بعد تصدر مسلسل ”معاوية” التريند.. ترشيحات لكتب في التاريخ الإسلامي

تصدر مسلسل معاوية تريندات وسائل التواصل الأجتماعي، وانتشرت حالة من الرفض والتأييد للعمل الفني بناء على الوقائع التاريخية، وهي الوقائع المكتوبة في كتب التراث وبالأخص التاريخ الأسلامي، ونظراً لأختلاف بعض الروايات التاريخية عن الاخرى تبعاً للمصدر التاريخي وايضاً لمذهبيه صاحبها فهنا سنحاول ترشيح بعض الكتابات التاريخية لتلك الفترة والتي تتميز بحسن السرد والامانة العلمية بقدر الإمكان.
سيرة الصحابة والتابعين لم تأخذ منحى منفصل في السرد التاريخي في التاريخ الأسلامي الا في عصور متأخرة، وذلك لعدم أهتمام المسلمين في العصور الأولى بتدوين السيرة النبوية، عملاً بقول الرسول في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عنّي، ومَن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار"، وهو ما أكدته كتب الصحاح والسنن والسيرة ايضاً، واكد القول رواية ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في منعهما لتدوين الأحاديث النبوية او السيرة بشكل عام، حتى لا يختلط ما هو إلهي بما هو بشري كما عند أهل الكتاب.
هناك من أختزل الكتابة التاريخية لتلك المرحلة فقط في مناطق النزاع على السلطة السياسية، بأعتماد سردية أكاديمية مثل طه حسين او سردية روائية مثل ابراهيم عيسى وأخرون.
لذا فسيكون إستعرضنا للكتب من منطلق الجزئيات في التاريخ وايضاً في القصص الشمولية لمعاوية وأثره في التاريخ الأسلامي بشكل عام. بأستعراض اهمها واكثرها شيوعاً وانتشاراً وقرباً من الصحة، حيث ان هناك المئات من كتب السيرة المتداولة حالياً منها ما هو قديم نقح ورُجع وحُقق وايضاً منها ما لم يزل في طول المخطوط الذي لم يحقق حتى الان، وهناك ايضاً اعمال حديثة تنقسم لأعمال اكاديمية من اصحاب تيارات مختلفة لأعادة قراءة وتحقيق السيرة في سياقها العلمي والتاريخي والديني ايضاً، وهناك اعادة قراءات للسيرة والتاريخ كمنهج تبسيطي يناسب تطورات العصر من حيث اللغة والسرد والكتابة حتى يستطع الشباب والصغار معرفة التاريخ الأسلامي بلغة سهلة وسلسلة وقادرة على الأستيعاب.
السيرة النبوية لأبن هشام المتوفي 213هـ أو 218 هـ رواية عن بن اسحق
الكتاب موضوعه من أسمه، ليس فيه ثمه تعرض لسيرة معاوية الا في نطاق السيرة النبوية والمبعث المحمدي منذ ولادته حتى تبليغه للرسالة، الكتاب في اغلب الطبعات من اربع اجزاء بحسب دور النشر المختلفة، ويتميز الكتاب بالسرد التاريخي المعتبر في بقية كتب السيرة والتاريخ الاسلامي، حيث انه يعول عليه كمرجع اساسي، والجدير بالذكر ان الكتاب – كما يقول احد الباحثين – عبارة عن جزء من مشروع تاريخي كبير عن التاريخ ككل منذ خلق أدم عليه السلام انتهاء بالسيرة النبوية، ولكنه لم يصلنا الا الجزء الخاص بالسيرة فقط.
