ماهر مقلد يكتب: إبراهيم العقباوى.. فارس الصحافة
فى الحياة شخصيات مهما تكتب عنها لا تستطيع التعبير عنها بما تستحق، من هؤلاء الأستاذ إبراهيم العقباوى مدير عام إدارة التوزيع والاشتراكات فى مؤسسة الأهرام الذى ودع الحياة قبل أيام فى هدوء وصمت كما هى سماته وصفاته التى كان عليها طوال سنوات عمله فى الأهرام.
رجل هادئ الطباع، يمتلك شخصية متصالحة مع النفس، يتحرك من أجل النجاح والحفاظ على هيبة مهنة التوزيع للصحف والكتب والمجلات، أتذكر المرة الأولى التى اقتربت منه مهنية عندما شرع فى تأسيس موقع للاشتراكات الرقمية من خلاله يتيح خدمة الاشتراك فى الصحيفة وقراءتها إلكترونيًا وكان هذا فى فترة حجب ظهور مواقع الصحف إلكترونيا، كان يتحدث بالطموح العريض والأمل فى أن يضمن للأهرام القراء عبر هذه المنصة، ثم ذكرى أخرى معه عندما شرعت كريمتى ريهام فى إعداد مشروع الماجستير فى الجامعة الامريكية تحت عنوان الطبعة الأخيرة والتقت به وترك لديها افضل الانطباعات وتحدث عن متاعب مهنة التوزيع والتحديات التى تواجه هذه المهنة.
لقاء آخر خلال أحداث كورونا، حيث تناقشت معه عن مهنة التوزيع وتأثير الصحافة الرقمية على التوزيع. يومها تحدث بصفة الخبير الذى تمرس فى المهنة واعترف بشجاعة وحب أن هناك صعوبات كبيرة تواجه إدارات التوزيع فى الصحف منها ازمة كورونا التى كانت سببا فى عزوف البعض عن شراء الصحف خوفا من العدوى على الرغم من عدم تأكيد أن الصحف قد تنقل العدوى.
وكتب مقالا نشر فى الأهرام تحدث فيه عن إدارات التوزيع وقال: تعمل طوال أيام السنة دون توقف، نفس المهام يتم تنفيذها، البعض يردد أن ارقام توزيع الصحف تتراجع بشكل كبير ويضع عناوين عريضة يعتبرها اسبابا وراء هذا التراجع دون أن يتوقف أمام الحقائق الثابتة على الأرض والتى تضغط بشكل غير مسبوق على الصحافة الورقية وعلى أرقام التوزيع، فعلى سبيل المثال وزير الطيران أصدر قرارا بوقف توزيع الصحف على الطائرات ضمن الإجراءات الاحترازية، كما أن قطاع الفنادق فعل نفس الأمر والبترول وغيرها من المؤسسات والشركات، وهذه القرارات جرت دون سبب علمى فلم يثبت حتى الآن أن الصحيفة تتسبب فى العدوى، فى الوقت الذى لم تتوقف فيه لحظة واحدة تعاملات المواطن مع خدمات التوصيل إلى المنازل من مراكز التسوق والمطاعم، كما لم يتوقف هؤلاء ايضا امام ظاهرة الإجازات الطويلة التى تشهدها البلاد وقرارات الإغلاق وهى جميعها تحرم توزيع الصحف من نصف الفرصة فى الوجود. مما لا شك هذه تحديات تفرض نفسها بقوة وتلزم المؤسسات الصحفية بالتعامل معها بكل جدية واهتمام، الجميع اعتاد أن يطالع الصحف والمجلات وهو يجلس داخل الطائرة، هذا فى كل شركات الطيران العالمية، كما أن نزلاء الفنادق اعتادوا ايضا كل صباح أن يستقبلوا الصحف، صناعة الصحافة صناعة متكاملة ودون أدنى شك الأساس فى استمرارها هو جودة المحتوى التحريرى ومدى قدرة الصحف على الارتقاء بالمضمون التحريرى وتزويده بما ينتظره القارئ من أخبار وتقارير وتحقيقات وحوارات تضمن لها الثقة والصمود. كانت هذه هى شهادته عن التوزيع.
رحيله يمثل خسارة كبيرة للإنسانية فى أسمى صورها، فهو على المستوى المهنى خبير قدير فى فنون التوزيع والاشتراكات يشهد له بذلك جميع من تعامل معه، أما على المستوى الإنسانى فكان يرحمه الله ذا قلب طيب يبتسم فى وجوه الجميع بشوشًا متواضعًا لا يتردد فى تلبية أى طلب لمن يتواصل معه أو مع مكتبه.
نوعية من البشر هى أقرب إلى من تحب أن تعامل وتعاشر، صوت هادئ وابتسامة وفى منتهى الوقار والعطاء، الملامح مصرية أصيلة، ولم تكن هناك أعراض مرضية قبل وفاته لكن هى الأعمار لا يزيد فيها عمر الإنسان ثانية ولا ينقص، من فى الدنيا لا يؤمن بهذه الحقيقة التى لا تغيب أبدا غير أنها مع الحياة تنسى؟!، الإيمان بالله وحده يمنح فى مثل هذه اللحظات الصبر والقدرة على مجابهة لوعة الفراق.
سيبقى اسم ابراهيم العقباوى مدير عام التوزيع والاشتراكات فى مؤسسة الأهرام محفورًا فى ذاكرة زملاء عاشوا معه، وفى ذاكرة القراء الذين تواصلوا معه وكان سفيرا تفتخر به المؤسسة.
هذا الاسم ينتظر التكريم وفاءً للإخلاص والعطاء والطيبة، والعزاء لأسرته الصغيرة وأسرة الصحافة المصرية والعربية والعالمية التى كان يخدمها كل يوم فى الأعياد والإجازات والبرد والحر.