النهار
الإثنين 21 أكتوبر 2024 06:20 مـ 18 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
الداخلية تنفي فصل شرطي لتشاجره مع سائح أمام الأهرامات بتكلفة 7 مليون جنيه.. محافظ بورسعيد مشروع إحلال وتجديد شبكات الصرف الصحي بالضواحي المؤبد لطبيب ومالكة صيدلية بتهمة الاتجار في أدوية مخدرة بالبحيرة رياضة الدقهلية تنظم مهرجان الألعاب الترويحية بمركز شباب الخيارية عبدالغفار: سيتم الاعتماد على البيانات الفورية لضمان مرونة الاستراتيجية الوطنية للصحة المقاولون العرب يتعادل مع سبورتنج ويحافظ على صدارة دوري المحترفين خالد عبدالغفار: تحديد الأولويات يساهم في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للصحة الداخلية تناشد الأجانب في مصر بتقنين أوضاعهم الدكتور عمرو تمراز يتقدم بأوراق ترشحه على رئاسة اتحاد الكانوي والكياك موقف حجازي..تشكيل نيوم أمام الصفا بدوري الدرجة الأولى السعودي عزة هيكل للنهار:نحن نعيش بعصر مافيا إنتاجية وعندما تتغير سوف يظهر الفن الحقيقي المشدد 6 سنوات لسائق وعامل لإتجارهم في الهيروين والحشيش بالقناطر الخيرية

أهم الأخبار

فاروق حسنى : فى زمن مبارك كنا نبنى الدولة على حساب الإنسان

قريباً جداً، ينقل فاروق حسنى "نشاطه الفنى" إلى دبى، ونهائياً على الأرجح. هل هو على عتبة الهجرة؟ إنه ينتظر رفع إجراءات حظر السفر- قرار أرّقه فى الفترة الأخيرة - ليجوب العالم متخففاً من الحمل الثقيل: «أنا الآن بلا عِتاد... هذا هو التحدى الحقيقى». الآن سيترك وزير الثقافة المصرى الأسبق خلفه تركة من مسيرة طويلة لم تُحسم أبرز قضاياها بعد، ولا تزال معاركها قيد الجدل حتى اليوم.

لا يعتقد وزير ثقافة نظام حسنى مبارك لثلاثة وعشرين سنة أنه سيقوى على الإقامة فى مكان واحد، بل هو يصف حياته المقبلة بأنها ستكون «تنقّلات» ما بين روما وباريس والخليج.

«الدولة الآن فى حال من السيولة الشديدة، أوضاع كثيرة تغيّرت ومعظم محبى الفن واقتناء اللوحات هاجروا، وأنا لن أتحمّل تخزين لوحات تعوّدت أن تجوب معارض العالم»، يقول حسنى. لا يبدو مشغولاً كثيراً بتوثيق شهادته عن عصر وحقبة ونظام عرف رموزه وكان قريباً منه وخدم فيه كأقدم وزير، وإنما يفضل فى هذه المرحلة التركيز على «الفنان» فى مسيرته. أمّا المواقف والأحداث الثقافية والسياسية الفاصلة فى تاريخ مصر المعاصر، فهى لن تزاحم «العواطف» فى ذكريات الطفولة والعلاقة مع البحر وطيور النورس ثم خبرات الحياة الأوروبية فى مذكرات يُسجلها حسنى - منذ أربع سنوات - على شكل محاورات مع شاعر شاب.

مئة وخمسون مكتبة عامة وأكثر من ثلاثين متحفاً وقصور ثقافة ومراكز للإبداع وثلاثة مسارح أوبرا فى القاهرة والإسكندرية ودمنهور، وأخيراً «المتحف المصرى الكبير».

«الإنجازات» لها حتماً مكان الصدارة فى حديث الوزير الفنان، أما أخطاء عهده، فهى بالضرورة «أخطاء الآخرين».

الهدوء والابتسامة والتباسط فى الحديث تُشكّل ملامح شخصية فاروق حسنى التى طالما عُرف بها، لا فى هذا الحوار فقط. فى حديثه إلى «الحياة» لن يتخلى حسنى بسهولة عن «تلقائية» تفضح بعض المراوغات، أو تحول دون امتناعه عن الإجابة.

