أغاني المهرجانات في حفلات التخرج.. ظاهرة جديدة أم أزمة تعليمية؟
تصدرت أغاني المهرجانات حفلات تخرج الجامعات لتصبح تريندا يسعي إليه الطلبة والطالبات، وفي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، طالب وزير التعليم بفتح تحقيق حول احتفال الطلاب بأغاني المهرجانات في حفل تخرجهم، مما أثار تساؤلات حول مناسبة وملائمة هذه الأغاني في المناسبات التعليمية، الحفل الذي أصبح محور نقاش ساخن بين المسؤولين، الطلاب، وأولياء الأمور، مما يطرح تساؤلات حول من المسؤول عن هذا الاختيار المثير للجدل؟ هل هي إدارة الجامعة، الطلاب، أم أن هناك مسؤولية تقع على عاتق السياسات التعليمية ذاتها؟.
تبحث "جريدة النهار المصرية"، في هذا التحقيق الصحفي، في خفايا القضية وتفكك المسؤوليات لتسليط الضوء على الأبعاد الحقيقية وراء هذا الجدل.
تحقيق عاجل..
في ظل تصاعد الجدل حول بعض حفلات التخرج التي تجاوزت القيم الجامعية، تدخل الدكتور عادل عبدالغفار، المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليكشف عن توجيه الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي، بإجراء تحقيقات عاجلة. عبدالغفار أكد أن الوزير يطلب نتائج سريعة للتحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد جميع المشاركين في تنظيم وإدارة هذه الحفلات من أعضاء هيئة التدريس والإداريين والطلاب.
وفي خطوة لاحقة، أعلن الدكتور مصطفى رفعت، أمين المجلس الأعلى للجامعات، عن تشكيل لجنة من المجلس الأعلى لمراجعة الوضع وتقديم توصيات في الاجتماع القادم. اللجنة ستناقش آليات تنفيذ القوانين لضمان الحفاظ على الأعراف الجامعية وهيبة المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى معالجة أي استخدام غير مصرح به لأسماء الجامعات والكليات في تنظيم حفلات تخرج خارج الأسوار الجامعية.
جامعة الزقازيق..
انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر تجاوزات أحد خريجي كلية التجارة بجامعة الزقازيق خلال حفلة تخرج أقيمت في القاعة الكبرى بالجامعة، الفيديو أثار دعوات لضرورة احترام رسالة التعليم ووضع ضوابط محددة لحفلات التخرج، أعلنت رئاسة الجامعة في بيانها أنه بناءً على هذه الواقعة، تم استدعاء القائمين على حفل التخرج الذي أقيم في قاعة الاحتفالات وفتح تحقيق عاجل في الحادثة.
فتاة الإسماعيلية..
قبل نحو أسبوعين، أثار فيديو لطالبة تُدعى فرح سعيد من الإسماعيلية جدلاً واسعاً، حيث ظهرت وهي ترقص بشكل غير لائق في حفل تخرجها، الفيديو الذي انتشر بشكل كبير، قوبل بانتقادات شديدة، مما دفع الطالبة إلى طلب حذف الفيديو من الجهات المختصة بسبب الأضرار الشخصية التي تسبب بها لها ولأسرتها.
جامعة أسيوط..
أثار فيديو أخر لطالبة تُدعى سمر عنتر وهي ترقص على أغاني المهرجانات في حفل تخرجها من كلية التربية الرياضية صدى واسعاً، ردًا على ذلك، أصدرت جامعة أسيوط بياناً رسميًا تُعلن فيه عدم مسؤوليتها عن أي حفلات تخرج أو أنشطة تُنظم خارج أسوار الجامعة وبدون موافقتها، وأوضحت الجامعة أنها مسؤولة فقط عن حفلات التخرج التي تُنظم داخل الحرم الجامعي تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس وإدارة رعاية الشباب.
كما حذرت الجامعة في بيانها من استخدام أي كيانات لاسم جامعة أسيوط في حفلات أو أنشطة دون الحصول على موافقة كتابية، وناشدت الجامعة الطلاب بعدم الانسياق وراء أي حفلات أو أنشطة تُنظم خارج الجامعة.
تدخل برلماني..
تدخل البرلمان في القضية، حيث طالبت النائبة أمل سلامة بضرورة تدخل وزارة التعليم العالي لوضع حد لتجاوزات حفلات التخرج، وأشارت إلى أن هذه الحفلات شهدت ظواهر غير لائقة، مثل الرقص مما يسيء لسمعة التعليم العالي في مصر، وأعربت النائبة عن استيائها من مشاركة بعض الأساتذة في مثل هذه الحفلات، مقترحةً أن تلتزم الجامعات بمنع الأساتذة من حضورها حفاظاً على هيبة المؤسسة التعليمية.
قدسية الشهادة الجامعية..
قال الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، في السنوات الأخيرة لوحظت تصرفات غير لائقة تتكرر في الحرم الجامعي، وهو ما يتناقض مع قدسية هذا المكان وتعزيز القيم الأكاديمية، إن السماح بظهور مثل هذه التصرفات يشكل تهديداً لسمعة الجامعة وحرمتها، وهو ما يتطلب تدخلاً سريعاً وفعالاً من قبل القيادات الجامعية.
