النهار
السبت 1 فبراير 2025 10:50 مـ 3 شعبان 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
محافظ الغربية: كورنيش المحلة الجديد سيكون المتنفس الحضاري داخل المدينة الصناعية جامعة المنصورة تنظّم زيارة لأبنائها من ذوي الهمم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هل الأقساط الطويلة تهدد سوق إعادة بيع العقارات؟.. خبير عقاري يوضح اتليتكو مدريد يفوز على ريال مايوركا 2-0 ريال مدريد بالقوة الضاربة ضد اسبانيول في الدوري الأسباني عبد الرحمن البلوشي لـ ريهام الصيرفي: الإمارات تحتل المرتبة الثانية في الإستثمار العقاري تحدي الصعاب.. رحلة بين الحقيقة و الخيال في راويات ايهاب ملاك مع ريهام الصيرفي بعد تأجيل الجلسة.. تفاصيل مذكرة دفاع محمد سامي في قضية مركز الصيانة: توقيع أقصى عقوبة نسير في الاتجاه الصحيح.. محمد صلاح يتحدث عن هدفه مع ليفربول هذا الموسم أرزة على خمسة منصات عالمية في أمريكا الشمالية.. الثلاثاء المقبل أنوسة كوتة: بنستعد لمفاجاة كبيرة لعمرو دياب وتامر حسني من الحان محمد رحيم وائل جسار يحتفل بعيد الحب بأغنية ”100 إحساس جديد”

عربي ودولي

علي هامش مشاركته في اعمال معرض القاهرة الدولي للكتاب

الباحث الدكتور السيد رشاد يحلل للنهار عن كتابه جمال حمدان خبيئة مصر :

الكاتب الكبير الدكتور السيد رشاد مؤلف الكتاب
الكاتب الكبير الدكتور السيد رشاد مؤلف الكتاب

- جمال حمدان خبيئة مصر:

- أمريكا على حافة الانزلاق النهائى

- أبعاد معادلة القضاء على المشروع الصهيونى

وراءنا "ماض " نفخر به ..ونحيا "حاضرا" نسعى إلى أن يكون مانبتغيه ..لكن أمامنا " مستقبل "لابد أن نعبر إليه .. بهذه العبارة شديدة الدلالة ،والتى تلخص الحالة المصرية أوضح ما يكون ..يبدأ الكاتب د. السيد رشاد برى كتابه "جمال حمدان ..خبيئة مصر "الذى صدر حديثا عن مركز الحضارة العربية برئاسة المفكر والناشر /على عبد الحميد ،وافتتحه مؤلفه باهداء موجع للراحل العظيم جمال حمدان هو فى حقيقته اعتذار عن خطيئة أجيال متعاقبة فى حق هذا العبقرى المتفرد ..والذى يقول فيه :" الى د. جمال حمدان ..

