ماهر مقلد يكتب: الدولة غوت الفضائيات
الحديث عن الخسائر التى تحققها الهيئة الوطنية للإعلام، حديث ذو شجون ويترك فى النفوس مرارة، مصر الريادة الإعلامية، صرح ماسبيرو العملاق، تلفزيون جمهورية مصر العربية الذى كان منارة العالم العربى والإفريقى، استوديوهات التلفزيون التاريخية التى كانت نقطة لقاء لعملاقة الفن والطرب مصريًا وعربيًا، قطاع الإنتاج العملاق الذى أنتج أعمالًا دراسية لا تنسى من الذاكرة، صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات ذاكرة الأمة فى التراث الفنى، الإذاعة المصرية العملاقة بشبكاتها المتنوعة وتفردها، كل هذا يحقق خسائر متراكمة ويتحول مع مرور الوقت إلى عبء على الموازنة العامة للدولة.
لا أحد يصدق، قل ما شئت عن زيادة العمالة التى يعتبرها البعض سبب الأزمة، تحدثت كما يحلو لك عن المنافسة التى باتت فى صالح القنوات الفضاىية، لكن قبل كل هذا تذكر أن الإدارة لم تقف على الأرضية التى تضمن للمكان عدم الانزلاق نحو هذا المصير.
تذكر أن الدولة ممثلة فى قرارها تجاهلت ماسبيرو وغوت القنوات الفضائية الخاصة، منحت مجموعة من أبناء الوطن حقوق كل الوطن، برامج فى الفضاىيات وبرامج فى الإذاعة، ومقاعد وثيرة فى البرلمان، وعضويات مؤثرة فى الهيئات والاتحاد والمنظمات، وصفوف أولى فى المؤتمرات، ومقاعد درجة أولى فى الرحلات العابرة للقارات، يرفقها هؤلاء بصور سيلفى من أمام يافطة مبنى أو على مائدة الإفطار فى البوفيه المفتوح أو صورة تذكارية مع شخصية مشهورة، من بيده القرار اعتبر الفضاىيات شاشات فضية بألوان مغايرة لألوان ماسبيرو، وكانت النتيجة أن الخسائر بالمليارات، وتعثرت كل قدرات الهيئة الوطنية للإعلام فى تحقيق إيرادات وتعكزت على شبكة إذاعة القرآن الكريم التى باتت تمثل عنصر الجذب للمعلن المستفيد الذى يحقق من وراء إعلاناته فيها مكاسب تحت غطاء، وعبثًا حاولت الدولة أن ترفع العتب فدعمت بعض البرامج فى التلفزيون لكنها جاءت خافتة فقد معها المكان عبق الزمان وسمعة التاريخ، ولم تحقق هذه البرامج أى صدى وكأنها حرث فى الماء
أتساءل لماذا يحدث ما يحدث مع ماسبيرو.؟
التقرير السنوى للعام 2024 الذى أصدره الجهاز المركزى للمحاسبات عن موازنة الهيئة الوطنية للإعلام كشف عن أن الحساب الختامى لموازنات الهيئات العامة الاقتصادية للعام المالى 2022 /2023- رصد خسائر فى الهيئة الوطنية للإعلام مبلغ 10.6 مليار جنيه، هذه الخسائر ليست جديدة فمنذ العام 2018 وفى كل عام يصدر بيان بحجم الخسائر التى تحققها الهيئة.
ففى العام 2018/2019، تم الكشف عن وجود تزايد مُستمر فى خسائر النشاط للهيئة، وبالتالى تزايد حجم الخسائر المُرحلة، فضلًا عن زيادة حجم الديون المُستحقة على الهيئة، فقد أسفر التنفيذ الفعلى لمباشرة الهيئة لنشاطها خلال العام المالى عن تحقيق خسائر العام (عجز النشاط) بنحو 7 مليارات و66 مليون جنيه، بزيادة بلغت نحو 318 مليون جنيه عن السنة السابقة بنسبة 4.7%،
وقد ترتب على تحقيق الهيئة لهذه الخسائر على هذا النحو ارتفاع قيمة الخسائر المُرحلة للهيئة لتبلغ نحو 48 مليارا و277.4 مليون جنيه، تمثل قيمتها نحو 32.1% من قيمة الخسائر المُرحلة لمجمل الهيئات العامة الاقتصادية البالغ قيمتها نحو 150.4 مليار جنيه، ومقابل نحو 6.2 مليار جنيه للسنة المالية 2017/2018 بزيادة نحو 840 مليون جنيه بنسبة 13.4%. وفى عام 2023 أعلن وزير المالية دكتور محمد معيط أن هناك 3 هيئات تحقق خسائر، ولكن هناك تصور فى الموازنة العامة للدولة بدعمها لتقليل هذه الخسائر. وأضاف معيط أن الهيئات هى الهيئة الوطنية للإعلام والتى بلغت خسائرها 12.2 مليار جنيه، الهيئة القومية للأنفاق والتى تحقق خسائر بـ11.7 مليار لالتزامها بتمويل مشروعاتها، وهيئة السكة الحديد والتى لديها خسائر بـ2.9 مليار جنيه لما تتحمله من أعباء ممثلة فى استكمال عدة مشروعات وتحديث إشارات وخلافه.
وأشار إلى أن الموازنة العامة للدولة ستدعم تلك الهيئات بـ10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى دعم هيئة التأمينات الاجتماعية بـ2.2 مليار جنيه لدعم أصحاب المعاشات، مشددا على تأييد توصية لجنة الخطة والموازنة بالمجلس بضرورة توفيق أوضاع الهيئات الخاسرة.
الخسائر مستمرة والحلول غائبة والقدرات العظيمة مهدرة ولا بديل عن حلول جذرية بعد دراسة أمينة ومهنية وحيادية.