كيف حركت قمم القاهرة المياه الراكدة بشأن القضية الفلسطينية؟

منذ السابع من شهر أكتوبر 2023، ولم تقف القاهرة مكتوفة الأيدي، أمام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلف آلاف الشهداء مُعظمهم من النساء والأطفال، وآلاف الجرحى والمصابين، في انتهاك صارخ لكل قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية.
فما بين اتصالات مكثفة أُجريت ولقاءات عقدتها القيادة السياسية وآلاف الأطنان من المساعدات الإنسائية الإغاثية، عقدت «القاهرة» قمتين في غاية الأهمية، حسبما أكد عدد من الخبراء، الأولى في 21 من شهر أكتوبر 2023، بحضور عربي ودولي واسع.
خلال القمة الأولى «قمة القاهرة للسلام»، أدانت القيادة السياسية بوضوح كامل، استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين وفي الوقت ذاته، عبّرت عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجًا على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطيني، في قطاع غزة يفرض عليهم عقاب جماعي وحصار وتجويع وضغوط عنيفة للتهجير القسري في ممارسات نبذها العالم المتحضر الذي أبرم الاتفاقيات، وأسس القانون الدولي.
في القمة الثانية التي عُقدت في الرابع من شهر مارس 2025، سلّط الرئيس عبدالفتاح السيسي الضوء على ما يدور في قطاع غزة، قائلاً: «إن ذاكرة الإنسانية ستتوقف طويلا، أمام ما حدث فى غزة، لتسجل كيف خسرت الإنسانية قاطبة، وكيف خلف العدوان على غزة، وصمة عار فى تاريخ البشرية، عنوانها: "نشر الكراهية وانعدام الإنسانية، وغياب العدالة"».
كما تطرق في كلمته إلى معاهدة السلام المُوقعة مع إسرائيل: «لننظر إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التى تم التوصل إليها بوساطة أمريكية عام 1979، كنموذج يحتذى به، لتحويل حالة العداء والحرب والرغبة فى الانتقام.. إلى سلام دائم، وعلاقات دبلوماسية متبادلة».
لكل هذه الجهود أبعاد واضحة، حددها عدد من الخبراء، إذ يقول الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن تحرك القيادة السياسية المصرية والدبلوماسية المصرية كان تحركاً آنياً وفي وقته، حيث عقدت القاهرة القمة الأولى بعد أسابيع قليلة من العدوان الإسرائيلي على غزة، وكان الهدف منها خطوط حمراء واضحة أمام عملية العدوان وأهدافها الخفية في تصفية القضية الفلسطينية.
وفق ما رواه «سلامة» لـ «النهار»، كانت مصر حاضرة بقوة إدراكاً منها بالمسئولية التاريخية وحرصها على عدم تصفية القضية الفلسطينية، إذ كانت القمة الأولى باكورة التحركات الدبلوماسية مع زعماء العالم والأطراف الدولية خاصة الطرف المؤثر وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت نتائجها التوصل إلى هدنة بين الطرفين والإفراج عن عدد من الأسرى والمحتجزين، ثم توالت الجهود: «في كل مرة نُفاجئ برفض إسرائيلي غير مباشر من خلال فتح جبهات قتال جديدة ورفض الحلول السياسية المستندة على الأعراف والقوانين الدولية.. رغم ذلك المفاوض المصري ظل حريصا على مداومة الاتصال والتحركات الحثيثة».
يرى الدكتور حسن سلامة، أن تبني مصر لخطة بديلة للمخطات الأمريكية التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، أمر يُثبت أن مصر ليست دولة أقوال بل أفعال من خلال بلورة رؤية بديلة وواقعية تراعي حقوق الشعب الفلسطيني ولا تخالف القانون الدولي وتدعم صون الأمن القومي العربي.
من جانبه، أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والمحلل السياسي الفلسطيني، أن القمة العربية غير العادية التي عُقدت بطلب من دولة فلسطين، أتت في ظروف تعاني فيها القضية الفلسطينية من الإجرام الإسرائيلي، إلا أن القاهرة أصرت خلال فترة الحرب على غزة بالتأكيد على عدة ثوابت أولاً لا تهجير لسكان قطاع غزة ولن تُدار غزة وفلسطين إلا من قِبل الفلسطينيين، وضرورة قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو.
لم تكتف مصر بذلك فمنذ الأيام الأولى للحرب، أكدت على ضرورة أن يكون هناك حل عادل للقضية الفلسطيية يفضي إلى قيام دولة فلسطينية وأن حل هذه الحرب لا يكون بعملية القتل التي يقوم بها الاحتلال، ففي الأيام الأولى للحرب سعت القاهرة لعقد قمة للسلام لطرح القضية الفلسطينية لمناقشتها من قِبل العالم، حسبما أكده «الرقب» لـ «النهار»، قائلاً: «هو توضيح لما يتعرض له الشعب الفلسطيني وخلال القمة أعدت القاهرة خطة كاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، ووضعت شروط التعمير على أن يكون بلا تهجير ووضعت خطة متدرجة على مراحل الأولى مدتها 6 أشهر ثم الثانية عامين حتى عودة الحياة بشكل كامل لقطاع غزة خلال فترة لا تتجاوز 3 سنوات.