نقص الغاز يتسبب في وقف كبار شركات الأسمدة عن العمل .. ومخاوف من انتعاش السوق السوداء وتراجع الصادرات.. والبورصة تتلقى الأزمة بخسائر فادحة لأسهم الشركات
في كارثة لم تحدث من قبل، أعلن عدد من مصانع الأسمدة في مصر عن توقفها عن العمل بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، فقد بدأت بشركة أبو قير للأسمدة استكمالاً بشركة موبكو وسيدي كرير للبتروكيماويات وصولاً لشركة كيما ، وذلك في الوقت الذي يزيد استهلاك الطاقة في البلاد التي تشهد درجات حرارة مرتفعة.
وسرعان ما تزايد القلق بين الأوساط الإقتصادية، لاسيما وأن شركات الأسمدة التي توقفت هي أكبر شركات للأسمدة في مصر، حيث تسيطر شركة أبو قير للأسمدة على 37% من حجم سوق الأسمدة المصرية، علماً بأن حصص إنتاج الأسمدة بالشركة تُقسم بين تصدير نحو 45% من الإنتاج، وإرسال الحصة الباقية والبالغة 55% لوزارة الزراعة لتوزيعها كحصص مدعومة للمزارعين بسعر 250 جنيهاً للشوال زنة 50 كيلو.
وعلى الفور سرعان ما تزايدت المخاوف من عودة أزمة الدولار من جديد لمصر وانتعاش السوق السوداء للدولار بجانب انتعاش السوق السوداء للأسمدة وتضرر الفلاحين بجانب ارتفاعات لأسعار الخضروات والفاكهة خلال الأيام المقبلة.
وتعليقاً على ذلك، قال خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية، إن أزمة نقص الغاز الطبيعي ليست السبب فقط في توقف مصانع الأسمدة عن العمل بل كانت أيضاً السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الأسمدة، خاصةً اليوريا والأمونيا، علماً بأن سعر طن السماد في السوق الحرة قد ارتفع إلى 20 ألف جنيه في يونيو مقابل 13 ألفاً في مايو الماضي مقابل 5 ألاف جنيه قبل ذلك.
وأضاف أبو المكارم إلى أن استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز أو زيادة أسعاره سيؤدي مباشرةً إلى زيادة تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية التي سيتحملها المزارع ومن ثم المواطن محدود الدخل، هذا بالإضافة إلى أن هذا الأمر سيسنح الفرصة أمام أزمة جديدة وهي فتح الباب على مصراعيه أمام تهريب السماد المدعم للسوق الحرة وعدم وصوله للمزارعين، للاستفادة من فارق السعر البالغ 15 ألف جنيه في الطن.
بينما قال الدكتور كريم عادل، الخبير الإقتصادي، إن صناعة الأسمدة، إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية المهمة في مصر، وذلك لعدة أسباب أهمها عائداتها التصديرية الدولارية، علماً بأن إجمالي الإنتاج المصري من الأسمدة خلال عام 2023 قد بلغ ما يقرب من 8 ملايين طن نيتروجينية، و4 ملايين طن فوسفاتية.
واستكمل كريم أن تلك الصناعة تتفوق فيها مصر عالمياً، إذ تحتل مصر المرتبة السابعة عالميا في إنتاج اليوريا، فيما تأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليارات دولار، لهذا لابد على الحكومة أن تسعى لحل الأزمة سريعاً لإنقاذ تلك الصناعة التي تدر للدولة مليارات الدولارات سنوياً وتساهم بشكل إيجابي في حل أزمة الدولار ومجابهة السوق السوداء للدولار.
وأوضح كريم أنه من الغريب أنه تم ترسية عطاء مصري لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم خلال الصيف، وذلك بعلاوة 1.6-1.9 دولار عن السعر القياسي لمنصة تجارة الغاز الهولندية ، لافتاً إلى أنه إذا كان التعاقد على شراء هذه الشحنات تم خلال شهر إبريل من العام الجاري في ظل انخفاض سعر الغاز عالمياً وقبل تزايد الطلب العالمي لشراءه نتيجة تفاقم أزمة الطاقة عالمياً كان التعاقد سيكون بعلاوة 70 دولار فقط على السعر القياسي الرسمي آنذاك، حتى وإن كان تم التعاقد مع تأجيل الاستلام.
