النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 01:51 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

اللواء سعد أنور: لم أجعل لليأس مكانا في نفسي.. ودعوة أمي تحققت والتقيت أخي بالمعركة (خاص)

اللواء سعد الدين أنور مع محرر جريدة النهار
اللواء سعد الدين أنور مع محرر جريدة النهار

قال اللواء أ. ح سعد الدين أنور محمد أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وبطل معرفة كبريت: «يوم 3 أكتوبر 1973 الخامسة والنصف صباحاً ايقظتنى امى لصلاة الفجر وكان والدي يتأهب للذهاب إلى عملة، فاسرعت لتجهيز حقائبى بمساعدة أختي الكبرى وعند توديع اسرتي، نظرت أمي إلى قائلة "روح يا ابنى ربنا يسترها معاك انت وزمايلك وإن شاء الله ربنا هينصركم ويبعد عندكم كل شر"».

وأضاف اللواء سعد الدين أنور محمد خلال تصريحات خاصة لـ«النهار»: «سكتت للحظة ومع ابتسامة رقيقة قالت "وإن شاء الله ربنا هايعترك في اخوك رفعت؟!!" تعجبت قائلاً لنفسي، هل يمكن أن أقابله فعلاً؟ ولكن لم ابدها لها قائلاً، إن شاء الله يا أمي».

ولفت بطل معركة كبريت: «ومع نظراتها وتوديع أبي وأختي، أخذت في نزول درجات السلم ناظراً إليهم، مبتسماً ويجول في خاطرى أحداث كثيرة متداخلة محاولاً طمئنتهم مع ثبات خطواتى عند النزول، يخرج عم محمد شحاتة ملقياً عليّ السلام قائلاً "مع ألف سلامة يا كابتن سعد ربنا معاكم انت واولادنا"، وكان ابنة سعيد مجنداً».

واستكمل «أنور» تصريحات لـ«النهار»: «وعند وصولى للدور الثانى خرج صديقى وزميل الدراسة عبد الله شاهين وهو مجند أيضاً كان ذاهباً إلى معسكرة في الهايكستب وقال لى على فكرة الأجازات والراحات توقفت وتم استدعاء الكثير وتقريباً يا سعد المرة دى في حاجة هتحصل أكيد لان زميلنا العربي في العمارة اللى أمامنا تم استدعاءه أيضاً الاسبوع اللى فات».

وأشار بطل معركة كبريت: «ركبت الاتوبيس إلى رمسيس لمحطة القللى لسفرى إلى السويس (الجبهة) حيث مكان وحدتى الجديد، نظرات الناس إلينا تعطينا ثقة وأمل وتحفيز كأنهم هم أهلنا ومعارفنا وأصدقائنا، كان الجميع نسيج مترابط. الوقت يمر ببطىء شديد، أخذت مكانى بالاتوبيس المتحرك السابعة والنصف من صباح يوم 3 اكتوبر، "ما ها الكم من الجنود والصف والضباط المسافرين إلى خط الجبهة بمنطقة القنال؟!"».

ووصف اللواء سعد الدين أنور محمد قائلا: «الحشود متجهون إلى السويس وآخرين إلى الاسماعيلية ومجموعات اخرى إلى بورسعيد, رجعت بذاكرتى حيث وحدتى (الكتيبة 255 صاعقة) التى التحقت بها في اكتوبر 1970 بعد تخرجى من الكلية الحربية وحصولى على فرقة الصاعقة الراقية, وفي يناير 1972 تم اعادة تشكيلنا إلى اللواء 130 مشاة اسطول وسميت الكتيبة 603 المشكلة من الكتيبتين 255 و 193 صاعقة قيادة كل من الرائدين (سيد غريب و ثروت شهاب)».

واستكمل بطل معركة كبريت حديثه: «تم تعيين المقدم ابراهيم عبد التواب احمد قائد للكتيبة 603 والمقدم محمود سالم قائد للكتيبة 602 والمشكل بهماً اللواء 130 مشاة اسطول بقيادة العقيد محمود شعيب».

واستلهم ذكراه قائلا: «مر في خاطرى احاديث وذكريات قائد سريتى النقيب صبحى على البطاوى الذى تخرج قبل حرب 67 واعطانى انطباعاتة ودروسة المستفادة عن تلك الحرب، فضلاً عن تدريباتنا العنيفة والشاقة عن المهمة القتالية التى كنا تستعد لها لخوض حرب اكتوبر 73، تغيير جذرى عن مهام القوات الخاصة للصاعقة التى تدربنا عليها عامى 70 ، 1971، وعن المهام الجدىدة وتسليحنا الجديد بالمركبات المدرعة البرمائية واستخدام اسلحة الناقلات المدرعة واجهزة الرؤية الليلية الحديثة وتدريبات شديدة على الابرار البحرى من اعماق البحر على شواطىء الساحل الشمإلى ورشيد والاسكندرية بالتلاحم مع قطع الاسطول البحرى المصرى والقوات الجوية».

