”عائدون إلى الحرية”.. النهار تحاور أسيرات فلسطينيات محررات من سجون الأحتلال
من رحم المعاناة يولد الأمل، أيام عديدة عاشها أهالى قطاع غزة فى آلم وخوف وحزن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، ولكن مع دخول الهدنة والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، بدأ الأمل يشرق من جديد، ليعود الأسيرات والأطفال إلى أحضان أسرهم، بعد غياب لسنوات طويلة، فى غياهب السجون فقط لدفاعهم عن أرض وطنهم المحتل.
أجرت جريدة "النهار المصرية" حوار مع عدد من الأسيرات المحررات من سجون الأحتلال عبر تطبيق "زووم" واللواتي قصصن حكايات الأسر والأفراج ولحظات الفرح بلقاء الأهل بعد طول غياب.
شعرنا بحالة فرح ممزوجة بالحزن
رؤي جبران فتاة فلسطينية فى مقتل العمر، وهي ابنة أخت الأسيرة المحررة المقدسية نهاية صوان، تروي قصة اعتقال خالتها قبل عامين، تقول، بعد وفاة جدي وجدتي لجأت خالتي إلى الله وكانت دائمًا ما تحرص على الذهاب إلى المسجد الأقصي أسبوعيًا، وفى أحد المرات استوقفها أحد جنود جيش الاحتلال وطلب تفتيشها، فعنفته لكونها سيدة، فاعتدي عليها واعتقلها بلا سبب.
بعد دقائق من حديث "رؤي" قررت "نهاية صوان" الحديث، لننفرد معاها بأول حوار لها بعد الإفراج عنها، والتى بدأت كلامها بـ"الحمد لله، شعور الحرية غال"، وتابعت "نهاية" قضيت فترة الاحتجاز فى سجن "الدامون" بشمال فلسطين المحتلة، وهو سجن خاص بالنساء والأطفال الفلسطينين المعتقلين، قضيت فيه لحظات صعبة، فبعد أشهر من الاعتقال صودر مني كل شيئ، حتي الكرسي الصغير الذى كنت استخدمه للصلاة، ولكن كان أصعبها العزلة عن العالم الخارجي، شوهت جسدي وروحي وعقلي ونفسي وحتي قلبي.
وبعيون تملئوها الفرحة تابعت "نهاية"، اتعذبنا كتير وتعرضنا للسب والشتم، وشتي ألوان العقاب، من غرف الحب الانفرادي، إلى منع الطعام والحرمان من الخروج من الغرف، حتي انهم منعوا عنها فى كثير من الأحيان الزيارات لأشهر عديدة، وفي بعض الأحيان الذى كان يمرض، كانوا لا يهتمون بعرضه إلى علي الطبيب.
وعن تلقيها خبر الإفراج عنها، قالت: "فوجئت بحراس السجن يحضرون إلي فى صباح اليوم وطلبوا مني ارتداء ملابسي، وأخبروني بأنه سيتم الأفراج عنه، لم أصدق ما أسمع، وأعتقدت إنه حيلة من حيل الإسرائيلين، ولكني أدرك بعد ساعات أن الأمر يبدوا حقيقيًا فكنت فى غاية سعادتي، كان بدي أخرج أنا مشتاقة كثيرًا لأسرتي وعائلتي وأبناء وطني وبيتي، وحينما سمعت أذان الفجر لأول مرة بعد الخروج من السجن قلت "لا إله إلا الله، الحمد لله إنني عشت لأعود وأسمع صوت نداء الحق".
وبأمل يملؤه اليقين بالله تختم "صنوان" وتقول: "بدنا رسالة رحمة وسلام لغزة، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحي، والأسري تحريركم قريب، إن شاء الله يتم تبيض كامل السجون، ليكون فخر ونصر عزيز.
تعود "رؤي" للحديث عن خالتها وتقول، حينما قابلت خالتي لأول مرة عقب الخروج من الأسر بكينا بكاء صامت بكاء القلب والروح، كان هناك حالة فرح ممزوجة بالحزن، وتتابع منذ خروجها من السجن وهي فى حالة صدمة، وهذا طبيعي لأي إنسان يتعرض لمثل ما تعرضت إليه، فما بالك بسيدة مسالمة وطيبة وحنونة، تعاني مرض السكري، والكوليسترول، السجن غير كثيرًا فى شخصيتها ونفسيتها.