البداية والنهاية بن كثير 701هـ - 774 هـ
هو كتاب تاريخي من الدرجة الأولي، وهو عبارة عن مشروع لسرد التاريخ بشكل عام منذ خلق ادم حتى القرن الثامن ويختتم الكتاب بأشراط وعلامات الساعة في الجزء الاخير ليحاول ان يجمع التاريخ الانساني بين ضفتي كتابه. الجدير بالذكر تنوع مصادر الرواية عند ابن كثير بغزارة، حتى وصل عدد اجزاء طبعات الكتاب لعشرون جزء عند بعض دور النشر بعد التحقيق والتخريج للايات والاحاديث والمراجع، اعتماد ابن كثير في السردية التاريخية على مصادر مختلفة كما سبق واسلفنا ولكنها مع ذلك أثرت على النص التاريخي بأضافة الأسرائيليات في السردية، وهو ما تسبب في عدم التعويل على ابن كثير كمرجع تاريخي معتبر عند الاغلبية، وتحول الامر لدراسات اكاديمية لمحاولة تنقيح النص الأساسي من المدخلات الأسطورية والخرافية التي لا تعتمد لنص ديني او تاريخي معتبر. ولكنه مع ذلك من اهم الكتاب نتيجة لسلاسة سرديته وسهولة فهمه بعيداً لغوياً.
التاريخ الأسلامي – محمود شاكر
الكتاب يتناول التاريخ الاسلامي بشكل عام ولكنه مع ذلك يفرد في الكتاب فصل خاصة بكل مرحلة، فالجزء الرابع اختص به الكاتب عصر الدولة الاموية بدء بمعاوية بن ابي سفيان، ولكن الكتاب عبارة عن إعادة قراءة للتاريخ على الأغلب من خلال كتاب المسعودي والذي يمكن الأشارة إليه من خلال منطق الكاتب على انه – ربما في رأيي - رافض لولاية معاوية لكونه موالي لعلي.
الكتاب يجمع ما بين الأسلوب الأكاديمي إلى حد ما وبين التحقق من الروايات التاريخية عقلانياً، اي بدون الرجوع لمصادر مختلفة، فما كان من الكاتب سوى اخذ دور المدافع دون التعرض للرواية من اكثر من زاوية مختلفة واعتماد ما اقره العديد من المؤرخين تفرداً برأيه. اجمالاً الكتاب شيق ولكنه لا يعول عليه كونه مصدر بشكل أساسي.
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين - تقي الدين المقريزي 775 – 832 هـ
الكتاب عبارة عن احصاء تاريخي لمكة من خلال التواريخ والأرقام بغرض اقامة موسوعة لمكة، لذا فانه لم يستعرض الجزء التاريخي الا في النذر اليسير، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه بشكل او بأخر مؤلف مسلسل معاوية حيث ان بعض الحوارات قد اخذت نصاً دون اي تعديل. الكتاب ضخم لذا فقد اعتمد المقريزي على التقسيم الألف بائي لأهل مكة، لذا فقد جاء معاوية في الجزء قبل الأخير في الكتاب، وذكر المقريزي فضائله وصفاته وشكله مع بعض الأقتباسات عنه في كتب التاريخ في سردية مميزة سهلة وواضحة ونافذة للذهن.
الكامل في التاريخ – ابن الأثير الجزري المتوفي 630 هـ
هو من الكتب الضخمة التي اعتمدت السردية التاريخية من خلال التتابع التاريخي للاحدث، دون التركيز على قصص معينة سوى في سياق التاريخ فقط، تركيزاً على سياق التاريخ وليس على مركزية الشخصيات. ومع ذلك فقد استعان في الكتاب بمنهج علم الرجال في التعريف بالصحابة – بجزء يسير من الصحابة نظراً لعددهم الكبير وعدم وجود القدر الكاف من المعلومات لأحصائهم عملياً – في كتابه، مستعيناً بنقاط القوى في الشخصية وابرز ما ذكر عنها.
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام - د جواد علي
عبارة عن كتاب متخصص في التاريخ الاسلامي قام بكتابته د جواد بناء على منهجية تاريخية علمية بحته، في سبيل بيان ما خفي اثاره في التاريخ ومحاولاً لسد فجوات أثرت على السياق الأنساني في الحضارة الأسلامية، نتيجة لوجود تأويلات مغايرة للواقع تحاول معارضة او تأييد ايدويوحيات معينة تجاه الاحداث التاريخية تدعيماً لموقفها المعاصر.