وبرغم إصراره على تقديم مبررات بدت معها محاولات حمله على الاعتراف بالتقصير بائسة، إلاّ أنّ شهادته الخاصة عن عصر مبارك جاءت كالآتي: «كنّا مقصّرين... كانت تُبنى دولة، على حساب الإنسان»

يقول حسنى إن التاريخ يذكره كواحد من أفراد النظام السابق، أما هو فلا يعيبه ذلك لأنّه سعد بالعمل مع هذا النظام: «تركنى أفعل ما أريد، كانت راحتى كبيرة». ويضيف: «أحببت كثيراً حسنى مبارك، وقف خلفى مرّات، ليس هناك ما يجبرنى على التنكر لمواقف كان فيها قوياً وشريفاً. أما سوزان (زوجة الرئيس السابق) فأبسط حكم عادل بشأنها هو أنها كانت واجهة مشرّفة لمصر فى الخارج».

عفوياً جاءنى الرد على الهاتف: «سيادة الوزير معك»! لا يزال فريق المكتب الخاص، وهو محترف ومرسم فى ضاحية الزمالك، يتصرف وكأن وزير الثقافة الأسبق لم يبرح منصبه، حتى مظاهر حياته وتحركاته لم تفقد «وجاهتها». ينعم بحياة هادئة ومرفّهة لم تتغير كثيراً بعد الثورة: «حياتى فى الوزارة هى حياتى الآن».

ينتظر فاروق حسنى صدور كتاب توثيقى عن دار «إلياس» فى القاهرة، أعدّه الفنان مصطفى الرزاز يتناول فيه لوحاته، وكانت الجامعة الأميركية فى القاهرة اعتذرت عن عدم طباعته عبر دار النشر التابعة لها، «مراعاة للأوضاع التى تمر بها البلاد». أما مذكراته، فهو يُرجئ نشرها لاعتقاده أن القرّاء فى مصر ليسوا مهيّئين حالياً لاستقبال «شيء ممتع».

تهمة «الكسب غير المشروع» التى برّأه القضاء المصرى منها أخيراً، كانت تطوّراً غير مريح بالنسبة إليه ضمن الأحداث التى تلت الثورة. ظلّ لشهر ونيف لا يرسم. تحسّسه من هذه القضية فاق الشعور بـ «حرج» أو «مسؤولية»، لكونه أحد رموز نظام أسقطته ثورة شعب. وبمرارة كبيرة يستعيد إجراءات تفتيش ممتلكاته، قائلاً: «شعرتُ بالظلم البيّن»، ثم يتخلى عن التأثّر ويُعاود تناول الأمور بتساهله المعهود: «طوال الوقت كنت أُتّهم بسرقة الآثار والغنى الفاحش، لكنّ حكم البراءة، جاء، ليؤكد بطلان منطلقات من ينتقدني».

بعد الثورة، عاد فاروق حسنى إلى مرسمه، وأنجز أكثر من 60 لوحة، لكنّه يقول إن إنتاجه أيام الوزارة كان أغزر: «وزارة الثقافة هى اللوحة الكبيرة... لم أكن أبداً موظفاً لدى الدولة». لكنّه يتمتع اليوم، كما يقول، بفرصة أكبر للتأمل والقراءة، تحديداً فى العلوم والفيزياء، وسماع الموسيقى الكلاسيكية التى يعشقها، وأخيراً لقاء الأصدقاء.

أحياناً، يرتاد متنزهات عامة، خصوصاً تلك المطلّة على النيل أو الملحقة بحدائق مفتوحة: «يرانى أُناس عاديون فيُقبلون على ويبادرون بالتحية، كأننى كنت غائباً ثمّ عدت». أمّا رفاقه اليوم فهم «رفقاء الفكر والموسيقى: محمد درويش، وجيه، هبة، هانى شنودة...».

وهو يستعيد ذكرى بداية تسلّم مهمات الوزارة يتخلى عن هدوئه، الكلمات تصاحبها ضربات متواترة بكفه على المسند: «جئت وأنا أحفظ مصر كلها عن ظهر قلب»، فى إشارة إلى وظائف ثقافية عدة تولاها قبل أن يصبح وزيراً لمدة 23 سنة انقضت و»لم يكن أتم إلاّ ثلاثة أرباع ما طمح إليه». يقول فاروق حسنى بعد كل هذه الأعوام: «لم آخذ حقى من التقدير، لكننى سأناله حتماً ذات يوم».