لقد خذلناك بقدر ما أنصفتك " الجغرافيا"..وأسأنا الى أنفسنا بتجاهل أفكارك .. بقدر ما خلدك التاريخ .. فسامحنا وأنت فى "عالمك البعيد"..وبتقليب أوراق الكتاب، الذى يضم ستة فصول ،سنجد المؤلف يفاجئنا بعنونة الفصول باسم مغاير للنمط التقليدى حيث يستبدل كلمة "فصل " بلفظ " ملمح " ..ربما ليقول لنا مبكرا هذا كتاب غير تقليدى ..لأنه يقترب من ملامح المشروع الفكرى والانسانى لعبقرية مصرية وعربية وانسانية غير تقليدية هو " جمال حمدان "الذى يعلن المؤلف انحيازه التام لمشروعه من خلال تقديم مجموعة من الاستشهادات المنتقاة بعناية دلالية فائقة حسب الموضع التى توضع فيه ، ليفتتح بها مداخل الفصول ..وفى السياق ذاته اختار لمقدمة الكتاب ،عنوان " بدء "والتى يقول د. السيد رشاد فيها:" حينما لخص أحد أجداده من المصريين القدماء قبل سبعة آلاف عام جوهر الحكمة قائلا: كن كاتبا فالكاتب سيد نفسه ، كان بناء عظيما ، وعندما نجح أحد آبائه من المكتشفين العرب، نهاية الألفية الأولى من الميلاد ، فى فصل الوهم عن الحقيقة ، ورسم أول خارطة لموانئ الأرض التى تحدثت عنها مغامرات السندباد كان بناء عظيما .. وها هو"خبيئة مصر".. والتجسيد الحى والمبهر لتفرد جيناتها الإبداعية المتراكمة عبر آلاف السنين..وبشارتها العبقرية للأمة والإنسانية " د. جمال حمدان"؛ يواصل فى الألفية الثانية بعد الميلاد مسيرة أجداده من البنائين العظام ، باعتبار مشروعه الفكرى - ان لم يكن الأهم-فهو واحد من أهم ركائز الفكر الاستراتيجى لأمته المصرية والعربية، بل الانسانية كلها فى هذا العصر ..

حيث قرر، مبكرا ، الانحياز الى الاختيار الصعب ...فاختار الجلوس فوق جسر معلق فى المسافة بين الجغرافيا والتاريخ، والسياسة والاقتصاد، والفلسفة والشعر والموسيقى والرسم، مجسدا بحق تلك الخصوصية المصرية المتفردة .. " الوحدة فى التنوع " فتوجته "جغرافيا الحياة " ملكا لها بلا نظير، ودون جدال ، وأصبحت مصر لديه المعادل الموضوعى لوجوده ، وأوقف مشروعه الانسانى ونبوغه العلمى عليها..فصار موقدا لضوئها حتى فى أحلك لحظات تراجعها وعزلتها، واستغنى بها "وحدها" عماعداها حتى نفسه ،فصارت له" وحده" وطنا فى عزلته.. يشعله ويشتعل فيه ، لكى يضئ لنا طريق التأمل.

تحاور معها ، لتحمله على خاصرة نيلها وتبوح له بأسرارعبقريتها وهى فى ذلك كله تحمله مسئولية تحريضنا، بعبقرية رؤاه وأفكاره و ابداعاته، على اكتشاف خارطة "موقعنا " وجوهر "موضعنا "..والأهم أن يمنحنا حلما لا يملك "أحد"، من أعداء الداخل والخارج ، أن يمنعه مهما احتشد واقعنا بالارتباك أو الاختلال أو الجحود أوالظلم ،أو الفساد، أوأحاطت بنا أو انهمرت علينا موبقات تكريس التخلف ،والظلامية،والتبعية والافقار..وتداعيات الأطماع من هنا وهناك فى الأرض والدور والمكانة والحضارة وحتى التاريخ ..على قساوتها.. وفداحة أثمانها.