فعلى الرغم من عدم تناول الكتاب بشكل اساسي تاريخ العرب منذ البعثة النبوية ولكنه أرخ وحاول الحفر في الثقافة العربية للوقوف على ماءلاتها وتأصيلها للأفكار اللاحقة والتي أصلت للتاريخ الأسلامي فيما بعد، اما عن معاوية فالكتاب وضح انساب العرب ومدى اشتراكهم في النسب على الرغم وجودهم كقبائل مختلفة في بعض الأمور، وايضاً وضح الخلفية التاريخية لبعض الشخصيات المؤثرة ومنها معاوية في السياق التاريخي للبناء عليه فيما بعد، لذا فللكتاب أهميته على الرغم من عدم اهتمامه بالموضوع بشكل مباشر، ولكن هذا لا يلغي تأثيره.
الفتنة الكبرى للدكتور طه حسين في جزئين
من أهم الكتابات التي اصلت وأرخت لتلك الأزمة في السياق التاريخي الأسلامي، اعتمد فيها طه حسين على اسلوب الحكاء، السرد الروائي، مع عدم تخليه عن مناهج البحث التاريخي في النقد والتحليل والتأصيل للوقائع، مع كشف عوارها. ويعتبر أهم مرجع تاريخي في هذا الشأن في العصر الحديث، وقوبل ذلك العمل كما غيره لدى طه حسين بالرفض والنقد ولكنه مع ذلك يعتبر عمل ادبي تاريخي علمي استطاع ان يحتل مكان في الساحة الثقافية في مصر والوطن العربي حتى اللحظة
الحسين ثائراً – رواية لـ عبدالرحمن الشرقاوي
من أهم الروايات التي حاولت توضيح الصورة لتلك المرحلة التاريخية اعتماداً على تولي يزيد بن معاوية الخلافة ومحاولة معاوية ارغام الحسين على بيعة يزيد، المسرحية تقوم في قالب روائي شعري نثري ابطاله من التابعين وآل البيت، لذا فقد قوبلك المسرحية بالرفض في بعض البلدان العربية ولكنها مع ذلك استطاعت ان تصل للعديد من الجمهور، أثرت فيها وخلقت صورة للأحداث وتقارب في وجهات النظر بين اكبر مذهبين في الدين الأسلامي، على الرغم من ان وجهه نظر احدهما تعتبرها أضافة حقيقية لانها تعيد مبدأ المظلومية من جديد!
القتلة الأوئل – سلسلة روائية للصحفي إبراهيم عيسى
في خضم وجود حركات أسلامية راديكالية في العالم كان ولا بد من محاولة افهام العوام بأهمية البعد التاريخي الديني، ومحاولة تعريفهم للأحداث المؤثرة، فحاول ابراهيم عيسى ايصال تلك الاحداث التاريخية التي تتواجد مفرقة في الكتب التراثية وتقديمها في عمل ادبي روائي كي يستطيع الجمهور العادي فهمه بلا كلل ولا مشقة ولا عناء في البحث.
قدم ابراهيم عيسى على غرار طه حسين تلك الاحداث ولكن في ثوب الرواية، وهي الطريقة الامثل في مخاطبة الجمهور في الوطن العربي في الوقت المعاصر، ولكنه لم يختلف كثيراً عن طه حسين سوى في الأستعارات والتمثيل والأستعانة بصور خيالية تحاكي الأحداث التاريخية ببراعة وحرفية
الخاتمة:
ليست تلك كل الاعمال التي تناولت معاوية من قريب او من بعيد، ولكنها اعمال هامة تلقي الضوء على شخصية هي محور الحديث عنها الان، في محاولة لأستعادة التراث الأنساني والحفر فيه لأخذ العبر منه او للأستلهام منه حالاً ومستقبلاً، ولا يعني ذلك رفضنا او قبولنا للعمل المعني، ولكنه سواء قبلنا ام لا استطاع أحياء فكرة البحث والقراءة عند الجمهور واستطاع اشعال الفكر من جديد، وكاننا نحتاج كل فترة لعقبة تثير الذهن وتحيي العقيدة!