وأكد بطل حرب أكتوبر المجيدة خلال تصريحات خاصة لـ«النهار»: «لقد بذلنا الجهد وسهرنا الليالى وواصلنا النهار بالليل واستشهد من جنودنا العديد أثناء هذه التدريبات على الاهداف المتشابهة لمسرح العمليات الذى لم نعلمة نحن الضباط الاصاغر وكانت اعمارنا ما بين العشرون والخامسة والعشرون عاماً من جنود وضباط صف وضباط، مع تأهيلنا بالفرق التدريبية المؤهلة لطبيعة المهمة ( اسلحة صغيرة – اسلحة مضادة للدبابات – ادارة نيران مدفعية –هاون – استطلاع – طبوغرافيا- اجهزة رؤية ليلية – اشارة .........الخ)».

وأشار اللواء سعد الدين أنور محمد إلى أن فرقة الإشارة هي الفرقة الأخيرة التي كنت ملتحقاً بها والغيت قبل العمليات الحربية بأسبوع وقبل انتهاء توقيتها المقرر بأسبوعين على الاقل كما هو الحال لباقى الفرق التى كانت منعقدة في ذلك الوقت بجميع المعاهد والمدارس العسكرية في النصف الثانى من سبتمبر 1973.

واستطرد: «وقتها علمت ان وحدتى التى كانت متمركزة بالعامرية بالاسكندرية قد انتقلت إلى السويس بمنطقة عتاقة بالسويس حسب معلوماتى وكان المطلوب تسليم واستلام خطاب انتهاء الفرقة وعودتى للكتيبة لذهأبي اولاً للمؤخرة بالاسكندرية ثم العودة والسفر إلى السويس».

وأضاف اللواء سعد الدين أنور محمد: «لقد تخرج اخى الاكبر الملازم محمد رفعت انور من المعهد الفنى للقوات المسلحة منذ اكثر من شهر قبل العمليات مباشراّ وعلمت ان وحدتة هى كتيبة دفاع جوى (ردار) بمنطقة ما جهة جنيفة بالسويس وعند نزولة لاول واخر اجازة له منذ اسبوعين حكى لى ولامى عن المعاناة الشديدة التى يلاقيها واستشعارة بالاخطار المحيطة حوله بالجبهة».

وقال بطل معركة كبريت: «كانت هذه الخواطر تجول في نفسى بين الحين والاخر منذ تحركى إلى السويس وانا بين زملائى الجنود المتوجهون إلى وحداتهم وسط احاديث بينهم لا تتوقف سواء عما كان يحدث في وحداتهم او ما كان يحدث اثناء اجازاتهم القصيرة العائدون منها».

واستكمل: «يتوقف السائق عند الكيلو 61 "يلا الرجالة اللى نازلين", وهكذا عند الجفرة وجبل عبيد وبطبيعة الحال خلال هذة الرحلة القصيرة تعرفت على البعض فمنهم من اخبرنى عن معسكر اللواء 130 في بطن جبل عتاقة إلى ان وصلت لمنطقة عند مفارق مصنع السماد ومدق إلى عتاقة قبل منطقة المثلث بالسويس وبطبيعة الحال جميع هذة الاماكن سمعت عنها لاول مرة وكنت الوحيد الذى نزل في هذة المنطقة حوإلى العاشرة والنصف صباحاًّ».

ووصف بطل حرب أكتوبر الأجواء: «الشمس حارقة المنطقة صحراء جرداء وعلى مرمى البصر جبل عتاقة يمينى بأتجاة الجنوب واتذكر حينها جميع الأحدث التي كانت تدور حولي والخواطر التي كانت تجول في نفسي وفي لمح البرق قطعت هذا السكون الرهيب واليائس وتوكلت على الله حاملا حقائبي متجها إلى جبل عتاقة مع خطوات سريعة وثابتة، محدقاً عيناي يمينا ويساراً لعلي أكتشف مكان وحدتي، مع مرور الوقت وتصبب العرق و تعثري في الطريق لانحراف وتداخل المدقات وتواجد صخور ورمال وأرض غير ممهدة».

