النهار
السبت 5 أكتوبر 2024 10:30 صـ 2 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

كيف وظفت ناميبيا تاريخ الإبادة الجماعية لإحراج ألمانيا؟

رئيس جمهورية نامبيا هاكه كينكوب
رئيس جمهورية نامبيا هاكه كينكوب

في الوقت الذي لم تتوصل فيه ألمانيا لاتفاق شامل مع ناميبيا يتيح طيّ صفحة الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما خلال الحقبة الاستعمارية جاءت الانتقادات الكبيرة من ناميبيا لألمانيا بسبب دعم هذه الأخيرة لإسرائيل لتزيد من الضغوط على برلين مما قد يهدد الاتفاق الهش الذي وقعته سابقا مع الحكومة الناميبية.

وربط الرئيس الناميبي هاكه كينكوب -في بيان- بين وقوف ألمانيا إلى جانب إسرائيل في الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية وبين عجز ألمانيا عن استخلاص الدروس من تاريخها الرهيب وتتعاطف المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا سوابو وهو الحزب الحاكم في ناميبيا مع فلسطين بشكل كبير بحكم أن الحزب أسس لأجل الاستقلال عن جنوب أفريقيا
ويعدّ الانتقاد الناميبي في غاية الحساسية بالنسبة لألمانيا بحكم اتهامه لبرلين بـ تجاهل أعمال الإبادة الجماعية المروعة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية مع تذكيرها بماضيها مع الإبادة الجماعية التي اعترفت برلين بوقوعها في ناميبيا بناء على اتفاق عام 2021 مع حكومة ناميبيا وبموجبه قرّرت ألمانيا دفع 1.1 مليار يورو كمساعدات تنموية للدولة الأفريقية.

بيد أن الاتفاق لم يقبله كثير من القياديين والشخصيات من أحفاد ضحايا الإبادة بحجة أن المفاوضات تمت مع الحكومة وليس مع المتضريين كما أن التعويض موجه حصرا للدعم التنموي ولن تستفيد منه العائلات والأسر المتضررة وقالت برلين من جانبها إن ناميبيا تتوفر على حكومة ديمقراطية وبالتالي لا يمكن إجراء تسويات مع أفراد أو مجموعات. كما دعم الاتفاق بعض الشخصيات الأخرى من قبيلة هيريرو الذين كانوا حاضرين في المفاوضات.

الحكومتان الألمانية والناميبية اعتقدتا أن دعوة ممثلين عن القبائل متروك لتقديراتهما السياسية وهذا غير صحيح لأنه وفقا للقانون الدولي العرفي فمشاركة المجتمعات المتضررة ضرورية كما أن التدابير الإصلاحية غير كافية ولذلك عليها التراجع عن الاتفاق ومباشرة عملية جديدة
وارتفعت الأصوات داخل ناميبيا بانتقاد المواقف الألمانية الأخيرة وقال أسوتوايجي مامبيروا الرئيس السابق للاتحاد الوطني لجنوب غرب أفريقيا إن رفض ألمانيا الاعتراف بالفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين هي محاولة للهروب من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في ناميبيا قائلا إن برلين لن تتمكن من محو تاريخ بلاده حسب ما نقلته صحيفة ذا ناميبيان.

ولكن ألمانيا اعترفت أكثر من مرة بالإبادة في ناميبيا وذكرت الخارجية الألمانية في بيان عام 2021 أنها لا تتحفظ ولا تتردد في تسمية الفظائع التي ارتكب ما بين 1904 و1908 بالإبادة الجماعية وأكدت أنه نظرا للمسؤولية التاريخية والأخلاقية التي تتحملها ألمانيا فهي تطلب الصفح من ناميبيا وأحفاد الضحايا.

وكانت ناميبيا تمثل جزءا من المستعمرات الألمانية في عدة مناطق في أفريقيا في الفترة ما بين 1884 و1918 إلى جانب دول رواندا وبوروندي وتنزانيا وغانا وتوجو والكاميرون.

وقد تخلّت ألمانيا عن مستعمراتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى لكن رحيل ألمانيا لم يمنح لهذه المستعمرات الاستقلال إذ بقيت تحت سطوة دول وقوى أخرى مثل ما وقع لناميبيا التي بقيت تحت سيطرة جنوب أفريقيا حتي الاستقلال 1990.

وتتمتع ناميبيا التي كانت تسمى بجنوب غرب أفريقيا بأهمية خاصة حيث استقبلت حوالي نصف المستوطنين الألمان في أفريقيا بسبب موقعها الإستراتيجي وغناها بالموارد الطبيعية واستولى الوافدون على الأراضي وانتهكوا حقوق السكان خصوصا في استغلالهم في أعمال السخرة.

ولأجل إخماد تمرّد السكان لجأت القوات الألمانية إلى قمع عنيف أدى إلى مقتل حوالي 65 ألفا من شعب هيريرو (80% من عدد القبيلة) و10 آلاف من شعب ناما (50%)، حسب أرقام جامعة بون الألمانية ومن تبقوا عانوا من قمع كبير.

بيد أن هناك من يرى أن بيان الرئيس الناميبي يأتي لتخفيف الانتقادات الداخلية بسبب اتفاقه السابق مع ألمانيا الدعوى أمام المحكمة العليا الناميبية موجهة ضد سلطات الدولة الناميبية بما فيها الرئيس لأنها انتهكت مع ألمانيا القانون الدولي .