النهار
الإثنين 30 ديسمبر 2024 09:39 مـ 29 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

ماهر مقلد يكتب: أهل الثقة فى مصر

ماهر مقلد
ماهر مقلد

كل شىء أصبح يدور فى فلك أهل الثقة والمقربين من الجهات النافذة، يتوارى خلف الزجاج الكاشف ذوو الخبرة وأصحاب الدرجات العلمية المرموقة، حلقة مفرغة تتحرك فيها المناصب فى مصر المحروسة، بشكل غير مدروس، لكنه ممنهج يمنح المجد لمن لا ينتسب له، يتذكر من قضى سنوات عديدة فى منصب القيادة ثم عند التغيير يسند له منصب آخر لقيادة موقع آخر، وهكذا دون أن يتم منح الكفاءات الجديدة الفرصة لخدمة مصر والوطن، النماذج حدث ولا حرج فى الوزارات وفى الهيئات وفى المحافظين وفى مقدمى البرامج على الفضائيات، لا توجد معايير ولا مقاييس، العنوان الواضح هو أن هؤلاء من أهل الثقة وهذا يكفى. أهل الثقة الذين اقتربوا من الأجهزة التى يكون معيارها الولاء الخادع الذى لا يخدم الوطن، لو تم رصد الظاهرة بشكل علمى لربما جاءت النتائج بأن ما يحدث هو اقرب إلى تعمد الإخفاق، والتعثر فى المهام.

هناك دراسة مهمة وقيمة أعدتها قبل سنوات الدكتورة منى بركات، بعنوان «الاغتراب فى أدب نجيب محفوظ - دراسة سوسيولوجية»، صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2020 تناولت فيها مجموعة من روايات أديب نوبل، مثل "كفاح طيبة"، صدرت فى الثلاثينيات من القرن الماضى، و"القاهرة الجديدة" و"اللص والكلاب" و"ثرثرة فوق النيل" و"المرايا"، وفى محاولة من الباحثة التعرف على كيف عالج الأدب ظاهرة الغربة به، التى يعانى منها المواطن، وهو يعيش فى حضن الوطن وحتى تقترب من فكر الحكم فى مصر عبر العهود رصدت معالجة أديب نوبل للقاهرة، وكما لو كان الكاتب الكبير العالمى يتحدث عن مصر فى كل العصور، فى البداية اهتمت الدكتورة منى بتعريف معنى الاغتراب والغربة فى معاجم اللغة العربية والغربية، وحاولت أن تفرق بين الغربة المكانية، أى الابتعاد عن الوطن، والغربة الاجتماعية، أى الانفصال عن الآخرين ونقلت تعريف دائرة المعارف البريطانية التى تعرف الاغتراب بأنه «الضعف والوهن»، ما أقسى هذا الوصف، أى إحساس الفرد بأن مصيره محكوم بعدة عوامل خارجية، مثل القدر والحظ والمؤسسات الرسمية، هنا نقف عند المؤسسات الرسمية التى تملك توزيع المناصب بلا رقيب أو حسيب، وهو ما يعرف الافتقار إلى المنطق فيما يجرى فى الحياة من أحداث وعدم وجود قواعد ثابتة تحكم السلوك البشرى.

فى رواية «القاهرة 30» كان حال السواد الأعظم للشعب فى مواجهة النخبة المهيمنة ومولد ظاهرة «محجوب عبدالدايم»، الذى يتمنى أن يصبح عظيمًا ولو بارتكاب جريمة تؤدى به إلى حبل المشنقة، وتقترب الباحثة من أن غياب العدالة الاجتماعية فى مصر الأربعينات كان أحد أسباب ظاهرة الاغتراب.. فماذا عن مصر فى القرن الجديد؟!

وتوضح المؤلفة أن العجز هو أكثر مظاهر الاغتراب تكرارًا فى البحوث المعنية بهذا الموضوع ويقصد به «شعور الفرد بأنه محكوم بعوامل خارجية ومن ثم فقدانه الشعور بأنه قوة حاسمة ومقررة فى حياته»، ويصبح بالتالى منفعلًا بالأحداث لكنه غير فاعل فيها. أما العزلة وتعمق الشعور بالعجز وانعدام الجدوى لما يؤديه الفرد من أعمال فى حياته، وبالتالى يعيش فى الإحباط والضياع، فهما نتيجة حتمية لما تعانيه الشخصية من يأس وتمزق وعجز وعزلة.

هنا نتوقف أمام هذه الاستنتاجات التى تكشف بجلاء عن أن منح حفنة من المواطنين المزايا والمناصب تعد على أصابع اليد الواحدة فى كل مهنة وهيئة هو أمر يفقد المواطن الشريف إيمانه بعدالة الوطن والقيم النبيلة فيه.

ما الذى يمكن أن يقتنع به المواطن المصرى المخلص للدولة وللوطن؟ عندما يسأل لماذا تمنح السلطة التى بيدها الحل والعقد هؤلاء جملة من المناصب المرموقة التى يحتاج كل منصب واحد منها ساعات اليوم كاملة حتى يتمكن من الايفاء بالمسئولية، لكن الذى يحدث فى مصر دون غيرها أن تسند السلطة له 5 مناصب مرموقة بمزايا مالية كاملة دون أن يحاسب على الأداء.

الأعداد التى تشغل هذه المناصب لا تخفى على أحد ولا تحتاج إلى جهد فى ذكرها.

كيف تطمئن دولة تمنع التوظيف للخريجين وتمنح المقربين مناصب متعددة،

أعتقد أن قائمة الأسماء التى يتم إسناد منصب لها دون غيرها لا تحتكر الوطنية، مصر وطن للجميع ومعايير الاختيار يجب أن تكون مشفوعة بالكفاءة والشفافية والسمعة الطيبة.

شرف المسئولية وأمانة اليمن الذى أقسم به كل مسئول يضعه أمام احترام الكفاءات والسعى نحو الحياد والعدالة وعدم الإفراط فى منح المزايا لحفنة من المواطنين دون معايير أو ضوابط، فالوطن هو ملك للجميع ما دام المواطن يحترم القانون والدستور ولا يخالف النظام. فى الحكومة الجديدة علامات استفهام كثيرة ومتنوعة وفى حركة المحافظين ما يشبه الوصايا واستمرار مدرسة أهل الثقة، وفى الهيئات لا اجتهاد مع النص المقرر، من الذى يرشح، هذا معلوم لكنه مجهول، ومن يتحمل المسئولية؟ إنه المواطن والوطن.