واذا كان الرحيل المبكر لم يسمح له أن يصبح " بيرون " ليشهر سيف الكفاح ولا يغمده قبل أن يرى، بعينيه،"الظلام " الذى جثم طويلا ولايزال فوق الوطن مضرجا؛ ولم يترك له الأفق المستبد أن يقف مثل "شيلي" ويغنى مع الصباح أناشيد الخلاص من "الظلم " ، فيكفيه شرفا أنه ، رغم روحة الجريحة، ظل ، حتى اللحظة الأخيرة ، ممسكا بقلمه .. مقاتلا.. يفجر بكل حرف يكتبه , غضب الوعى والتنوير فى بحيرة أمته الراكدة، حتى لو ارتدت الحروف أحجارا ورصاصات وحرائق إلى صدره.. ادراكا منه أن دوره الحقيقى هو نقل فعل الحركة والحلم إلى الانسان المصرى، من خلال جرأة امتلاك الخروج على الجمود والعدمية، ورفض انطفاء الآمال مهما كانت الإحباطات، والأهم استشراف آفاق المستقبل، بدليل أنه بشر قبل رحيله بثورة الشعب المصرى ضد حكامه الفاسدين والطغاة، وهو ماحدث بالضبط بعد ذلك فى ثورة 25 ينايروتوابعها، فى مصر.. وكان لابد أن يدفع ثمن سباحته ضد تيارالانهيار السائد , من أجل رفعة وطنه وأمته ،ومواجهته ثقافة التفاهات والنفاق والتسلق..ومعارك الفساد والعدمية والأهداف الصغيرة و المصالح الرخيصة..فأصبح ، طوال الرحلة النفيسة ،هدفا لكثير من الأحقاد والمؤامرات التى بدأت بطرده من الجامعة.... واستمرت حتى بعد رحيله بتجاهل آرائه وأفكاره من "صغار" ربما خافوا قامته، أو التنكر لعبقريته من "جاحدين" لم يدركوا خطورة جحودهم على مستقبل هذا الوطن، أو فى أحسن الظروف، "نسيان منجزه " من ذاكرة جمعية أصبحت "مثقوبة" بفعل عشرات التداعيات السلبية التى عمقت ثقوبها وزادتها اتساعاً و مسخت وشوهت الجوهر الحقيقى للإنسان المصرى وانحرفت بقيمه وسلوكياته.

انها أزمة التفوق والنبوغ والعبقرية حين تصطدم بما حولها من نكران وجحود، في مجتمع مثقل بجبال من القيم السلبية والرديئة والمتخلفة .

ويواصل المؤلف قائلا :إن إحياء " مشروع جمال حمدان " فى مصر والعالمين العربى والاسلامى هو الواجب الثقافى (المقدس) الذى غفل عنه الكثيرون - باستثناءات محدودة، محترمة- ربما لمشقته، أو لصعوبة البحث فيه..رغم أنه من أهم المرجعيات الحقيقية لذاتنا الثقافية ،وأبرز مقومات وجودنا الحضارى، وقدرتنا فى المستقبل على مواجهة تداعيات مخططات تجريف هويتنا الثقافية والحضارية التى تتعرض لهجمات شرسة فى ظل ما يسمى بـ "مسخ العولمة" ..ومن الخطورة بمكان أن تنسى الأجيال المعاصرة، أو يتم تغييبها عمداً عن "مشروع جمال حمدان " القدوة والنموذج "، فتتخلى الأمة شيئا فشيئا عن موروثها الحضارى وخصوصيتها الثقافية ، أو تتركه يذبل ويندثر مع مرور الوقت ، فتنشأ أجيال متتابعة على فراغ قيمى وحضارى هائل ، تشغله على الفور قيم وتشوهات العولمة الاستهلاكية الشائهة التى تجتاح فى طريقها أى شئ، وكل شئ من أجل هدف واحد هو الهيمنة الثقافية ، وتفتيت أمتنا - راجعوا مخطط الشرق الأوسط الجديد ..وغيره - الى جزر من المرايا المكسورة لا تعكس سوى الفوضى والتشوهات والتشرذمات ، بل أخشى من يوم- أراه قريبا - تنهار فيه كل الصروح التى شيدنا على أسسها كرامتنا، وفجرنا بين طياتها نهر إنسانيتنا وحضارتنا .. ذلك النهر الذى مهما كان عظيما وقويا لا يحيا ولا يستمر إلا باستعادة إرادة تجاوز المحدود والعبثى إلى المطلق والجاد ، أخشى من اليوم الذى ينتزع فيه من الضمير الإنسانى ماتبقى من هالتنا الحضارية المقدسة وأساطيرنا الفكرية التى شيدناها، استنادا الى خرائط " مشروع حمدان " وأمثاله من التنويريين، فمنحنا خصوبة المعرفة وروافد الخلق والإبداع، وشرعية الحلم، والأهم الوعى بتجاوز" الضرورة العمياء" التى وضع قوانينها "طابور الغرب الخامس" وأقنعوا الباقين زورا ولعقود طويلة بحتميتها المزعومة، فسلموا على نصال الجهل والقهر بالبقاء تحت سلطة تلك الضرورة .

