حرب أكتوبر في عيون الفن.. تأخر الدراما وإنتاج أفلام تجارية دون المستوى
"الفن مرآة المجتمع" لذا يسعى صناع السينما والدراما دائمًا لتوثيق الأحداث والحروب لتعرفها الأجيال المتلاحقة، وهو ما دفع صناع السينما المصرية لسرعة إنتاج أعمال عن حرب أكتوبر، وتم إنتاج أربعة أفلام في العام التالي مباشرة للانتصار، وهي: "الرصاصة لا تزال في جيبي"، "بدور"، "أبناء الصمت"، و"الوفاء العظيم"، في المقابل؛ تأخرت الدراما في تقديم أول أعمالها التي تناولت الحدث، فصدر مسلسل "دموع في عيون وقحة" عام 1980، وبينما كانت الأفلام تحاول تجسيد انتصار أكتوبر في فترة زمنية قصيرة، استنكر نقاد الفن عدم وصول الأعمال السينمائية والدرامية إلى مستوى يليق بعظمة هذا الانتصار التاريخي، معتبرين أن العديد من الأفلام كانت تجارية ولم تقترب من العمق الفني والاجتماعي الذي يتطلبه مثل هذا الحدث.
قال الناقد سمير الجمل إن التأخر في إنتاج الدراما التي تناولت حرب أكتوبر يعود إلى الفارق في سرعة الإنتاج بين الأفلام والمسلسلات، موضحًا أن الأفلام تركز بسهولة على الجوانب الحربية، فمثلاً يمكن لمشهد معركة من عشر دقائق أن يعطي انطباعاً كافياً عن الحرب، بينما يتطلب المسلسل تناول الجوانب الحربية الاجتماعية بشكل أكبر، مما يعقد العملية ويؤدي إلى تأخر ظهور الأعمال الدرامية المرتبطة بالحرب.
ويرى أن الأعمال الحربية التي ظهرت بعد حرب أكتوبر مباشرة، كانت تركز بشكل أكبر على الجانب الدعائي ولم تتناول تفاصيل الحرب بعمق، بل كانت معالجة سطحية لتسجيل اللحظة دون تقديم جوانب درامية مؤثرة يمكن أن تستمر طويلاً.
وأضاف الجمل أن تقديم الأعمال الحربية، سواء في الأفلام أو المسلسلات، يحتاج إلى وقت من التأمل والبحث لرؤية زوايا جديدة لتناول الحرب، مشيرًا إلى أن الشؤون المعنوية كانت توفر قصصاً عن الجنود لدعم كتّاب السيناريو.
وأوضح أن "أغنية على الممر" و"أبناء الصمت" هما الفيلمين الذين نجحا في توثيق معاناة الشعب والجيش قبل الحرب، وهو ما أضفى عليهما قيمة فنية كبيرة وربط بين المعارك والحياة الاجتماعية، ما ساهم في نجاحهما.
وأكد الجمل أنه رغم مرور 51 عاماً على الحرب، ما زالت هناك العديد من القصص غير المُتناولة، مثل حكايات المهاجرين من مدن القناة ومعاناتهم، مشددًا على ضرورة تقديم عمل فني شامل عن حرب أكتوبر يتناول الجوانب الاجتماعية والحربية، وذلك حتى لا تنسى الأجيال الصاعدة ما حدث في الماضي.
واستنكرت الناقدة ماجدة خيرالله إصدار أربعة أفلام عن حرب أكتوبر في عام واحد، ما أثر على جودتها، قائلة: كان من الأفضل الانتظار لجمع معلومات كافية تنتج عمل فني يليق بالانتصار.
وأشارت إلى أن أفلام مثل "بدور" و"الوفاء العظيم" لم تكن مرتبطة بالحدث الحربي، ولكن أثناء تصويرها وقعت الحرب فتم إدخال مشاهد حربية فيها خلال التصوير، معتبرة أن أفضل الأفلام التي خرجت في العام الأول بعد الحرب هو "الرصاصة لا تزال في جيبي"، بينما بقية الأفلام لم تكن على مستوى عظمة انتصار أكتوبر.
واعتبرت خيرالله أن فيلمي "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"العمر لحظة" حققا نجاحاً نسبياً، أما الفيلم الأبرز هو "أغنية على الممر"، رغم أنه ليس عن حرب أكتوبر، لكنه تميز بمشاعر إنسانية عميقة وجذب انتباه الجمهور، مؤكدة أنه حتى الآن لم يتم إنتاج فيلم يرقى إلى مستوى وقيمة انتصار حرب أكتوبر.
ولفت الناقد السينمائي محمود قاسم إلى أن الجيش المصري حينها، قدم دعماً كبيراً لصناعة السينما، من خلال توفير وسائل الإنتاج والديكورات، وهو ما ساهم في زيادة إنتاج الأفلام مقارنة بالتليفزيون الذي لم يكن لديه اتفاقيات مشابهة في ذلك الوقت.
وأوضح أنه رغم اهتمام السينما المصرية بتقديم أفلام عن حرب أكتوبر، إلا أن الدراما التلفزيونية تأخرت، ومع بداية الانتاج انصرفت إلى المسلسلات الجاسوسية، كانت السينما قدمت الكثير ثم تراجعت بعد سنوات.
وأشار قاسم إلى أن هناك العديد من الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر، إلا أن القليل منها حقق شهرة واسعة ونجاحاً تجارياً، مشددًا على أن فيلم "كتيبة الإعدام" تميز بقصة فريدة، وهو ما اعتبره خطوة شجاعة من الكاتب أسامة أنور عكاشة.
أفاد الناقد طارق الشناوي أن السينما المصرية لم تقدم حتى الآن فيلماً حقيقياً يعكس عظمة انتصار حرب أكتوبر، مشيراً إلى أن الأعمال التي تناولت الحرب حتى الآن جاءت دون المستوى ولا تليق بحجم هذا الانتصار التاريخي، واصفًا تلك الأفلام بأنها تجارية بالدرجة الأولى، ولم ترقَ إلى مستوى الحدث.
وكشف الشناوي أن الرئيس الراحل أنور السادات طلب من الفنان العالمي عمر الشريف بعد الحرب مباشرة أن يقوم بإنتاج فيلم عالمي عن انتصار أكتوبر، مع توفير ميزانية مفتوحة للمشروع، موضحًا أن الشريف كان متحمساً للفكرة في البداية، لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة بعد تفكير عميق وتخوف من عدم نجاح الفيلم أو تعرضه للهجوم.