غياب لأكثر من 7 صفحات. وتتجدد أنفاس تاريخية (من الإسرائيليات قد تكون) يوردها السارد على ثغر خادم يوسف وإحياء لقصة زليخة ابنت الطحان البسيط وآلها وزواجها بالعزيز .

(ص 54) عاود نسج السرد القرآنى وبدأ المشهد من أنفاس الليل المستيقظة وكيف تحولت النمرة(زليخة) إلى حية بنعومتها كى تغر الفتى النبى ولا يستسلم لها المعصوم ويفلح البرهان الربانى ذلك الأبدي- فى نجدة النبى وتلبس النمرة له التهمة ويعيد السارد السرد القرآنى فى آخر عبارة لهذا المشد بالقول (ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجن) ص 54

(من 54 على 64)

بدأ فصل جديد عنونه المؤلف بت «شهد الشاهد» ويوحى العنوان بالتحقيق وبالقانون والعدل، هذه الصورة القضائية تجسّدت بطغيان الحوار على السرد على طول عشر صفحات، وكأن بالتحقيق رمز للجدل وللحوار وللحديث المتعاقب

ص (65) بدأت رحلة يوسف الأخرى ومعاناته الأكثر وقعا فى مصر إنه السجن، «يوسف فى القيد».

تبرز صورة الحزن على الشخصيات الثلاث يعقوب ويوسف وزليخة والكل يحن إلى الآخر ولكن الشوق قسّم ماهيته شتان بين شوق الأنبياء وشوق باقى الأحياء شتان بين الروح والجسد بين الصمت والنحيب بين الستر والتعري...أورد السارد حزن الإنسان بين الجهل والإيمان بين  شيطان ونبى بين عفريت ومليك. ووسط هذا السجن فإن (يوسف راضٍ فى القيد، والحزن كفيض 69) وعلم رواد السجن (علمهم أن لله إله واحد.. وأن الاوثان وهمٌ فاسد) فنال بذلك مرتبة الحاكم وفى السجن نبى ومحكوم.

«ص 73» قص علينا رؤياك يا فرعون النهر العظيم ) استعمال اللفظة التى تعيدنا إلى عنوان الرواية «رؤيا الفرعون الأخير»»إنى أرى رؤية واحدة لسبع ليال»ص 73 يحيلنا هذا الرقم أى سبعة (7) إلى العلاقة الوطيدة بينه وبين المعتقدات الدينية والطقوس فى عديد المجتمعات عبر التاريخ . فلروما الروابى السبع ولليونان الحكماء السبع وللفراعنة السنوات السبع والسنابل السبع الوارد ذكرها فى آى القرآن فى سورة بعينها.

سبع سمان       

(80) الحسد يأكل قلب الكهان.. استحضار للكهان ولدورهم الجديد.

التأثر بشعر درويش  يدعونا للتساؤل هل ( سقط قناعٌ يتلوه قناع ص )81.

استدلالات منطقية توحى باستغلال الدين للحكم ابتداء من جملة الكاهن يمكن أن يجهل..81 إلى ويبقى للكاهن صوت مسموع 83 .

اسقاط عن الحاضر (فلسطين) بعدما اعتاد السارد تمييز بلد المنشأ بالشام هاهو يستحضر فلسطين (الأخوة نهبوا الطين فى أرض فلسطين، والناهب يدرك أن الغدر دخيل، والسارق فى الوطن المسروق ليس يطيل...فحصدوا المال وبقاء السارق محال ص 89)

جاءت بعدهن سبع عجاف وصدقت رؤيا الصادق وتبدى الحق الواثق وقال يوسف لأبيه يا أبتِ هذا تأويل الرؤيا قد صارت حقا!

لم يبق غير فصل أخير «رؤيا الفرعون الأخير»ستصبح «يا مصري» أرضك حرة لأن الرؤية تخبر بقيام الثورة.