.وإذا كان قد فات علينا تقدير هذا المشروع، وتكريم صاحبه "القيمة والقامة" فى حياته ولم يكن ، باستغنائه ، فى حاجة الينا ..،فنحن الآن فى أشد الحاجة الي الاقتراب منه وتأمل مشروعه بعد رحيله.

وتحاول هذه الأوراق، قدر ما سمح به الجهد وضغوط الوقت ، مجرد الاقتراب من ملامح مشروع "د. جمال حمدان "الفكرى - الإنسانى، دون أى ادعاء بالإحاطة الشاملة لمعطيات هذا المشروع، الذى يحتاج الى آلاف الدراسات والأبحاث بما يليق بضخامته وعمقه واتساع روافده وخصوصيته.. وفرادة وعبقرية صاحبه .. وهى محاولة للفت انتباه..وإثارة وعى الأجيال الحالية والقادمة، عبر ملامح هذا المشروع،الى فكرة القدوة فى أرقى، وأسمى ،وأزهى سماتها، ممثلة فى "جمال حمدان" .. وهى أيضا بهذا المفهوم رسالة الى القائمين على أمر هذه الأمة باعادة قراءة افكاره ..واتخاذ تحذيراته على محمل الجد، وتأمل رؤاه واطروحاته، ودراسة حلوله وآلياته للمزمن والطارئ من مشكلاتنا وأزماتنا ..والأهم تدريس كتبه ومؤلفاته وفى مقدمتها رائعته الموسوعية" شخصية مصر " فى مدارسنا وجامعاتنا كخطوة حقيقية وجادة نحو اصلاح مناهجنا التعليمية ..

وفى ختام مقدمته يوجه د. السيد رشاد برى رسالة أراها شديدة الأهمية والخطورة ،لأنها تستهدف منطقة الوعى الجمعى العام من ناحية ..والضمير الوطنى العام من ناحية أخرى..حيث يقول : "يبقى التأكيدعلى أن مستقبل أمتنا و مكانتها بين الأمم قضية مصير مرهونة بموقع و قيمة العلم والمعرفة والابداع والفكر فى أولويات منظومة القيم الأساسية لها، وهى الحقيقة التى أدركها أعظم قائد عسكرى فى التاريخ" الإسكندر الأكبر" عندما قال"لا أزال أفضّل أن تكون لي قوة العلم لا قوة السلاح".. وألقاها صريحة ، جارحة في وجه الأمة العربية المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد حينما قال: "الزمان معركتنا والمعرفة سلاحنا"، وهى الحقيقة ذاتها التى يبدو أننا عاجزون أو رافضون ادراكها حتى الآن.

فيأيها الناهبون،الغاصبون،الطامعون.. تجار الوطن.. أخبروا بطونكم بأنه لم يعد فى هذا الوطن أشلاء لكى تنهش ، وأيها الحاقدون، الدخلاء،الظلاميون،الخائنون ..أعداءأنفسكم والوطن.. لكم عيونكم الرمداء التى لا ترى إلافى مرآة مصالحها الصدئة، لكم خواؤكم، ورماد الموقد، ولنا "جمال حمدان" موقد النور ..وخبيئة الوطن.

