معارض السلاح ومعارض الكتاب.. التأسيس لتغيرات جغرافية
لم يكن ينتهي عام 2024 الا ولاحظنا تغييرات على المستوى الثقافي العالمي بالكثير من الدول، حيث تم إقامة العديد من المعارض العسكرية لأبراز التقدم العلمي والتكنولوجي في تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية. ليتسنى لكل دولة ابتكاراتها في مجالات الدفاع والحرب التكنولوجية المختلفة.
المتتبع لسير الأحداث السياسية ولما لها من تداعيات على الجانب الثقافي والانساني سيجد تقدم ملحوظ في مجالات التصنيع العسكري، على نقيض تراجع الدور الثقافي المتمثل في معارض الكتاب المختلفة. حيث أصبح الأقبال والاهتمام يزداد على التكنولوجيا العسكرية نظير الاحداث التي تعصف بالعالم واهمها الصراع الروسي الأوكراني والفلسطيني الأسرائيلي وايضاً الصيني التايواني، في ظل وجود تحلفات عسكرية موجودة وجديدة يعاد تشكيلها من جديد، الأمر الذي ينذر بصراح جيوسياسي جديد في المنطقة.
الثقافة والحرب نقيضان، لا يتلاقى كل منهما الا نادراً، فالثقافة نقيض التعصب والقتال، فالقدرة على حل النزاعات اي كان نوعها بشكل سياسي انساني لا يندرج تحت مفهوم القوة وفرض السيطرة.
وفي ظل وجود نزاعات اغلبها كان مؤجل منذ عقود ليعاد ايقاظها من جديد في ظل صراع على المقدرات الأستراتيجية والطاقة والمادة الخام، فهو في النهاية صراع اقتصادي.
تلك النزاعات يمكن تقسيمها على حدا؛ النزاع الروسي الأوركراني: هو صراع على نفوذ، فمحاولة اوكرانيا على الأنضمام للناتو يخرق اتفاق روسيا مع الولايات المتحدة والأتحاد الاوروبي في عدم اقامة اي قواعد عسكرية تهدد امن روسيا، وبالتالي فأن النزاع الحالي هو نزاع على السيادة والأستقلال، يمكن حله على طاولة حوار، ولكن للقضية ابعاد أخرى لأوروبا والولايات المتحدة.
النزاع الفلسطيني الإسرائيلي: وهي قضية مثارة منذ 48، يمكن فهم ملابساتها من خلال سياقات التاريخ وحده، من اول الحرب العالمية الثانية وهجرة اليهود الاوروبين من مناطق النزاع لفلسطين واستعمارها، حتى قبلها لمرحلة التأسيس للدولة اليهودية والتي كان مقرر لها في بداية الأمر ان تقم اما في اوغندا او جنوب افريقيا او فلسطين، وكل تلك المعلومات من خلال المؤسسين لدولة الأحتلال انفسهم في كتبهم، امثال بن جوريون وهرتزل، ولكن بعد التأجيل الكبير والصراعات العديدة في المنطقة، وتخطي حاجز الزمن يطرح بعض المفكرين حلول من شأنها عدم ظلم اصحاب الأرض في ظل وجود اجيال يهودية ولدت بفلسطين مؤدلجة بفكرة انها أراضيهم فعلاً.
طه حسين كمفكر مصري عربي كان له جانب اجرائي اكثر، حيث اشرف على رسالة ماجستير لأسرائيل ولفستون اليهودي الأسرائيلي عن رسالة "كعب الأحبار واثره في التفسير" وايضاً العديد من الأبحاث التي لها بُعد ثقافي كان ينبغي استغلاله بالشكل المناسب، فوجود محتل مؤدلج من السهل تحييده ان لم يكن اقناعه بالحقيقة، لطرح وجهه نظر مخالفة لما اعتاده ليتحول لسفير للفكر العربي في دولة الاحتلال من الداخل نفسه، وهذا كفيل بحل النزاع من الأساس.
ولكن غياب لغة الخطاب للأخر ومحاولة فهمه أولاً هي المسيطرة في ظل وجود بعض الجماعات المتعصبة لأفكار معينة استخدمت الدين في غير محله، بل وطرحت وجهه نظر عالمية عن الدين الأسلامي اتاحت لمنظمات يهودية التشعب والسيطرة على صناعة القرار الدولي وبالاخص في اوروبا وامريكا وحالياً في بعض دول شرق اسيا.
النزاع الصيني التايوني: لا يختلف كثيراً عن النزاع الروسي الاوكراني، فتايوان تاريخياً تابعة للصين، ولكن احتراماً لقرار شعبها بالأنفصال اصبح الموضوع أمر واقع، لذا فأي تدخل غربي او امريكي بأقامة اي تحالفات عسكرية هو تهديد لأمن ومصالح الصين، كما هو الحال في روسيا، وكما يتكرر في الكوريتان.
الحقيقة ان تلك النزاعات للأسف توضح مدى غياب الوعي والثقافة، وعدم استطاعة العولمة لنشر الأيدولوجيات المختلفة، بل نقلت كل ما هو مادي ترف وتركت كل ما هو ثقافي بناء.
معارض الكتاب المقامة في 2024
وان كانت مصر قد استطاعت فرض ثقافتها من خلال الأدب والفن والمعارض الثقافية في مختلف المجالات، الا انها عجزت ولو بشكل بسيط عن فهم واستيعاب خطاب الأخر، وفي جعل الثقافة تبادلية لخلق نتائج على ارض الواقع. مصر استطاعت التأثير في الدول العربية، ولكنها عجزت عن مخاطبة المجتمع الغربي، نظراً لضيق افقها، ولا اقصد هنا النظام السياسي بل نخبة المثقفين، حيث انهم – من المفترض – المحركين لسياقات التاريخ، وذلك بحسب روية اكبر المفكرين الأجتماعيين في العالم.
الأزمة ليست في طريقها للأنقشاع، بل أخذه في التشابك والتصعيد، وبتوقع أحسن الأحوال سيتم تأجيل النزاعات لوقت لاحق، ولكن ستظل لغة الثقافة الداخلية لكل دولة بها نزاع منحصره بداخلها، وهو ما اسميه بالحصار الثقافي والأيدولجي، لما لها القدرة – الدولة صاحبة الحق في النزاع – من اقناع المؤثرين في صناعة القرار على الصعيد الدولي، فبالتالي لن يتفهم الأخر ضرورة الحل، بل سيرجئه وسيحوله لنصر مزعوم امام المجتمع الدولي وشعبه!
تفعيل دور المعارض الثقافية هو الأهم، وبرامج التبادل الثقافي والأجتماعي، ارساء لغة حوار مشتركة، قائمة على التفاهم وتقبل الأخر، الأمر الذي سيمكن هؤلاء من تصدر صناعة القرار وبالتالي تشكيل المجتمع الدولي بمنظماته بشكل حقيقي وليس هزلي كما هو الأن. حيث سيتمكن من إعادة النظر في كافة القوانين الدولية من جديد، وإعادة تشكيل النخب بشكل افضل، ليصبح المثقفون هم القادة وليس تجار السلاح.
المعارض العسكرية المقامة في 2024