«حظيرة» وزارة الثقافة، ذلك المصطلح الذى جرى تداوله لوصف استقطاب المثقفين المصريين، لا يزعج الوزير السابق: «هذا أمر مشرّف، يدلّ على إدراك قيمة الوزارة».

ينقم قطاع عريض من المسرحيين فى مصر على فاروق حسني، بعضهم حمّله مسؤولية تجمّد أنشطة مسارح هدمتها خطط تطوير لم تكتمل فى الوقت الذى استنزفت أموالاً طائلة. المعارك فى هذا الصدد لم تنته حتى الآن، لكن حسنى يواجه بشراسة: «مفلسون ينبشون فى الدفاتر القديمة». على أية حال هناك اليوم مسرحيون، عروضهم مهددة بالتوقف لشحّ التمويل، يحنّون إلى أيام فاروق حسنى ويرون أن الأحوال تدهورت من بعده.

يدافع حسنى عن «صندوق التنمية الثقافية»، الذى أنشأه، كما يقول، من «دخل الوزارة لا بأموال الدولة». رفع هذا الصندوق قيمة منح التفرغ من 150 جنيهاً فى الشهر حتى بلغت 1500 جنيه، ولولاه ما تمّت مشاريع كثيرة مثل: صالون الشباب وجوائز مهرجانات المسرح والسينما، والمركز القومى للموسيقى...وقضايا الفساد التى طاولت الصندوق لا تعنى له الكثير: أيمن عبد المنعم (أحد مساعديه) متهم باختلاس 980 ألف جنيه، والصندوق موازنته أضخم من ذلك بكثير.

يعترف فاروق حسنى بأنّ الرئيس السابق حسنى مبارك رفض قبول استقالته ثلاث مرات وكان يقول له: «أنت تعمل معى لا مع الحكومة». حريق قصر الثقافة فى بنى سويف، جنوب القاهرة، هو فى نظر فاروق حسنى «غباء من الآخرين»، وسرقة لوحة «زهرة الخشخاش»، تقع خارج نطاق مسؤولياته. يؤكد أنه اعتمد قبل واقعة السرقة بستة أشهر 27 مليون جنيه لتطوير متحف محمود خليل وصيانته، وهو كان يقتنى اللوحة الشهيرة، ولم يتمّ شيء.

وزارة الثقافة هى «تربوية» فى الأساس، ما دامت مسئولة عن ثقافة الناس، وهو يبرر هنا قرار مصادرة ثلاث روايات أصدرتها هيئة تابعة لوزارة الثقافة فى مستهل الألفية الثانية، مع أنه وقف قبل تلك الواقعة بشهور قليلة ضدّ مصادرة رواية نشرتها الهيئة نفسها وهى رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السورى حيدر حيدر. يرد الوزير بأنه لمس «تدنياً فاضحاً» دفعه إلى «الخجل» عندما قرأ الروايات الثلاث، التى صدرت ضمن سلسلة كان يرأس تحريرها الروائى المصرى الراحل محمد البساطى، لكنّ رواية حيدر ذكّرته بإبداعات نجيب محفوظ، ومن ثم لم يجد مبرراً للمطالبة بمصادرتها.

ويوضح أن موقفه فى قضية الروايات الثلاث استهدف «إبطال مفعول خطة لتوريط الوزارة فى صدام مع المحافظين»، ثم يستدرك: «أشهر معاركى كانت فى مجلس الشعب (البرلمان) والجميع كان ينتظرها، معركة الثقافة مع التخلف، الثقـــافة هى حائط الصدّ الأخير، وأنا قدّمت الإبداع كما يجب وكما أعرفه وأحبه وأحب أن يتعاطاه المصريون».

أخيراً، لا يستطيع فاروق حسنى الحدس بالشكل الذى ستكون عليه الثقافة والإبداع بعد عامين على الثورة وفى ظلّ حكم الإخوان. «ما تغيّر هو روح الشعب، والمطلوب فى المستقبل جديّة المشروع الثقافي». كما يقول.