وفى هذا السياق يقدم الملمح الأول ، الذى جاء بعنوان "موقد الضوء .. ملمح انسانى "بلغة أقرب الى الشاعرية ..قراءة فى مسيرة د. جمال حمدان منذ ارهاصات ولادته فى الرابع من فبراير 1928.. حيث حط كسهم بارق فوق فرن ساخن بقرية "ناي" بمحافظة القليوبية فى جنوب دلتا النيل، التى يقول عنها ياقوت الحموي في معجم بلدانه انها من أعيان قرىمصر..وحتى رحيله ويا للغرابة محترقا أيضا بنيران البوتجاز فى السابع عشر من إبريل 1993م كما تقول الرواية الرسمية التى كذبها العديد من أشقائه وأصدقائه متهمين الموساد الاسرائيلى بقتله ..لكن هل يموت من عاش العلم والوطنية معا.. كأنهما أبد!!

..فيما يتناول الكاتب فى الملمح الثانى الذى وضع له عنوان " الفكر الاستراتيجى واستشراف المستقبل،قضية التفكرالاستراتيجى واستشراف المستقبل كأبرز سمات مشروع حمدان

ومع أن ما كتبه" جمال حمدان" قد نال بعد رحيله بعضا من الاهتمام الذي يستحقه، إلا أن المهتمين بفكره، صبوا جهدهم على شرح وتوضيح عبقريته الجغرافية فقط، متجاهلين في ذلك ألمع ما في فكر" حمدان "، وهو قدرته على التفكير الاستراتيجي. ولذا فان" جمال حمدان"، عاني مثل أنداده من كبار المفكرين الاستراتيجيين في العالم، من عدم قدرة المجتمع المحيط بهم على استيعاب ما ينتجونه، إذ أنه غالبا ما يكون رؤية سابقة لعصرها بسنوات وربما عقود، وهنا يصبح عنصر الزمن هو الفيصل للحكم على مدى عبقرية هؤلاء الاستراتيجيين.

وإذا ما طبقنا هذا المعيار الزمني على فكر "جمال حمدان"، سنفاجأ بان هذا الاستراتيجي كان يمتلك قدرة ثاقبة على استشراف المستقبل متسلحا في ذلك بفهم عميق لحقائق التاريخ ووعي متميز بوقائع الحاضر، فقد تنبأ بمشاكل المياة بوادى النيل حيث كتب يقول :" مصر اليوم إما أن تحوز القوة أو تنقرض. إما القوة وإما الموت، فإذا لم تصبح مصر قوة عظمى تسود المنطقة فسوف يتداعى عليها الجميع يومـاً ما كالقصعة: أعداء، وأشقّاء، وأصدقاء، أقربون وأبعدون».

كماأدرك جمال حمدان مخاطر الشحّ المائي الناتج عن الاستراتيجية الجديدة لدول منابع النيل ففي مذكِّراته قال : «من المتغيِّرات الخطرة التي تضرب في صميم الوجود المصري، ليس فقط من حيث المكانة لكن المكان نفسه، أنه لأول مرة يظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيـاً (مائيـاً)».

«كانت مصر سيدة النيل، بل ملكة النيل الوحيدة. الآن انتهى هذا، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص. والمستقبل أسود، ولّت أيام الغرق بالماء، وبدأت أيام الجفاف من الماء، لا كخطر طارئ بل دائم ..»الجفاف المستديم بعد الري المستديم».

تنبؤات وكأنها كانت حين تسطيرها قبل نيِّف وعشرين عامـاً قراءة في كتاب المستقبل. فالجميع يتداعون ضد مصر الآن تمامـاً مثل «القصعة»، في حين حاولت دول حوض وادي النيل فرض الاتفاقية الإطارية الجديدة لحوض النيل، التي وقَّعت عليها الدول المعنية، باستثناء مصر.

وبحصافته وبُعد نظره، نبَّه د. جمال حمدان إلى مكمن الخطر، بعد أن رأى أن النظام المصري لا يستطيع دفع فاتورة احتباس حصة مصر من مياه النهر؛ لأنه يحكم بذلك على نفسه وعلى الشعب المصري كله بالإعدام.

