ماهر مقلد يكتب: مبارزة الغرفة 518 بين المفكرين والوزير الشاب
على مدى 4 ساعات متواصلة لم يقطعها سوى حبس الأنفاس كلما اقترب مفكر وخبير فى الشئون السياسية من النقاط الحمراء وسرعان ما تتبدد الهواجس بإجابات واعية مدروسة من المستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى فى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى.
جرت المباراة الفكرية فى القاعة 518 بالطابق الخامس فى المبنى الرئيسى لمؤسسة الأهرام والذى يحمل اسم عملاق الصحافة المصرية والعربية محمد حسنين هيكل، جاءت برعاية وحضور الدكتور محمد فايز فرحات رئيس مجلس إدارة الأهرام وبدعوة من مجلة الأهرام العربى ورئيس التحرير الكاتب الصحفى جمال الكشكى فى بداية انطلاق ندوات الصالون السياسى الشهرى للمجلة، وصادف الأهرام التوفيق فى أن يكون ضيف الصالون الأول الوزير الشاب المستشار محمود فوزى والذى وصفه الحضور بأنه وزير يحمل ثلاث حقائب وزارية من بينها الاتصال السياسى بما يعكس من توجه جديد كاشف للقيادة فى بث مناخ مغاير للحياة السياسية فى مصر.
قائمة الحضور من الشخصيات والعقول المصرية التى تم توجيه الدعوة لها متعددة الاهتمامات ودقيقة التخصص وتعكس التنوع فى المجتمع المصرى، وحفل الصالون بمبارزات لافتة فعندما بدأ الكاتب احمد الجمال حديثه ذكر أنه تجاوز من العمر الثمانين عاما وهو يخاطب الوزير الذى استحسن لغة العربية الرصينة وعمق الطرح وعبر له عن تقدير للأفكار التى يعرضها، لكن عندما جاء الدور على الإعلامية والنائبة فريدة الشوباشى انتزعت من الجمال ميزة حكمة السن وقالت أنا تجاوز عمرى 86 عاما، وهنا داعبها الوزير قائلا كنت رئيس جلسة السن فى افتتاح الدورة التشريعية لمجلس النواب عندما كان الوزير أمينًا عامًا للمجلس.
اختيار القاعة كما قال الكاتب جمال الكشكى له رمزيته فهى القاعة التى احتضنت اجتماعات رسمية رئاسية للرئيس جمال عبد الناصر تمنح مؤسسة الأهرام العريقة زخم التاريخ وحضور التأثير وكبرياء المهنة.
تنوع رؤى المفكرين والكتاب والباحثين والحقوقيين أفسح المجال واسعًا للتباحث حول مصر التى يتمناها كل مواطن يشعر بالانتماء إلى هذا البلد.
كشف الوزير محمود فوزى عن جوانب ثرية فى شخصيته وتجلت ثقافته القانونية والسياسية فى الإجابات التى تواصلت بتدفق على أسئلة الحضور، كما يعكس تواضعًا مقدرًا يعود إلى رجاحة العقل ومخزون المعلومات، وعلى مدى الساعات الأربع وهو يقدم رؤية مستنيرة للدولة المصرية عن أهمية الاتصال السياسى وفكر القيادة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إطلاق الحوار الوطنى الذى يجسد بوتقة تنصهر فيها الأفكار التى من شأنها العبور بمصر إلى الطريق المأمول.
لم تكن الأسئلة التى استقبلها الوزير تحمل الرضا عن الأداء ولا هى فى الوقت نفسه ترفع لواء الضجر وإنما كانت تفكيرًا بصوت مسموع وأفكار قد تضىء الطريق أمام الحكومة وصانع القرار.
شكل الحوار الوطنى فى المداولات العنصر الأبرز الذى تستند عليه القيادة المصرية فى أنه منبر يحظى بالدعم الرسمى وتترقب الحكومة مخرجات الحوار بالاهتمام الواجب لتنفيذها وفق آلية منضبطة.
فى عرضه انتقد الدكتور حسن أبو طالب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية السابق أن يكون الحوار هو حوار النخبة وأن تدعم ذلك الدولة والحكومة، وفى تعقيبه ألمح الدكتور محمد فايز فرحات إلى أنه لا يجب وصف الحوار الوطنى بالنخبوى، وقبل أن يتدخل فى الرد الدكتور أبوطالب داعبه الدكتور فايز دعنى أظهر أن خبراء المركز ويقصد مركز الدراسات السياسية بينهم تباين وهو يبتسم.