حصلت علي حريتي مؤخرًا
لم تكن "نهاية" القصة عند "نهاية صوان"، ولكن مئات بل آلاف الأسري يقبعون تحت الظلم فى سجون جيش الأحتلال الإسرائيلي، من بينهم "حنان البرغوثي" أو "أم حنان"، التى حصلت على حرية مؤخرًا فى صفقة تبادل الأسري التى عقدت بين الفصائل الفلسطينية وبين جيش الأحتلال الإسرائيلي، بعد ثمانين يومًا قضتهم فى ظل الأسر، وهي شقيقة نائل البرغوثي أقدم سجين فى سجون الأحتلال منذ أربعة وأرعين عامًا، قبض عليها إدريًا بلا أي تهمة، فقط لمجرد أنها ناشطة فى مجال الأسري، فشقيقها أسير وابنائها أسري وهذا دفعها لأن تشارك فى الفعاليات التى تخص الأسري، وهذه هي تهمتها الوحيدة.
تقول "حنان" فى حديثها مع "النهار"، السجن كان سيء للغاية ولكنه ازداد سواءً بعد السابع من أكتوبر، قطعوا الكهرباء والمياه وقللوا كمية الطعام، ونتيجة كثرة الأعتقالات اكتظت الغرف بالمعتقلين، وأصبحت الغرفة التى تسع 4 تصم 12 من الأسيرات، كنت أنا وزوجة أخي سهير البرغوثي التى تم الأفراج عنها بعدي بيومين فى "زنزانة" واحدة، نحن عائلة معظمها فى الأسر، ابنائى الأربعة وأبناء أخي أثنين وابن أخو زوجي، وأخوي وغيرهم، 25 أسير من عائلتنا فقط، أنا عندي 16 حفيد أبائهم فى السجون، أحنا شعب ما بيرضخ للاحتلال، وما دام الأحتلال موجود سنظل نساند قضيتنا، على اية حال بعد فترة بدأنا نسمع عن وجود صفقة تبادل أسرى، ولكن ما كنا متوقعين بهذه السرعة.
وتتابع "حنان"، عرفت أنني ضمن الأسماء المفرج عنها فكانت سعادتي غامرة، ورغم ذلك حاول جنود الأحتلال أفسادها، بالمعاملة السيئة طوال الطريق وحتي تسليمنا للصليب الأحمر، والحمد لله خرجنا، وفرحة الحرية ما فيش بعدها فرحة، ولكن فى غصة فى قلبي، لأني تركت خلفي ابنائى الأربعة، لا أعرف مكانهم، وشقيقي الذى يقبع فى سجون الأحتلال من 44 سنة، ولا أستطيع أن أفعل لهم شيئًا، وكم الدمار الذى لحق بغزة، البيوت المهدمة والأطفال المشردة، والناس التى ترملت وبحر الدماء فى المشافي والمدارس والكنائس والمساجد.
مريت بظروف قاسية فى الأعتقال من السب والقذف والتحرش اللفظي والجنسي والتهديد بالأغتصاب، وتعصيب عيناي، هذا فضلًا عن أن كل شيئ يتم بأوامر الأحتلال داخل السجن من الأكل والشرب والنوم، وحينما وقعت أحداث السابع من أكتوبر، أظهرنا فرحتنا، وكبرنا وهللنا داخل السجن، فدخل علينا السجانين رشونا بالغاز وضربونا بالعصي، حتي شعرت أنني دنوت من الموت، وأستودعت ابنائى وديني لله.
الفترة التى قضيتها فى الأعتقال كان لها تأثيرات سلبية على صحتنا، خاصة وإني مريضة ضغط وسكر، ولم يكن هناك رعاية طبية، وكل الأسيرات وزنهم قل، أنا عن نفسى نزلت 10 كجم، بالإضافة إلى التلبك المعوي، نتيجة شرب مياه الكلور، ومشاكل فى الكلي والكبد، مافي أسيرة ما بترجع بمرض، وكان معنا أختنا "انعطاف" جسمها كله أزرق نتيجة الضرب، وأخريات عانين من الأختناق نتيجة الغاز، ولكن الحمد لله عدت على خير.
وفى رسالة مليئة بالأمل قالت "حنان"، إلى أخواتي فى الأسر أصبروا فالتحرير وفرج الله قريب، وبطلب من العالم إلا يكيل بمكيلين، وينظر للاحتلال أنه صاحب الحق، "جولدا مائير" نفسها اعترفت بأنه كانت مواطنة فلسطينية، وهذا أن دل على شيئ يدل على أن فلسطين للفلسطينين، وأحنا أصحاب حق ويجب أن يعلم العالم كله ذلك.