وها هي دولة قريبة" اثيوبيا" تبني سد «النهضة» وتخطِّط لإقامة عدة سدود أخرى على النيل الأزرق بهدف حجز الطمي خلف هذه السدود لتخفيف الإطماء على السدّ الحدودي الضخم، وسيكون خلف كل سدّ بحيرة بما سيصل بمجموع المياه المحتجزة خلف هذه السدود إلى نحو 200 مليار متر مكعب، ولتذهب مصر والسودان إلى جحيم الموت عطشـاً.

ومن الأخطار المهمة للسدّ حرمان مصر من مياه الفيضان والتي ستستأثر بها إثيوبيا وحدها من خلال السدود الأربعة من النيل الأزرق والذي لا يزيد تصريفه على 48 مليار متر مكعب سنويـاً، وبالتالي ستصل إلى مصر والسودان حصتاهما منقوصتين من مياه النيل على مدار العام.

إن الدور المصري في بُعده الإفريقي مهدَّد أيضـاً؛ لأنه يتعرض اليوم لتحدِّيات هي الأولى من نوعها في تاريخ أرض الكنانة؛ إذ تتحرك دول منبع النيل لتقليص حصة مصر من مياه النهر، الأمر الذي يعني خنق الاقتصاد المصري عطشـاً، وتحويل مصر من قوة زراعية - صناعية إلى اقتصاد خدمات، أي اقتصاد ريعي - سياحي يتناقض تمامـاً مع طبيعة الاقتصاد المصري التاريخية.

ويلفت" حمدان" نظرنا إلى أن "‏الولايات المتحدة تصارع الآن للبقاء على القمة، ولكن الانحدار لأقدامها سارٍ وصارمٍ والانكشاف العام تم، الانزلاق النهائي قريب جدًا في انتظار أي ضربة من المنافسين الجدد ـ أوروبا، ألمانيا، اليابان‏"‏‏. وتوقع "أن ما كان يقال عن ألمانيا واليابان استراتيجيًا سيقال عن أمريكا قريبًا، ولكن بالمعكوس، فألمانيا واليابان عملاق اقتصادي وقزم سياسي - كما قيل - بينما تتحول أمريكا تدريجيًا إلى عملاق سياسي وقزم اقتصادي‏"‏‏ وتلك الرؤية تبدو في طريقها إلى التحقق - ولو ببطء - وتدل على ذلك الآلاف من حالات الإفلاس والركود الذي يعاني من الاقتصاد الأمريكي.

هذه القدرة على استشراف المستقبل تبدو واضحة أيضا، في توقع جمال حمدان لسعي الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامي، حيث أكد انه "بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتي، أصبح العالم الإسلامي هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد‏.‏ وإلى هنا لا جديد‏.‏ الجديد هو أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه ليكوّن جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامي والإسلام، باعتبارهما العدو المشترك للاثنين، بل لن يجد الغرب مشقة في هذا، ولن يحتاج الأمر إلى استدراج‏:‏ سيأتي الشرق الشيوعي القديم ليلقي بنفسه في معسكر الغرب الموحد ضد الإسلام والعالم الإسلامي‏"، وهو ما تحقق بالفعل، حيث وضع صموئيل هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات" الخطوط الفكرية العريضة لهذا الحلف، فيما يخوض المحافظون الجدد في واشنطن غمار معاركه الفعلية، في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب..

فيما يتناول الملمح الثالث الذى جاء تحت عنوان "الناصرية" .. بوصلة مصر..رؤيته لقضايا محيطه الداخلى متمثلا فى ايمانه بناصرية مصر باعتبارها حاصل جمع التاريخ والجغرافيا، وقاعدة انطلاق مصر للمستقبل ..فالناصرية "بوصلة مصر الطبيعية" مع احتفاظ كل مصري بحقه المطلق في رفض عبد الناصر لأن المصري "ناصري قبل الناصرية وبعدها وبدونها"

