«النهار» تكشف مسارات شبكات تهريب السودانيين إلى مصر.. مأساة الهاربين من «جحيم الحرب» إلى «رحلات الموت»
كتب: محمود سعيد
بات الدخول إلى مصر عبر شبكات التهريب هدفًا لآلاف السودانيين الفارين من مناطق القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي اندلعت في أبريل من العام الماضي، دون اكتراث لمخاطر الرحلة المجهولة في الصحاري ووسط الجبال وسط شكاوى القاهرة من عبء تكلفة استقبال قرابة 9 ملايين "ضيف" قدرتها بـ 10 مليارات دولار.
دخلت الحرب في السودان عامها الثاني وسط سقوط أكثر من 12 ألف قتيل، ومأساة إنسانية ومجاعة وتهجير في كل أنحاء السودان، فيما تتحدث الأمم المتحدة عن أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم وفرار نحو 6.6 ملايين شخص من منازلهم إلى داخل البلاد وخارجها.
تكلفة نقل السوداني تتراوح ما بين 250 ألف إلى 800 ألف جنيه سوداني
يشير السوداني "أحمد. س" إلى تعرض الهاربين من جحيم الحرب إلى خطر الموت والابتزاز، وأن التكلفة تتراوح ما بين 250 ألف جنيه سوداني (20 ألف جنيه مصري) للفرد إلى 800 ألف جنيه سوداني، تزيد مع حجم خطورة الرحلة.
ولفت إلى أن الطريق الأسهل أوصد في وجه السودانيين عن طريق المعبر من الخرطوم للقاهرة وتكلفته 600 جنيه مصري، لكن مع اشتداد وطأة الصراع أغلقت السلطات معبري "قسطل وأرقين"، وتوقف إصدار التأشيرات الأمنية "القنصليات الثلاثة كانت بتطلع 50 تأشيرة فقط في اليوم"، منوهًا إلى أنه قبل الحرب اقتصر السفر على السياح والتجار والطلاب والمرضى.
ربط الهاربين "كالبهائم" في السيارات بسبب المنحدرات الخطرة
"طريق الموت أو النجاة" هكذا رأى "عبد الله" تجربة الوصول إلى مصر، إذ انتقل مع زوجته وأطفاله الأربعة من الخرطوم إلى وادي حلفا أقصى شمال السودان قرب حدود مصر، منتظرًا أكثر من 5 أشهر الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر عبر معبر أرقين دون جدوى.
مع قُرب نفاد أمواله، قرر الأب الفرار بعائلته من الموت، اتفق مع مهربين مقابل 450 ألف جنيه سوداني للفرد، أقلتهم السيارة من وادي حلفا على أن تصل أسوان في 8 ساعات لكنها تعطلت فوصلت بعد 25 ساعة، وأجبره المهربون و12 آخرين على دفع 50 ألفًا إضافية مقابلة التعطل.
كالبهائم، ربط المهربون السودانيون الهاربين بالحبال في عربة "بوكس" حتى لا يسقطوا من جراء السرعة أو على أحد المنحدرات الخطرة حتى وصلوا بعد عناء إلى أسوان.
وقال مازن منصور، الخبير في شؤون الهجرة، إن من دخل إلى مصر بطريقة غير شرعية سيواجهه عقبات قانونية لعدم تقنين وضعه، بالإضافة إلى أن الحصول على الإقامة الرسمية يحتاج مبالغ طائلة، والتسجيل بمفوضية اللاجئين للحصول على "البطاقة الصفراء" التي توفر له الحماية القانونية من الترحيل يستغرق فترة طويلة.
أمّا "مريم. ح" وعائلتها فاستغرقت رحلتهم عبر الصحاري والمنحدرات 3 أيام حتى وصلوا إلى أسوان، كانت ابنة الـ16 سنة وعائلتها يعيشون في بحري بالخرطوم حين اندلعت معارك شديدة "لقينا عربية بتقول تهريب تهريب.. فقررنا نهرب بحياتنا"، وامتثلوا لطلبات المهربين بدفع 300 ألف جنيه سوداني للفرد، فرضخوا.
لم تنتهِ المأساة بوصولهم أسوان، ابتزهم المُهرب طالبًا دفع أموالًا إضافية لتوصيلهم إلى القاهرة، فدفعت والدتها جميع ما تبقى من أموالها، وبعد 12 ساعة تركهم في العراء "مش عارفين أي زول هنا". 6 أيام قضتها الأسرة في الشارع حتى تلقفتهم سيدة سودانية أوصلتهم لجمعية سودانية خيرية وفرت لهم المسكن والمأكل.
يكشف أحد السماسرة في حديثه لـ"النهار" إلى مسارين للتهريب، الأول من مناطق السودان إلى وادي حلفا ومنها إلى أسوان، أو الشمندي إلى حلايب وشلاتين ومنها إلى إدفو عبر المناطق الحدودية.
طوابير أمام مفوضية اللاجئين للحصول على "الكارت الأصفر"
أمام مكتب مفوضية اللاجئين، تتكدس طوابير الراغبين في الحصول على "الكارت الأصفر" لتقنين الإقامة ومن بينهم "فاطمة وأطفالها" التي وصلت إلى مصر عبر الطريق الصحراوي من شمال السودان، وبعد التردد على المفوضية لمدة شهرين حصلت عليه لحين توفيق أوضاعها بشكل كامل.
وكانت الحكومة حددت رسومًا 1000 دولار لتقنين وتوفيق الأجانب المقيمين بمصر إقامة غير شرعية.
وحتى نهاية أبريل 2024، تستضيف مصر أكثر من 600 ألف لاجئ وطالب لجوء من 62 جنسية مختلفة، منهم 324 ألف لاجئًا سودانيًا.