فيلم ولدت مشهورًا… حلم الاستقلال بنزعة كوميدية ساخرة
في كثير من الأحيان تساعدنا الكوميديا الساخرة بكل سلاسة في الإشارة بجرأة إلى عيوب المجتمعات التي تؤثر بشكل أو بآخر على جميع مناحي حياتنا، وهذا ما استخدمه المخرج لؤي عواد ليبني به عالم فيلمه القصير الأحدث "ولدت مشهورًا" الذي يوجه نقدًا كوميديا في شكله ولاذاعًا في مضمونه للقيود المجتمعية المتهالكة المفروضة في فلسطين بشكل خاص والبلاد العربية بشكل عام.
يبدأ فيلم ولدت مشهورًا، الذي يحظى بعرضه الأول بالعالم العربي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (13 - 22 نوفمبر) ضمن برنامج أضواء على السينما الفلسطينية، بإرساء قواعد العالم الذي يعيش فيه كامل الشاب البالغ من العمر 25 عامًا، حيث لا يحظى بأي قدر ولو ضئيل من الخصوصية سواء في شوارع بلدته الصغيرة، في بيته، أو حتى داخل غرفة النوم التي يتقاسمها مع أخيه الصغير والتي تفتقر جدرانها وأركانها إلى أي دليل على وجود شاب تخطى العشرينات من عمره بها، حيث تغطيها أغراض أخيه ويبدو هو وكأنه نزيل اقترب موعد انتهاء إقامته.
يرسم لؤي خلال النصف الأول من الفيلم ملامح يوم عادي في حياة كامل، الذي تتبعه في كل مكان أعين الناس وأسئلتهم وتدخلاتهم الميكروسكوبية على تفاصيل حياته وحياة عائلته وأخبارها، حتى أنه يستخدم كاميرات المراقبة الموجودة بشكل طبيعي ومنطقي على مخارج أغلب المحال التجارية لتعمل كأدوات تجسس تحاول هي الأخرى التلصص على كامل للحصول على نصيبها من "النميمة".
تدفع تلك البيئة بكامل للوصول إلى القرار الذي يدور حوله النصف الثاني من الفيلم، وهو الرغبة في الاستقلال المعيشي سعيًا وراء بعض الخصوصية والإحساس بالذات، وهو بالطبع الأمر الذي قوبل بالرفض من والديه؛ ومن جميع أصحاب الشقق التي حاول استئجارها لحظة علمهم أنه يريدها للسكن بمفرده دون زواج، لأن بالنسبة لهم لا يوجد إثمًا أكبر من ذلك!
لا يكف كامل طوال الفيلم عن محاولة الإفلات من الحصار الذي يمارسه عليه القريب والبعيد، سواء في شكله الأعم المتمثل في جدار الفصل العنصري الذي يبلغ ارتفاعه 9 أمتار، والذي لا يحتاج لؤي للإشارة إليه لنعلم بوجوده، أو في شكله الخاص المتمثل في صاحب السوبر ماركت، وأصدقاء والده المارين في الشارع، ومديره بالعمل، أو الفتاة التي تربطه بها معرفة بعيدة جدًا لكنها تنقل إلى والدته اسم الدواء المسكّن الذي ابتاعه من الصيدلية التي تعمل بها، ووالديه اللذين لا يمنحنه مساحته الشخصية حتى داخل حمّام المنزل.
يحاول لؤي عواد من خلال رحلة كامل بطبعها الكوميدي استعادة قصص الشباب الفلسطينيين الذين يعيشون في القرن الواحد والعشرين، فخلف العناوين الرئيسية التي تتناول الحرب والدمار في الصحف وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، يوجد شباب وشابات فلسطينيين يحاولون العيش والفكاك من القيود المُمارسة عليهم كجزء من المجتمع العربي الذي تحكمه عادات وتقاليد قد عفى عليها ألف زمن. أراد لؤي استعادة الرواية الفلسطينية المعاصرة بعيدًا عن حصر ملايين البشر داخل أخبار الاحتلال الإسرائيلي، وممارسة احتلال فكري يسلب منهم الحق في امتلاك أحلام وطموحات شخصية تنتمي بشكل مباشر أو غير مباشر لحلم الاستقلال الكبير.