و يقول عن الفكر الناصرى: " لم تكن الناصرية لغزا أو طلسما أو فلسفة غامضة محلقة معقدة.. ولعلها شعار كبير رنان لمبدأ بسيط أولي وهو " مصر كما ينبغي أن تكون " مصر المثالية.. فالناصرية ببساطة هي مصر العظمى.. وكل مصري طموح يريد صالح مصر قوية عزيزة غنية مستقلة هو ناصري قبل الناصرية وبعدها، وقد دافع د. جمال حمدان بشدة عن دوائر الاهتمام الناصرى الثلاث، وهى : الدائرة الاولى العالم العربى والدائرة الثانية القارة الافريقية والدائرة الثالثة الأوسع العالم الاسلامى ، وأيدها تماما من منطلق أن الاهتمام بهذة الدوائر ناتج عن فهم كبير مستمد من علم الجغرافيا السياسية .

أما الملمح الرابع الذى حمل اسم " معادلة القضاء على الصهيونية"..فقد تناول رؤية د. جمال حمدان للعالم الخارجى متمثلة فى استراتيجيته واضحة المعالم لتفنيد وضحد ومقاومة المشروع الصهيوني.. يعد جمال حمدان واحدا من قلة محدودة للغاية من المثقفين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض من خلال رؤية استراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.

لقد وضع “حمدان" شروطًا للقضاء على الصهيونية في معادلة مفادها: زوال إسرائيل (الكيان الصهيوني) يساوي(الإجرام الصهيوني ) في( مدى ردِّ الفعل العربي تجاه التحدي الصهيوني).

ويرى أن كامب ديفيد كانت تعني "اطلاق يد اسرائيل في فلسطين مقابل اطلاق يد مصر في سيناء" وأن مصر منذ الاتفاقية "لم تعد مستقلة ذات سيادة وانما هي محمية أمريكية تحت الوصاية الاسرائيلية أو العكس محمية اسرائيلية تحت الوصاية الامريكية"•

لقد مثلت كامب ديفيد صدمة قوية ومهولة لجمال حمدان أثرت عليه بعد ذلك وكان لها كبير الأثر فى كتاباته بعد كامب ديفيد فزاد حنقه على السادات وسياساته مثله مثل العديد من الوطنيين الرافضين لكامب ديفيد امثال سعد الدين الشاذلى ومحمد ابراهيم كامل واسماعيل فهمى المستقيلين احتجاجا على الاتفاقية.. وإذا كان الباحث المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري قد نجح من خلال جهد علمي ضخم في تفكيك الأسس الفكرية للصهيونية، فإن جمال حمدان كان سباقا في هدم المقولات الإنثروبولوجية التي تعد أهم أسس المشروع الصهيوني، حيث أثبت ان إسرائيل - كدولة - ظاهرة استعمارية صرفة، قامت على اغتصاب غزاة أجانب لأرض لا علاقة لهم بها دينياً أو تاريخياً أو جنسياً، مشيرا إلى أن هناك "يهوديين" في التاريخ، قدامى ومحدثين، ليس بينهما أية صلة أنثروبولوجية،وبهذا يكون"جمال حمدان" قد استبق الكثيرين من مفكري العالم العربي المحدثين والقدامى في التوصل إلى جوهر فكرة قيام دولة إسرائيل وعنده أن التذرع بقضية عودة الشعب المختار لأرض الموعد لم تكن إلا ذريعة القوى الاستعمارية الرأسمالية في العالم وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الوريث الشرعي للإمبراطوريات الغربية ولاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لإقامة كيان يدافع عن مصالحهم الإمبراطورية كراس حربة تمتد إلى الشرق الأدنى، وهنا كان التلاقي الإيديولوجي بين الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية، ولتصبح إسرائيل من بعد ذلك قاعدة متكاملة آمنة عسكريا، ورأس جسر ثابت استراتيجيا ووكيل عام اقتصاديا أو عميل خاص احتكاريا، " حمدان" نفسه: " إن إسرائيل في كل الأحوال تمثل فاصلا أرضيا يمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها ويمنع وحدتها، وإسفنجة غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها ونزيفا مزمعا في مواردها".