وأشار"عبد العزيز"، في تصريحات لـ"النهار"، يتحمل الأساتذة الجامعيون مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هيبة الحرم الجامعي، من غير المقبول أن يتجاهل الأساتذة سلوكيات غير لائقة مثل الرقص أو التصرفات غير المناسبة أمام الطلاب، يجب أن يكون دور الأساتذة توجيهياً وتربوياً، لا يقتصر على التعليم الأكاديمي فقط.
وأنهي أستاذ العلوم والتربية حديثه قائلا: أطالب المجلس الأعلى للجامعات بأن يتخذ خطوات جدية لضمان الانضباط داخل الحرم الجامعي، من خلال إصدار لائحة انضباط واضحة ومشددة تشمل عقوبات تصل إلى سحب الدرجة الجامعية في حال انتهاك القواعد، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه، هذه الإجراءات ضرورية لحماية قدسية الشهادة الجامعية وضمان احترامها.
عقوبات صارمة..
قال ممدوح عبد الجواد، الخبير القانوني، من المؤكد أن قانون تنظيم الجامعات يحظر إقامة أي نشاط يخل بالعملية التعليمية أو يقلل من شأن الأستاذ الجامعي أو خريج الجامعة، بما في ذلك الحفلات والمهرجانات، لذلك يتعين على الجميع أن يدركوا أن الحرم الجامعي هو مكان محظور فيه إقامة أي مهرجانات أو حفلات غير لائقة تحت أي مسمى الجامعات التي تخضع لقوانين إنشائها، تمنع إقامة حفلات ماجنة أو تسيء إلى التعليم الجامعي.
وأوضح "عبد الجواد"، في تصريحات لـ"النهار"، تُعقد الجامعات مؤتمرات علمية وندوات ثقافية تستضيف خلالها علماء ومثقفين محترمين، وليس الأشخاص غير المناسبين، ويجب أن تكون العقوبات ضد المخالفين صارمة، حيث يمكن أن تصل إلى الفصل من الجامعة بالإضافة إلى عقوبات تأديبية أخرى، إذا تم تطبيق القانون بشكل صحيح.
وأشار الخبير القانوني، تنص المادة الأولى على أنه يُحظر على أي أستاذ جامعي أو عميد كلية أو رئيس جامعة التصريح بإقامة أي مهرجانات غير لائقة، وفقاً للمادة 124/3، يتم معاقبة الطلاب المشاركين في مثل هذه المهرجانات بعقوبات تصل إلى الفصل من الجامعة، كما تلزم المادة 96 رئيس الجامعة بالتمسك بالقيم والعادات والتقاليد التي تعزز القيم والأخلاق الحميدة، من جانبها تعاقب المادة 110/4 رئيس الجامعة أو أي مسؤول يصرح بإقامة مثل هذه المهرجانات والحفلات غير المناسبة، سواء داخل أو خارج الحرم الجامعي، بالعقوبات التأديبية التي قد تصل إلى العزل من الوظيفة.
وأنهي حديثه قائلا: يجب على كل رئيس جامعة يُسمح بإقامة حفلات غير لائقة والتي تسيء للجامعات والتعليم في مصر أن يُحاسب ويُقدم للمحاكمة التأديبية فوراً، بالإضافة إلى العقوبات الجنائية المقررة في هذا الشأن، إن السماح بهذه الفعاليات يُهدر موارد البلد ويقضي على الأمل في الإصلاح، ويؤثر سلباً على سمعة التعليم العالي في مصر.
شباب اليوم..
قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، نحن كثيرًا ما نرى الشباب وكأنهم ينتمون إلى عالم مختلف، ونتعامل مع سلوكهم وكأنهم المبدعون الوحيدون لكل ما هو غريب وعجيب. لكننا لا نتساءل عن سبب ذلك أو المسؤول عنه، في الماضي كانت أغاني المطربين المصريين تميزت بكلماتها التي تخاطب العقول والقلوب، وتغرس المحبة وتنشر الهدوء، بعيدًا عن الصراخ والفوضى، كان الفن يعكس قيمة إنسانية عالية، حيث كانت الأغاني تنقلنا إلى عوالم من الحب والسلام، كما في أغاني مثل "يا ولدي لا تحزن" و"سامحني النبادي".
وأشارت "خضر"، في تصريحات لـ"جريدة النهار"، اليوم ومع تزايد نسبة الشباب في المجتمع، أصبحت الموسيقى الصاخبة أكثر انتشارًا، وأغفلت الكثير من البرامج والمسلسلات التركيز على القيم الإنسانية والأخلاقية. في ظل الانفتاح العالمي، تبرز الحاجة إلى تعزيز القيم الأسرية، وتقدير دور الوالدين، وتقديم نماذج إيجابية تحتذى،الإعلام يجب أن يلعب دورًا أكبر في بناء الشخصية بشكل إيجابي، بدلاً من تقديم حلول سطحية لمشكلات مثل العنف الأسري.
وأنهت أستاذة علم الإجتماع حديثها قائلة: في ظل غياب القدوات الملهمة والتقدير الكافي للأفراد الذين يستحقون الإشادة، نلاحظ نقصًا في النماذج الإيجابية التي يحتذى بها، من الضروري إعادة تقييم دور المناسبات مثل "عيد العلم"، وتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، نحن بحاجة إلى اهتمام أكبر ببناء شخصية الشباب وتعزيز القيم الاجتماعية، وذلك من خلال البرامج التربوية والثقافية المدروسة التي تساهم في تحقيق توازن حقيقي وإعادة القيم إلى مكانتها الطبيعية.