الحرب في غزة تنتقل من فلسطين إلى العواصم الأوروبية
تكافح أوروبا لإيجاد موقف موحد بينما يتبادل السفراء الإسرائيليون الانتقادات اللاذعة مع الحكومات الأوروبية
على الرغم من أن 999 من كل 1000 شخص على وجه الأرض يعيشون خارج مسرح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أنه ظل لفترة طويلة مسيطراً على الخيال العام أقوى من سيطرة العديد من الصراعات الأكبر حجماً والأكثر فتكاً.
بالكاد لاحظ معظم العالم الحرب التي مزقت إثيوبيا بين عامي 2020 و2022، وتسببت في فظائع لا حصر لها ومئات الآلاف من القتلى، فقد أظهرت عمليات القتل والاغتصاب ضد المدنيين أكثر فتكاً حتى من تلك التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
إن عدد القتلى في حرب إثيوبيا تجاوز بكثير عدد القتلى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يعود إلى عام 1948، بالإضافة إلى كل الحروب العربية الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة اليهودية، ولكن الحرب في إثيوبيا لم تدفع الساسة الأجانب إلى حالة من الجنون على تويتر، أو تقسيم الجامعات، أو إثارة الغضب في مختلف أنحاء العالم، كافحت المجتمعات التي دمرتها تلك الحرب لجعل الغرباء يلاحظون ما كان يحدث.
إن الأحداث التي تشهدها غزة تنتشر كالنار في الهشيم ويرجع ذلك الأبعاد الأيديولوجية التي ربطها العالم بالصراع، أثبتت هذه الحرب أنها ليست استثناءً، وقد امتدت موجات الصدمة عبر القارات الست المأهولة.
الأصوات الأوروبية خارجة عن الانسجام
لقد ناضل كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد صوت يمثل جميع أعضائهم.
تعرضت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لانتقادات واسعة النطاق من قبل الحكومات التي شعرت أن تصريحاتها خلال رحلة إلى إسرائيل في أعقاب عملية حماس في 7 أكتوبر أعطت حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لانتهاك القانون الدولي، كما اتُهمت بإظهار تعاطفها مع الإسرائيليين أكثر من تعاطفها مع الفلسطينيين.
اشتكى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل من عدم استشارته أو حتى إبلاغه، بشأن رحلة فون دير لاين إلى إسرائيل.
كما انتقد منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فون دير لاين عندما قال للبرلمان الأوروبي إن "الحق في الدفاع عن النفس، مثل أي حق آخر، له حدود، في هذه الحالة إنها الحدود التي وضعها القانون الدولي وعلى وجه الخصوص القانون الإنساني الدولي".
أضاف منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي أن "إدانة مأساة واحدة لا ينبغي أن تمنعنا من إدانة مأساة أخرى، وإن إظهار تعاطفنا مع قتلى إسرائيل لا ينبغي ولا يمنعنا، من إظهار مشاعرنا تجاه القتلى الآخرين".
دافعت فون دير لاين عن موقفها، وقالت: "أعتقد أنه كان من المهم تمرير رسالة التضامن هذه شخصيًا في إسرائيل، بعد أيام قليلة من هجوم حماس".
وأوضحت: "فقط إذا اعترفنا بألم إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، سنكون لدينا المصداقية للقول إن إسرائيل يجب أن تتصرف كدولة ديمقراطية بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي، وأنه من الضروري حماية أرواح المدنيين، وخاصة في المناطق المحتلة وسط الحرب."
كما حذرت من تصاعد معاداة السامية في أوروبا وقالت "إن مسؤوليتنا المشتركة هي التأكد من أن ماضينا المظلم لن يعود، علينا حماية الحياة اليهودية في أوروبا".
شدد زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين دعوا إلى اجتماع طارئ لمحاولة التوصل إلى توافق في الآراء، على ضرورة أن تتحدث أوروبا بشكل موحد، لكنهم ظلوا على خلاف حول ماهية هذه الرسالة.
فرنسا وألمانيا تحظران المظاهرات
وبينما ألقت بريطانيا وألمانيا دعمهما بالكامل خلف إسرائيل، بدت فرنسا منشغلة بتداعيات الحرب على المستوى الداخلي.
تعتبر فرنسا موطناً لأكبر عدد من السكان اليهود في أوروبا على الإطلاق، كما تضم أكبر عدد من السكان المسلمين، ويفوق عدد المسلمين الفرنسيين عدد اليهود الفرنسيين بنحو عشرة إلى واحد.
أيدت محكمة فرنسية جزئيا الحظر المؤقت الذي فرضته فرنسا على المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، والذي كان الدافع في معظمه هو الخوف من أعمال الشغب، وقد هزت فرنسا مؤخرا أعمال شغب كلفت البلاد أكثر من مليار دولار.
كما حظرت بعض المدن الألمانية، بما في ذلك برلين وفرانكفورت، الاحتجاجات . وأشارت السلطات هناك إلى ضرورة الحفاظ على النظام العام ومنع الاحتفال بـ7 أكتوبر.
وجدت الحكومة الاشتراكية الإسبانية نفسها على خلاف مع إسرائيل بعد أن اتهم بعض أعضائها الدولة اليهودية بارتكاب "إبادة جماعية" وأعربوا عن دعمهم للقضية الفلسطينية.
وكانت وزيرة العمل الاجتماعي إيوني بيلارا صريحة بشكل خاص، حيث عقدت مؤتمرا صحفيا دعت فيه حكومتها إلى إحالة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، واتهمت إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية مخططة" في غزة، ودعت إلى إنهاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
غضب إسرائيلي من إسبانيا
وردت السفارة الإسرائيلية في مدريد برسالة غاضبة تتهم فيها "عناصر معينة داخل الحكومة الإسبانية بالتحالف مع الإرهاب على غرار تنظيم داعش.
وردت وزارة الخارجية الإسبانية ببيان جاء فيه أن "الحكومة الإسبانية ترفض بشكل قاطع الأكاذيب الواردة في بيان سفارة إسرائيل بشأن بعض أعضائها ولا تقبل التلميحات التي لا أساس لها بشأنهم".
وقال البيان إن الحكومة الإسبانية "تدين بشكل قاطع... الهجمات التي ترتكبها حماس وتؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضمن حدود القانون الدولي، كما دعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن على الفو، وأكد مجددا دعم إسبانيا لحل الدولتين.