وفى هذا الاطار حذر د.جمال حمدان من الأطماع الصهيونية فى سيناء، فالذي يسيطر على فلسطين يهدد أي خطوط دفاع عن سيناء. والذي يسيطرعلى خط دفاع سيناء يتحكَّم في سيناء. ومن ثم يكون له وحده الحق في التحكُّم في خط دفاع مصر الأخير، وفي السيطرة على الوادي كله، لذا كان محقّاً في قوله «سيناء قدس الأقداس»، بل هي المعبر لمئات الجيوش عبر التاريخ للقيام بالمعارك منذ تحتمس- الذي عَبَرها محارباً 17 مرة- وحتى الآن..، فالنقب هو «سيناء فلسطين»، وسيناء استراتيجيا من دونها تفقد مصر ، هكذا علّمنا" جمال حمدان"، سرّّ الاستراتيجيات وبقاء الدول العظمى،لأن فرص النصر المصري كانت تزداد، كلما كانت المعركة أبعد من قلب الوطن.. فقديماً وفي المتوسط العام كانت معاركنا في رفح أكثر انتصاراً من معاركنا في بيلوزيوم (بورسعيد الآن). مثلاً انتصر قمبيز في بيلوزيوم، فانفتح الطريق أمامه إلى مصر بلا عوائق.. ،واذا تتبعت وصف "حمدان" لسيناء ستشعر بأن غياب العمران عنها حتى الآن ليس هدرا لإمكانية بقعة من أرض مصر فقط، ولكنه اهمال لقلب مصر النابض، لما تتمتع به من مميزات طبيعية، فلديها أطول ساحل فى البلاد بالنسبة إلى مساحتها فى مصر، وهى اقل صحارينا عزلة لكونها مدخل مصر الشرقى. وفى جيلوجيتها الإقليمية تكاد سيناء «تختزل جيلوجية مصر كلها تقريبا»، وبالرغم من أن سيناء منطقة صحراوية أو شبه صحراوية على أفضل الأحوال.. لكنها أغزر مطرا من الصحراوين الشرقية والغربية.

تلك الثروات الطبيعية تنتظر التخطيط الإستراتيجى الواعى الذى يطلق طاقات التعمير، التى تحتاجها مصر على مستوى الاقتصاد والأمن، فبعد درس العدوان الإسرائيلى فى 1967، أصبح ربط سيناء بالوطن الأم.. بديهية أولية للبقاء، و قبيل رحيله، رسم" حمدان" ملامح حلم التعمير السيناوى، حيث تطلع إلى أن يكون الساحل الشمالى غنيا بالزراعة والغربى نشيطا فى مجال التعدين والشرقى فى مجال الرعى، وان تكون قناة السويس مزدوجة ويتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها، وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية..وهكذا يؤكد" د.جمال حمدان " أنه بما لايدع مجالا للشك أن الرد العملى لتلك الاطماع الاسرائيلية وغيرها فى سيناء يكمن فى كلمة واحدة هى «التعمير».

ويطوف الملمح الخامس مع قراءات ورؤى بعض الكتاب عن جمال حمدان ..وفى الختام يقدم الملمح السادس من الكتاب ، الذى يعد اضافة مهمة للمكتبة الثقافية المصرية والعربية .. بخاصة فى هذا التوقيت المفصلى من حياة الأمة ،يقدم بانوراما مختصرة عن سيرة خبيئة مصر" د.جمال حمدان" الذاتية ومؤلفاته .

جدير بالذكر أن كتاب جمال حمدان خبيئة مصريعرض حاليا فى جناح الحضارة العربية بمعرض الكتاب - صالة 4جناح c49.