واستكمل كريم – تصريحاته لـ"النهار"- قائلاً إنه في حالة تعاقد مصر خلال شهر إبريل فكان سيتم التعاقد بالسعر الرسمي وكان وقتها في صفقة رأس الحكمة ومن ثم كان من الممكن أن يتم السداد وقتها وتستفيد مصر بالسعر المنخفض ووفرة الدولار آنذاك.
وأيده في الرأي الدكتور هاني توفيق، الخبير الإقتصادي، قائلاً إن إستمرارتوقف كل شركات الاسمدة يعني ارتفاع في معدلات البطالة، ونقص حصيلة التصدير ،بجانب ارتفاع في معدل التضخم المزدوج فى سعر الغذاء الناتج عن ارتفاع سعر السماد ، وانخفاض انتاجية الفدان، لهذا لابد أن تنتبه الحكومة لهذا التحذير وأن تسعى جدياً لتوفير الطاقة لهم فوراً، وبأى تكلفة.
في حين قال الدكتور مدحت نافع ، الخبير الإقتصادي،ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية سابقاً، إن صادرات الأسمدة هي نوع من التصدير للغاز الطبيعي بقيمة تصنيعية مضافة، موضحاً أن تضرر مصانع الأسمدة الأزوتية من أزمة نقص إمدادات الغاز يعني تضرر صادرات الطاقة ذات القيمة على حساب صادرات خام واستهلاك محلي غير مرشّد وغير مخطط.
وأضاف نافع أن انخفاض امدادات الغاز هو وجه من الأزمة يعكس سوء التخطيط وإدارة الموارد النادرة وهو ما يؤكد ما ذهبت اليه من أن ارتفاع أسعار منتجات الطاقة للمستهلك هو وجه آخر لذات الأزمة..وعليه فإن تحميل المواطن بفاتورة هذا الإخفاق في صورة رفع متكرر للأسعار تحت مسمى رفع الدعم ثم بقطع الخدمة عنه تحت مسمى تخفيف الأحمال هو أمر غير منصف.
وأشار نافع إلى أنه منذ عامين صرحت بأن مصر ليس لديها وفرة كبيرة في الموارد الطبيعية؛ ولا يوجد أيضاً وفرة في البترول؛ والتوقعات للغاز العام القادم أننا سنحتاج لتكوين مزيد من الاحتياطات.
وتابع نافع قائلاً:"تخطيط الطاقة مهم؛ نمر بدورات؛ كان هناك فترة نمر بعجز ثم فائض ثم عجز ثم فائض؛ والدولة انتبهت إلى أن العام القادم سيكون هناك ندرة في الغاز لدى مصر لزيادة الاستهلاك والاستهلاك الصناعي وخلافه".
بينما قال سمير رؤوف، خبير أسواق المال، إن أسهم شركات الأسمدة وعلى رأسهم أبو قير وسيدي كرير للبتروكيماويات شهدت تراجعاً ملحوظاً على أثر أزمة وقف إمدادات الغاز للمصانع التابعة لها، موضحاً أن سهم أبو قير للأسمدة تراجع بنحو 2.03% خلال أول ساعتين للتداول اليوم، فضلاً عن أن سعر سهم شركة سيدي كرير للبتروكيماويات قد هبط مع نهاية الجلسة، بنسبة 1.04 % ليفتتح الجلسة 27.90 جنيه ليصل لـ 27.61 جنيه.
وأضاف أن انخفاض أسعار أسهم شركات الأسمدة فرصة للمستثمرين لاسيما وأنها لن تستمرفي التراجع وسرعان ما ستنتهي الأزمة وتعاود تلك الأسهم الارتفاع مجدداً خاصة وأن شركات الأسمدة يكون لديها احتياطي يكفي لنحو عشرة أيام وبالتالي لن تستمر أزمة التوقف هذه الفترة لأن صناعة البتروكيماويات أهم مصدر للصادرات المصرية.