وعكس النائب الدكتور أيمن أبو العلا تجربة الممارسة الحزبية فى مداخلته، وقيمة التواصل السياسي والمسؤولية التى يضطلع بها الوزير فوزى فى إبراز قيم جديدة فى التعددية المصرية، وبدوره جدد النقابى مجدى البدوى أهمية بث روح جديدة فى العمل النقابى وإعطاء النقابات العمالية الدعم الواجب لممارسة رسالتها.
وأظهر الدكتور سمير مرقس مبررات أن تتعامل الدولة بوعى مع مفهوم الاتصال السياسى وقيمة الدعوة للحوار، وتناول الدكتور محمد شوقى عبد العال أستاذ العلوم السياسية مغزى الحوار والارضية التى يتشكل منها مستشهدا بأبيات من الشعر فى إشارة إلى أهمية الإرث الثقافى بينما جسد الاعلامى جمال عنايت دور المحاور فى طرح أسئلة سريعة للوزير حول الحريات والسياسة.
ومن فرط حرصه على أن يتابع الحوارات حتى الدقيقة الأخيرة تخلف الحقوقى نجاد البرعى عن موعد عمل فى مكتبه وخرج من القاعة يعتذر عن عدم الحضور وعندما جاء الدور عليه فى الحديث تحدث عن الحبس الاحتياطى والمواءمة من السلطات وأهمية أن يترك هامش للمواطن فى أن يعبر والا تتوسع السلطات الأمنية فى عمليات القبض على أصحاب الرأى، وشاطره الرأى القيادى الحزبى عصام شيحة الذى طالب بضرورة أن تتمتع الأحزاب بالتجربة التى تكفل لها دورا سياسيا، هنا أثار الحديث عن الأحزاب فى مصر شجون الحضور وتندر الجميع على الظاهرة المصرية التى تحتضن أكثر من 120 حزبا مصريا بينما يعجز جميع الحاضرين عن ترديد أسماء 20 حزبا فقط، فى دلالة على أن الأحزاب مجرد مسميات على الورق وبيانات تنتقص من التجربة التعددية بل تودى بها فى بئر عميقة.
مصطلح القوى الناعمة والأمن القومى المصرى توقف أمامه كثيرا الوزير محمود فوزى وهو يضىء على زاوية ملهمة تركز عليها الدولة وهى أن هناك ركيزة جوهرية وهى أن القوى الناعمة تمس الأمن القومى المصرى مما أثار شهية الحضور.
وعن أهمية أن يكون البعد الثقافى فى توجه الدولة واضحًا تحدث الكاتب احمد الجمال بينما سرد الكاتب مهدى مصطفى الايجابيات التى يلمسها فى فكر الوزير وهى مؤشر على نهج جديد يتسم بالرحابة والتنوير، ومضى الكاتب محمد الشاذلى فى أبعاد عميقة لمغزى ترسيخ الثقافة فى مشروعات الحكومة والدولة وإعادة جائزة النيل ووضع آلية تسليمها ومباركة التفكير فى استئناف عودة مهرجان القراءة للجميع.
هنا انتبه الوزير إلى أن هناك ما يشبه الإجماع على أن رقى الثقافة وإن كان متعثرًا بعض الشىء فإنه يداعب خيالات الكتاب والمفكرين ويراود عقولهم.
وكان كاشفا ما عبر عنه الدكتور معتز سلامة من أهمية أن يكون القرار الاقتصادى وإن فرضته الحاجة له وجاهته التى لا تطمس البعد الاجتماعى والمواءمة السياسية.
وتناولت الكاتبة حنان البيلى هواجس المواطن من البعد الاقتصادى بينما أظهر الشاعر عزمى عبد الوهاب الاطمئنان لرسالة الاتصال السياسى ودور الوزير، وأشار الكاتب خالد جودة إلى معضلة الشباب وحتمية الانتباه لقضاياه والمشروع السياسى والإعلام لتسويق إنجازات الدولة.
وعندما جاء دور كاتب المقال توقف أمام مفهوم الدولة المصرية للاتصال السياسى وحدود التنسيق الأمنى، وتساءل عن توصيف النظام الحاكم فى مصر هل هو رئاسى أم شبه رئاسى أم برلمانى؟
وبرهنت إجابة الوزير على ضروريات مصرية تمكن الدولة من عبور المرحلة الصعبة لكنه فى نهاية الأمر كان يدرك أن العقول وإن تزاحمت عليها الأفكار فالحوار يريح العقل ويعطى الطمأنينة للقلب.