وقال اللواء سعد الدين أنور محمد: «لم أجعل لليأس مكانا في نفسي، مر اكثر من ساعتين قطعت فيها ما يقرب من خمسة عشرة كيلومتراً إلى أن وصلت إلى أحد المعسكرات المترامية بعيدا وبسؤالي عن مكان وحدتي علمت بأنها وصلت بمنطقة مجاورة للمعسكر ليلا منذ اسبوعين، ثم تحركت إلى جهة الأدبية ليلاً منذ أيام، مع التأكيد على هذا الأمر مما جعلني لا أتردد واتوجه إلى الادبية جهة الجنوب مرة أخرى إلى أن وصلت إلى القاعدة البحرية بالأدبية مع قطع مسافة تتعدى العشرة كيلومترات وبسؤالي علمت أن اللواء قد تحرك من الأدبية إلى معسكر جبيب الله بالشلّوفة تنفيذا لعمليات الخداع والإخفاء وأن ببطن عتاقة مؤخرة صغيرة يتحرك منها عربات تابعة للواء إلى المعسكر عند العصر».

وقال بطل معركة كبريت: «نظرت إلى السماء محاوراً نفسي ما هذا الذي أنا فيه وقد تدلى لساني من العطش واسرعت مهرولاً إلى المؤخرة لإجد أحدى السيارات تتحرك من على المدق للخروج على الطريق الأسفلتي وحمدت الله على لحاقي بها».

واستكمل اللواء سعد الدين أنور: «فصعدت إلى السيارة مع العديد من الضباط والجنود وبدأت رحلة الذهاب إلى الوحدة وسط أصوات للمدفعية والهاونات والإنفجارات لاأدري أين مكانها وتذكرت كلام أخي رفعت وزملائي، وكاد العطش أن يفتك بي وكنت أخشى من ضربة الشمس التي أخذت في الزوال سريعاً ويقترب الغروب لتقف السيارة عند مدخل الكتيبة 603 بمنطقة الشئون الإدارية لإنزال بعض التعيينات وفور نزولي وأخذ حقائبي أجد أحد الأشباح مسرعاً نحوي وقد طمست عيني بالأتربة والعرق والرمال لأكتشف أنه العريف ناجي الذي يعمل بمطبخ الجنود ينادي علي "حمدالله على السلامة يا حضرة الضابط سعد، أخوك الضابط محمد رفعت جاء أكثر من مرة يسأل عليك لما عرف ان دي الكتيبة بتاعتك، وهو هناك في التبة العالية إللي هناك إللي عليها الرادار واللي بتبعد حوال 1500 متر تقريباّ !! وأخذ يحتضنني ويرفع عني الحقائب وأنا لا أصدق ما أنا فيه، وقد ذهب عني الجوع والعطش والتعب، وقد رفع أحد الجنود آذان المغرب "الله أكبر ... الله أكبر" وحلت حولي نسمات الربيع وظهرت أمامي صورة أمي مبتسمة لا تتكلم ولكن نظرة عينيها تبلغني أطمئن أخوك الكبير معاك، وزي ما قلتلك ربنا حاينصركم».

ووصف بطل حرب أكتوبر مراسم استقباله في مهامه الجديدة: «استقبلني زملائي استقبالاً حاراً، نظراتهم تغييرت، هناك علامات استفهام، نتحدث جميعاً عن شئ واحد "هل أذن الله أن نخوض حرب الكرامة بعد يومين؟" لم نكن نصدق نظراتنا، ولكن قلوبنا متأكدة أنه سيحدث».

وأضاف: «استلمت مهمتي الجديدة كقائد لفصيلة إشارة الكتيبة، وقد تولى الملازم حمدي العربي قيادة الفصيلة الخامسة، وبدأنا جميعاً في العمل الجاد خلال ليلتي 3 و 4 اكتوبر، وبينما انا غارق في تنفيذ المهمة لم أتوقف في التفكير حول إمكانية استقطاع وقت للذهاب لرؤية أخي الذي اشتقت إليه، وما هي إلا لحظات وفوجئت به أمامي وقت آذان الجمعة 5 أكتوبر وهو يحتضنني قائلاً "ازيك يا أشرف (اسم الشهرة) ازيك يا أخوياً، ازيك يا بطل حمدالله على السلامة وحشتني جداً جداً ودار بيننا حديث وكأنه هو أبي وأمي وجميع أخواتي وهنا تظهر أمي مرة أخرى أمامي بابتسامة عريضة لم تفارقني أبداً وهي تقول لي "إن شاء الله ترجعولي بألف سلامة يا ولادي !!"».

واستطرد: «تبادلت مع أخي الشهادة (لاإله إلا الله ... سيدنا محمد رسول الله) قائلاً لي "إطمئن يا أخوياً انتم بكره بأذن الله حاتعبروا البحيرات لتلقين الصهاينة (ولاد الكلب) الدرس اللي كان لازم يخدوه من زمان. أنا وراك بالدفاع الجوي والصواريخ مش حانخلّي طيارة من عندهم تعدي الا وحانضربها ونوقعها زي (الدبّان) - بإذن الله"».

موضوعات متعلقة